بقلم: المحامي علي أبوهلال
شهد العام الحالي 2022 تصعيدا خطيرا في استخدام العنف والقوة المفرطة، من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين ضد الشعب الفلسطيني، ما جعله الأكثر دموية منذ عام 2005، حيث ارتفعت حصيلة الشهداء منذ بداية هذا العام حتى نهاية منتصف شهر كانون الأول/ ديسمبر الجاري إلى 224 فلسطينيا، 166 منهم بالضفة الغربية والقدس، 53 في قطاع غزة، 5 بالداخل الفلسطيني، ومن بين الشهداء 15 طفلا، آخرهم الطفلة جنى مجدي زكارنة (16 عاما) الذي قتلها جيش الاحتلال يوم الاثنين 12/12/2022 على سطح منزل عائلتها في حارة البيادر بالحي الشرقي من مدينة جنين ، الذي كان يقتحمه جيش الاحتلال بهدف اعتقال “مطلوبين” كما ادعى.
ويعتبر عام 2022 العام السادس على التوالي الذي شهد زيادة في عدد اعتداءات وارهاب المستوطنين، واتساع بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، على الرغم من قرار مجلس الأمن الدولي لعام 2016 الذي يهدف على وجه التحديد إلى وقف النشاط الاستيطاني.
ويفخر الاحتلال الإسرائيلي، بقتل عشرات الفلسطينيين واعتقال المئات، وسط إحكامه الحصار على المدن والبلدات والمخيمات الفلسطينية، وإطلاق يد عصابات المستوطنين، لاستباحة المسجد الأقصى المبارك والاعتداء على الفلسطينيين، وعلى وقع تصعيد عنف الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أطلق رئيس أركان جيش الاحتلال، “أفيف كوفاخي”، تصريحا عنصريا بقيام الاحتلال باعتقال المئات، وقتل العشرات من الفلسطينيين في الضفة الغربية، ضمن حملة ما يسمى “كاسر الأمواج” المستمرة منذ عدة أشهر، لقمّع الشعب الفلسطيني. وطبقاً لوسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن “كوفاخي” أعطى تعليماته المباشرة لقوات جيشه المُحتّل باستخدام أسلحتهم ضد الفلسطينيين، في أي موقف ضروري لإنجاز مهمة قمّع الشعب الفلسطيني، وهو الأمر الذي تجسد عملياً بتصعيد العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني مؤخراً في عموم الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويأتي هذا التصعيد وهذه الاعتداءات الخطيرة مع حملات التحريض الفاشية والعنصرية لليمين الإسرائيلي المتطرف بقيادة بن غفير وسموتريتش، خاصة بعد فوز المعسكر اليميني بزعامة نتنياهو في انتخابات الكنيست وحصوله على 64 مقعدا من مقاعد الكنيست الـ120، وحصول حزب “الصهيونية الدينية” اليميني المتشدد بزعامة بتسلئيل سموتريتش، وحليفه حزب “القوة اليهودية” الذي يتزعمه إيتمار بن غفير على القوة الثالثة في الكنيست، حيث توعد سموتريتش الفلسطينيين بأنهم “سيدفعون ثمنا غاليا”، وتعهده بالعمل على تعزيز النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية، وتعهد بن غفير بالعمل على تخفيف قواعد إطلاق النار من قبل جنود جيش الاحتلال على الفلسطينيين حتى تصبح أكثر تساهلا.
وفي رد مباشر على العدوان الإسرائيلي الخطير والمتصاعد على الشعب الفلسطيني، جاء تصريح منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية بالإنابة، “لوسيا إلمي”، بأن العام الحالي يعدّ الأكثر دموية في الأراضي الفلسطينية منذ 16 عاماً، نتيجة “الزيادة المقلقة في أعمال العنف، والقيود المفروضة على الحركة في الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة”. ودان خبراء الأمم المتحدة ما أسموه تفشي عنف المستوطنين والاستخدام المفرط للقوة من قبل لقوات الاحتلال ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة هذا العام، الأمر الذي جعل عام 2022 الأكثر دموية بهذه المنطقة من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ أن بدأت الأمم المتحدة بتوثيق الوفيات بشكل منهجي في عام 2005.
وقال الخبراء وهم: فرانشيسكا ألبانيز، المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، وموريس تيبال بينز، المقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفاً، و كليمان فول، المقرر الخاص المعني بحرية التجمع السلمي: “عام 2022 شهد رقماً قياسياً من أعمال العنف الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة”، وأضافوا: “المستوطنون الإسرائيليون المسلحون والملثمون يهاجمون الفلسطينيين في منازلهم، ويهاجمون الأطفال وهم في طريقهم إلى المدرسة، ويدمرون الممتلكات ويحرقون بساتين الزيتون، ويرهبون مجتمعات بأكملها مع الإفلات التام من العقاب”. وأشاروا إلى “أن العام 2022 هو العام السادس على التوالي من الزيادة السنوية في عدد هجمات المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة، على الرغم من قرار مجلس الأمن الدولي لعام 2016 الذي يهدف على وجه التحديد إلى وقف النشاط الاستيطاني”.
ان تصعيد قوات الاحتلال وعصابات المستوطنين عنفها غير المسبوق، واستخدام القوة المفرطة ضد الشعب الفلسطيني، بما يخالف القانون الدولي الإنساني، وبدون أي التزام بالقانون الدولي، يجعل حكومة الاحتلال أكثر إرهابا وعنفا، ويجعلها راعية لعصابات المستوطنين الارهابيين، وسيجعل العام القادم 2023 أكثر عنفا ودموية ضد الشعب الفلسطيني، ما يقتضي من المجتمع الدولي وخاصة هيئات الأمم المتحدة، التحرك العاجل لوقف هذا العدوان المتصاعد ضد الشعب الفلسطيني، واتخاذ كل الخطوات العملية من أجل إنهاء الاحتلال عن الأراضي الفلسطينية المحتلة، وضمان حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه في العودة والحرية والاستقلال، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.
*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.