هآرتس – بقلم: عاموس هرئيل كان وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، مصمماً على تنفيذ وعده الانتخابي: زيارة الحرم عند تسلمه لمنصبه. لم يكن لدى رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ورؤساء جهاز الأمن أي سبب للتحمس من الزيارة، سواء من حيث مكانها أو توقيتها. خطط نتنياهو لزيارة سياسية أولى في ولايته الجديدة للإمارات، في حين تخوفت الأجهزة الاستخبارية من أن تحدث زيارة بن غفير، بصفته الجديدة في هذا الموقع الحساس، اشتعالاً في الساحة الفلسطينية.
نوقشت هذه الأمور في الاتصالات التي أجراها نتنياهو مع أصحاب الشأن. في هذه الأثناء، هاجم سياسيون ومراسلون من اليسار عبر الشبكات الاجتماعية بن غفير لأنه لا يفي بوعوده. وجد بن غفير نفسه مكبلاً، وواصل الضغط على نتنياهو، وفي نهاية المطاف، عثر على حل. سيقول الوزير للمراسلين بأنه ينوي زيارة الحرم في الأسابيع القريبة القادمة، وسيستعد في غضون ذلك لتبكير الزيارة بتغطية إعلامية متدنية، وسيجريها في صباح اليوم التالي، وهذا ما حدث. زار بن غفير الحرم تحت حراسة مشددة، لكن الفلسطينيين لم يتمكنوا من إعداد استقبال صاخب له، وجرت الزيارة بهدوء نسبي. بالإجمال، مكث الوزير في الحرم 13 دقيقة دون أن يؤدي الصلاة.
أوضح مكتب رئيس الحكومة لوسائل الإعلام بأن بن غفير ليس الوزير الأول الذي يزور الحرم (جلعاد أردان فعل ذلك من قبل)؛ نتنياهو يلتزم بالحفاظ على الوضع الراهن في الحرم بدون أي تغيير؛ أي ادعاء عن تغيير الوضع هو ادعاء لا أساس له من الصحة. قبل الانتخابات، تحدث بن غفير بشكل مختلف ووعد بالعمل على تغيير الوضع الراهن في الحرم. من المهم لنتنياهو أن يوضح بأنه هو صاحب القول الفصل.
مع ذلك، زيارة بن غفير للحرم تعكس تغييراً في الوضع، على الأقل في علاقات القوة داخل الائتلاف. كانت هناك فترات اهتم فيها نتنياهو بفرض انضباط أكبر على وزراء الحكومة وإفشال أفكار لاستفزازات كهذه. لكنه يبدو الآن غير قادر على إملاء موقف كاسح للحكومة، حسب رغبته. فقد اضطر إلى الموافقة على طلبات شركائه، ومنهم حتى من رفض التقاط صورة معه في الحملة الانتخابية الأخيرة. عضو الكنيست من المعارضة، افيغدور ليبرمان (إسرائيل بيتنا)، وصف الوضع بالصورة اللاذعة التي تميزه. بن غفير، كما قال ليبرمان، ببساطة لا يحسب أي حساب لنتنياهو. في غضون ذلك، تبين أن زيارة نتنياهو للإمارات تأجلت “لأسباب فنية”.
من المرجح أن هذه لن تكون المرة الأخيرة التي سيتحدى فيها رئيس “قوة يهودية”، وهو أحد أتباع الحاخام مئير كهانا، حكومة اليمين. ربما تقترب قضية الحرم من نهايتها إذا لم يخرج الفلسطينيون عن أطوارهم. ولكن بن غفير ملزم بإحداث استفزاز أكبر، وعده الانتخابي هو المس بشروط السجناء الأمنيين بشكل شديد. إذا حاول تحقيق هذا الوعد فعلياً، فمن المرجح أن يقف أمام إضراب جماعي عن الطعام، قد يؤثر على الوضع في “المناطق” بصورة سيئة.
رغم التخوفات، لم يسجل رد فلسطيني عنيف فوري على زيارة الوزير للحرم. أحياناً تستغرق مثل هذه الأمور وقتاً إلى حين حدوث تسخين أكبر. وقد أكثروا أمس من مقارنة الزيارة الحالية مع زيارة رئيس المعارضة أريئيل شارون (الليكود) في الحرم في أيلول 2000. الزيارة نفسها ووجهت بمقاومة قليلة، لكن في اليوم التالي اندلعت أعمال العنف في صلاة الجمعة داخل الحرم. شرطة القدس قتلت سبعة متظاهرين، وبذلك أعطيت الإشارة لبدء الانتفاضة الثانية.
