بقلم: بكر أبوبكر
بات الأمر واضحًا بعد تشكيل حكومة “نتنياهو” السادسة، والتي تعتبر بمكوناتها العنصرية من أشد الحكومات عداء فاضحًا للشعب الفلسطيني، وتطلعاته المشروعة دوليًا بتقرير المصير وبتحقيق استقلال دولة فلسطين القائمة بالحق الطبيعي والتاريخي والقانوني تحت الاحتلال على المتاح من أرض فلسطين.
وبات واضحًا حجم الانحراف بل والانجراف السياسي الصهيوني تجاه اليمين المفرط في تطرفه، بما يتضمنه ذلك من أفكار وتفسيرات دينية وقيم تنبذ الآخر وتحتقره الى الحد الذي تطالب فيه بالقضاء عليه سواء جسديًا، أو بأي من الطرق العنيفة، والتي أصبحت القوى اليمينية العنصرية قادرة على فرضها تحت قبة البرلمان الاسرائيلي.
يجادل الكثيرون ان الصهيونية ذاتها حركة عنصرية بذاتها، وهي حركة استعمارية صنيعة الغرب، وقد يرى الكثيرون أن لا فرق بين الأحزاب الصهيونية مادامت تحتل فلسطين. ولكن الأمر على الواقع الداخلي الإسرائيلي يختلف فيما بين التيار العلماني-كما يسمي نفسه- الذي أسس الكيان وبين صعود التيارات اليمينية ومنها الصهيونية الدينية (منذ العام 1977 أعلن بيغن أن هدف الليكود هو “أرض إسرائيل الكاملة”). التي ومع كل التقدم الحاصل بشأن القضية الفلسطينية على طريق الدولة المستقلة، فإنها تعمل جاهدة على إعادة عقارب الساعة الى الوراء! وكأنه لا يوجد دولة فلسطينية معترف بها كعضو مراقب من الأمم المتحدة، أو كأنه لا يوجد اتفاقيات مازال القليل منها يضبط العلاقة المتوترة وشديدة الحساسية مع الكيان المحتل (وإن كان قد عفا عليها الزمن وتم إسقاطها من قبل الكيان ذاته).
بل ولا تعترف هذه التيارات العنصرية بوجود شعب، هو أصل البلاد وطين الأرض فيها، وما قد يكون هو فقط اعتراف الصهيونية الدينية به ك”جسم غريب”!؟ في هذه البلاد فقط، وعليه بالتالي الخضوع والسُخرة والطاعة، والا فالقتل والطرد والحبس والهدم والتهويد والإحلال هو ما ينتظره -بما لم يرى مثله من قبل- في إسقاط لفهمهم التوراتي العنصري على الواقع القائم.
ليست هذه نظرة الفلسطينيين فقط، بل وكل الحكومات في العالم نحو المتطرفين اليمينيين، بل وقسم من الإسرائيليين الذين يرون تغوّل اليمين الصهيوني لاسيما وسقوط اليسار وتقزم الحزب المؤسس للدولة الى 4 مقاعد أي حزب “العمل”.
وقّع “نتنياهو” اتفاقيات عنصرية مع المتطرفين اللذين باتا من أعلام الكيان أي “بن غفير” و”سموتريش” الهدف الأساس منها هو شطب القضية الفلسطينية، وإسقاط “الامل” لدى العرب والفلسطينيين بتحرير فلسطين، أو باستقلال الدولة الفلسطينية على المتاح من الأرض.
من أبرز النقاط التي ستعمل حكومة اليمين العنصري كما بدا واضحًا للجميع بالاتفاقيات المعقودة هو “فرض السيادة الإسرائيلية على كل أنحاء أراضي الدولة الفلسطينية العضو المراقب بالأمم المتحدة والواقعة تحت الاحتلال” والمسماة لديهم بمسمى توراتي لا قيمة علمية له.
سعت العصابات الصهيونية من الهاغاناه وشتيرن والإيتسل وغيرها لطرد العرب الفلسطينيين واغتصاب أرض فلسطين بل ومخالفة لقرار التقسيم عام 1948م، وسارت الحكومات الصهيونية على ذات النهج وإن تغطت بالثوب الديمقراطي البرلماني ،الا أن عدوانيتها تواصلت، لتعود ثانية عبر عشرات المنظمات الإرهابية الصهيونية المدعومة من اليمين الديني والصهيوني خاصة بالقدس والضفة لتحقق الحلم التوراتي الأسطوري.
