بقلم: د. هاني العقاد
الشعوب السامية هي شعوب عربية موطنهم الأصلي بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية وينقسمون الى عرب الشمال وعرب الجنوب بالإضافة للأشوريين والبابليين والاراميين الذين عاشوا في بلاد الرافدين والكنعانيين والفنيقين والعموريين والمؤابيين والدوميين والعمونيين والعبرانيين وهؤلاء عاشوا في دويلات في بلاد الشام ,وقد اثبت الباحثون ان تسمية الساميين جاءت نسبة الي شعوب التي تنتمي من الناحية الجغرافية الى بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين وارض الجزيرة العربية , ويؤكد هؤلاء الباحثون ان الشعوب السامية هي تلك الشعوب التي هاجرت من شبه الجزيرة العربية الى فلسطين والأردن لظروف قسوة الصحراء وطلب الامن والاستقرار. لم يكن اليهود او الإسرائيليون بالمسمى الحديث يوما من الأيام شعب سامي وان ادعاء السامية على أنفسهم جاءت بعد هذا التاريخ بسبب الاضطهاد الأوروبي لليهود مع العلم ان اليهود الأوروبيين ليسوا ساميين بالمطلق وقد يكون جزء من اليهود العرب سامين لكونهم عرباً عاشوا ضمن تلك القبائل القديمة التي هاجرت الى مناطق الشام وفلسطين طلبا للحماية كغيرهم. ويقول المؤرخون ان أولى الهجرات البشرية الهامة الى فلسطين بدأت في بداية الاف الثالثة قبل الميلاد وهي هجرة الكنعانيين الذين عرفوا باسم الأماكن التي سكنوا فيها وقد ظلت تسمى فلسطين ارض كنعان حتى عام 1200 قبل الميلاد حينما غزتها القبائل الكريتية.
الثابت والواضح تاريخياً ان لا علاقة لليهود بالسامة وخاصة الأوروبيين الذين هاجروا الى فلسطين وانشئوا دولة والدليل انهم لم يسموها “الدولة السامية” وانما “إسرائيل” بمعني الرجل المنتصر نسبة الى يعقوب عليه السلام الذي انتصر على الملك الإلهي ويعتقد اليهود خطاً ان ( اسر ) تعني الرجل المنتصر والغالب و( ائيل ) تعني الله , لذلك امعنوا في قتل الشعب العربي الفلسطيني عندما منحتهم بريطانيا وعداً وهيأت لهم الظروف السياسية وقدمت لهم السلاح لتمكينهم من تنفيذ هجمات إجرامية ضد السكان الفلسطينيين في المدن والقري الفلسطينية عام 1948 و بالتالي إقامة كيان مزعوم لهم في فلسطين بني على أساس القتل والحرق والتهجير والاستيلاء على بيوت الفلسطينيين ومزارعهم وحقولهم على اعتبار ان هذا يعتبر نصرا وغلبة . ان إلصاق أي مناهض ومنتقد للسياسة الاستعمارية الإسرائيلية في فلسطين تهمة “معاداة السامية” هي باطلة ولا أصل لها في التاريخ لان مفهوم ” معاداة السامية ” مفهوم حديث النشأة تم اسقاطه على التاريخ القديم واستخدامه في تفسير علاقة اليهود بغيرهم من الشعوب في التاريخ الحديث والمعاصر، حتى الان فمن ينتقد سياسة الاحتلال الصهيوني في فلسطين ويصف سياستهم بالإجرامية ويطالب قادة هذا الكيان باحترام قواعد القانون الدولي والدولي الإنساني وتنفيذ كافة قرارات الشرعية الدولية الخاصة بحل الصراع يعتبر في نظرهم “معاد للسامية”.