تتركز التخوفات في هذه المرة على اتجاهين محتملين، إطلاق الصواريخ من قطاع غزة أو تنفيذ عمليات “لذئاب منفردة” في الضفة الغربية وداخل حدود الخط الأخضر. في الوقت الذي انتقدت فيه الولايات المتحدة والدول الأوروبية والأردن ومصر ودول عربية أخرى، الزيارة أو عبرت عن تخوفها منها، يبدو أن حماس تكتفي بإدانة خفيفة نسبياً. ربما يعكس الرد تنوعاً واسعاً نسبياً من الاعتبارات. فكل يوم يعمل في إسرائيل، بتصاريح، 17 ألف عامل من القطاع. ربما من المريح لحماس مواصلة ذلك، في حين أنها تواصل إشعال الضفة تحت أرجل إسرائيل والسلطة الفلسطينية، دون البدء بمواجهة عسكرية جديدة أمام الجيش الإسرائيلي في غزة.
أمس، نشر عن إطلاق صاروخ من غزة سقط كما يبدو داخل حدود القطاع. هذا الأمر قد يشكل امتحاناً هو الأول من نوعه للحكومة، الذي أكثر الوزراء فيها من التطاول على الحكومة السابقة والتي وصفوها كضعيفة أمام حماس. هل سيتصرفون بالضرورة بشكل مختلف؟ في هذه الأثناء، تضج الشبكات الاجتماعية في “المناطق” وتعد بالانتقام. يخاف الجيش من موجة محاولة تنفيذ عمليات من قبل أفراد، حيث سيكون المحفز في هذه المرة هو زيارة الحرم.
بصيرة إيلي كوهين
بعد أسبوع تقريباً على أداء حكومة نتنياهو السادسة لليمين، يبدو أن الأمور تحدث بوتيرة كبيرة. ليست هذه فقط هي القرارات الجديدة التي تثير الجدل التي يتم نشرها كل صباح. بدأت الصراعات القانونية بكامل كثافتها. الخلاف حول تعيين آريه درعي في منصب وزير، رغم إدانته السابقة، وصل على الفور إلى المحكمة العليا. المواجهة بين الحكومة والنيابة العامة والمحكمة العليا بدأت حتى قبل أن تتمكن مقدمات النشرات الإخبارية من إسماع وظائف الوزراء الجدد.
في موازاة استفزاز بن غفير، تمكن وزير الخارجية الجديد ايلي كوهين، من لفت الانتباه إليه. تعيين كوهين في هذا المنصب الرفيع بالتناوب مع إسرائيل كاتس، اعتبر مفاجأة كبيرة، ونسب إلى قربه وإخلاصه لعائلة نتنياهو. ولكن منذ خطاب تسلمه لهذا المنصب، قام الوزير الجديد بإلقاء قنبلة. وقال إن على إسرائيل التحدث بصورة أقل علنية عن الحرب في أوكرانيا. سارع كوهين إلى بدء منصبه بمحادثات هاتفية منفصلة مع وزراء خارجية الولايات المتحدة وروسيا. وقد تلقى على الفور انتقاداً من مصدر غير متوقع، من كان من المعتاد ذات يوم تسميته أحد الأصدقاء الجيدين لإسرائيل في الكونغرس، السيناتور الجمهوري المخضرم، لندزي غراهام. كتب هذا السيناتور بأن أقوال الوزير مقلقة. وأضاف بأن نظام فلاديمير بوتين ينفذ جرائم حرب. والحفاظ على الهدوء إزاء مثل هذا السلوك لا يعتبر فكرة جيدة.
هل وصل كوهين إلى هذا التبصر المفاجئ له بنفسه؟ إذا كان الأمر هكذا فإن هذه الأقوال تعكس قلة التجربة وغياب الحكمة، حتى إنها أكثر خطورة مما كان يمكن توقعه مسبقاً. وإلا فإن التفسير ربما يكون مقلقاً أكثر؛ أن كوهين يعكس مواقف نتنياهو، الذي لم يخف في السابق حبه وقربه من الرئيس الروسي. إذا طلب رئيس الحكومة أن يتم إعطاء إشارات بصورة غير مباشرة عن حدوث تغيير سياسي إسرائيلي، فيبدو أنه قد أخذ توجهاً غير صحيح. رد واشنطن على ذلك قد يكون أكثر شدة من الرد على الزيارة الطائشة وعديمة المسؤولية لبن غفير في الحرم.