تمامًا كما يفعل ما يسمى “جيش الرب” في أوغندا منذ العام 1986 وهو الذي يسعى لأقامة نظام ثيوقراطي (حكم ديني) يتأسس على الكتاب المقدس، العهد الجديد والوصايا العشر.
إن جسد الدولة الفلسطينية العضو المراقب بالأمم المتحدة منخور بالمستوطنات التي كان من المتوجب إنهاء وجودها او التعامل معه بنهاية الفترة الانتقالية لاتفاقيات أوسلو المقبورة أي عام 1999 ولما لم يكن كانت الانتفاضة العظيمة الثانية، ومثلها قاب قوسين او أدنى.
إذن فهدف الحكومة الصهيونية هو فرض السيادة الإسرائيلية على أراضي الدولة الفلسطينية في المتاح من الأرض (الضفة الغربية دون قطاع غزة) بدون حقوق متساوية مع الفلسطينيين “الأغراب” بالقطع، بعد أن تم بتر قطاع غزة عبر خطة “شارون” اللئيمة، وتم إلقائه بالبحر بعيدًا في سياقات الفصل الجغرافي والسياسي والمالي والنفسي، وإحداث الشقاق الأخوي الفلسطيني الذي بات الوجع الذي لا دواء له حتى الآن.
إن إعطاء المتطرف (بن غفير) صلاحيات غير مسبوقة على القوات الاسرائيلية في الضفة بصفته وزيرا للامن القومي وهي الوزارة التي اخترعت له خصيصُا، يدلل على حجم الحقد الكبير للتيارات الدينية وتلك الصهيونية الدينية على أهل البلاد الأصليين العرب الفلسطينيين الأبطال، وفي ظل السعي حسب الاتفاقيات مع “نتنياهو” لتعزيز الاستيطان في الجليل والنقب و(الضفة الغربية) أي أراضي الدولة الفلسطينية على المتاح من الأرض لنا.
في الاتفاقيات ما بين الصهاينة يمينًا ويمينًا أشد ظهرت بوضوح عنصرية الكيان التي مهما حاولت التغطي بأقنعة مزيفة مثل الديمقراطية! فإنها انكشفت أمام العالم كله، بعد أن تحولت لأضحوكة في ظل “قانون القومية العنصري اللاديمقراطي”، وفي التطورات الأخيرة، وستثبت الأيام القادمة أن الكيان الذي يعادي الشعب الفلسطيني صاحب الأرض والذي يعادي “الأمل” الفلسطيني (بل الغاية والهدف المرحلي) هو من سيفقد أمله بالسيطرة والتحكم وفرض الامر الواقع لأن الشعب الذي مازال يخوض أطول ثورة في التاريخ (يحتفل الشعب العربي والفلسطيني هذه الأيام ب58 عامًا على انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة) لن تزل قدمه وينسى، ولن يترك العمل الدؤوب نحو التحرير والنصر.
بات من الضروري التفكير الجدي والانطلاق سريعًا لوضع خطة وطنية واستراتيجية جديدة، تنعش الأمل بوفير العمل، فتلتزم بمقررات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وينطوي تحت لوائها كافة الفصائل الفلسطينية الأخرى (التي تتحد ميدانيًا وتشبك قياديًا) وبما يحقق إعلان السيادة في فلسطين للدولة الفلسطينية المعترف بها عالميًا، وحينها سيختلف شكل النضال الميداني بالمقاومة الشعبية، وبالتضامن العربي -المفقود في ظل الاتفاقات “الابراهامية” الاستتباعية- الذي يجب أن يستعاد، فالأمة يجب أن تفهم أن قلبها وروحها ومبرر تكاملها هي فلسطين. كما الحال بالأساليب الدبلوماسية التي حققت فيها فلسطين انتصارات مشهودة، ومع كافة أساليب النضال الأخرى في ظل إرادة قوية ووحدة الكلمة والقرار ووضوح المسار والأداة.