مؤخرا وجه نتنياهو رئيس الائتلاف الصهيوني اليمني الفاشي المتطرف والحكومة الجديدة في دولة الاحتلال انتقادات حادة لصحيفة “نيويورك تايمز” الامريكية لأنها وجهت انتقاداً حاداً للحكومة الجديدة برئاسته حيث جاءت افتتاحية الصحيفة يوم السبت الماضي تحت عنوان “المثل الأعلى للديمقراطية في دولة يهودية في خطر” تعقيبا على اتفاقات نتنياهو مع الكتلة الدينية التي بدت تسيطر على مفاصل الدولة العبرية وتشريعاتها الدينية وجاء في الافتتاحية بان دولة الاحتلال ( إسرائيل) التي عرفناها لم تعد موجودة حيث ان الأحزاب الدينية والقومية المتطرفة تعرض نموذج الدولة اليهودية الديموقراطية للخطر وأوضحت الصحيفة ان حكومة نتنياهو تشكل تهديدا كبيرا لمستقبل دولة الاحتلال ( إسرائيل) وشددت الافتتاحية على ان (بن غفير ) وعقيدة الكراهية وافعاله العنصرية يمكن ان تفجر جولة جديدة من العنف العربي الإسرائيلي . نتنياهو اتهم الصحيفة بانها تحرض على الحكومة الجديدة ما يعني تقويضها وقال في تعليق على صفحات التواصل الاجتماعي ” بعد دفن الهولوكست (المحرقة النازية) لسنوات على صفحاتها الخلفية وشيطنة إسرائيل لعقود على صفحاتها الاولي، تدعو “نيويورك تايمز” الان وبشكل مخجل الى تقويض الحكومة المنتخبة ” واتهم نتنياهو الصحيفة بنزع الشرعية عن الديموقراطية الحقيقة الوحيدة في الشرق الأوسط وافضل حليف لأمريكا في المنطقة .
ليست صحيفة “نيويورك تايمز” أكبر صحيفة بالولايات المتحدة وانما كافة المفكرين الاستراتيجيين وكثير من الباحثين في الديموقراطية وحقوق الانسان وأعضاء من مجلسي النواب والشيوخ الأمريكي يعتبروا ما يجري هو انهيار للديموقراطية الإسرائيلية لأن دولة الاحتلال بهذا المنهج وهذه السياسة تجاه الفلسطينيين لن تكون باي شكل من الاشكال دولة ديموقراطية , لا سيما في ظل قوانين وقرارات عنصرية تنتهك القانون الدولي وتطلق يد المتطرفين الفاشيين لارتكاب مزيد من جرائم الكراهية والعنصرية التي تقضي على أي مظهر من مظاهر الديموقراطية وخاصة ان نتنياهو جير كافة مشاريع البرلمان في كيانه لإقرار قوانين تطلق ايدي هؤلاء المتطرفين للقضاء على الفلسطينيين وتحرمهم من حلمهم التاريخي بالعيش في كيان مستقل وسيادة شرعية كباقي شعوب الأرض.
اليوم بفعل تلك القوانين أصبحت دولة الاحتلال دولة (لا سامية ولا ديموقراطية) ومن سيحكمها هم المتدينون الأرثوذوكس المتشددون الذين لا يقبلون العيش مع قوميات اخرى على الأرض كالفلسطينيين العرب وخاصة ان نتنياهو منح أعضاء حكومته من المتدينين المتشددين سلطات بشأن الاستيطان في الضفة الغربية تتعلق بحسم المشهد على الأرض من خلال فرض السيادة الإسرائيلية على مناطق واسعة خاصة مناطق (ج) وهذا ما كانت إدارة بايدن قد أرسلت رسائل بهذا الشأن الى نتنياهو، لكن نتنياهو لم يأبه بتلك الرسائل التحذيرية وبدا وكأنه نفض يده من موضوع الاستيطان كليا ما سيفجر المشهد بشكل مضاعف في المناطق المحتلة , وخلاصة القول ان العالم بات بالتأكيد امام تحول ديني متطرف في دولة الكيان لتصبح دولة شريعة يحكمها متدينين متشددين يغيبوا التشريعات القضائية والقوانين التشريعية وينشروا قواعد الحكم بالشريعة اليهودية المتطرفة ما يعني نسف كل قواعد الديموقراطية على ايدي كل تلك الفصائل الدينية الثمانية بالكنيست وكل محاولات نتنياهو الليبرالية لن تنقذ الديموقراطية من حالة التذويب المقصود التي ينتهجها أصحاب تلك الايدلوجيا الدينية المتطرفة.