بقلم: سهيل كيوان
أثار الاعتداء على ناشط يساري يهودي بالضرب من قبل جنود في الخليل، شيئا من الاستنكار، وفي الوقت ذاته انبرى من يدافع عن الجنود ويطالب بعدم تكبيل أيديهم، أي أن البعض يطالب بحرية التصرف الكاملة للجنود حتى عندما يكون ضحيتهم يهوديا.
يلقى جنود الاحتلال المعتدون تعاطفًا وتأييدًا واسعًا شعبيًا ورسميا، وهناك من يطالبون بمنحهم حرية العمل من دون أي محاسبة! حتى عندما يكون الضحايا ناشطين يساريين يهود من أصحاب الضمائر الحيّة الذين يرون في ممارسات الاحتلال ضد الفلسطينيين جرائم تسيء أولا للفلسطينيين وخصوصًا المدنيين العزّل، ثم إلى الشَّعب الإسرائيلي ولليهود، وفي التالي إلى دولة إسرائيل وصورتها في العالم، ويطمحُ هؤلاء النشطاء إلى السّعي لتخفيف معاناة الفلسطينيين لإدراكهم بأن القوة والممارسات العدوانية سوف تُسفر عن ردود فعل فلسطينية عاجلا أو آجلا، وإلى سكب المزيد من الدِّماء والابتعاد أكثر وأكثر عن ما يمكن التوصل إليه من تعايش بين الشعبين، والذي يعني البكاء لأجيال قادمة.
يوم الأحد الماضي تعرض ناشطون إنسانيون آخرون من اليهود، لاعتداءات المستوطنين في الغور الشّمالي، أحدهم في الخامسة والستين من عمره تعرضوا إلى الضرب والتوبيخ من قبل مستوطنين، وذلك عندما رافقوا راعي أغنام فلسطيني بهدف حمايته وإتاحة المرعى لأغنامه، وذلك أن المستوطنين في الأغوار يعتدون على الرعاة وقطعانهم، ويفرِّقونها في السُّهول والمنحدرات، ما يؤدي إلى فقدان الرعاة لسيطرتهم عليها، وضياع بعضها وسرقته، وذلك بهدف تدمير مصدر أساسي من مصادر معيشة الفلسطينيين التي تدعم صمودهم، ومن ثم تسهيل عملية طردهم من تلك المناطق، وإحكام السيطرة عليها.
الناشط يوحنان دروم وهو من منطقة الشمال، تعرض إلى الدفع والاعتداء مثل زملائه من قبل المستوطنين الذين فرّقوا قطيع الأغنام، وبعدما قامت المجموعة بجمع القطيع، اكتشفوا غياب يوحنان، وبعد البحث عنه وجدوه وقد سقط على الأرض بلا روح، بسبب سكتة قلبية.
يجب أن نعرف أنه إلى جانب ضحايا الفاشية العرب يوجد ضحايا أيضًا من اليهود، ويتعرّضون إلى اعتداءات وليس فقط في الضفة الغربية، فقد تحوّل الموقف اليساري أو الإنساني تجاه الفلسطينيين إلى موقفٍ مُدان من قبل في حاضنة تتّجه إلى الفاشية بتسارع هائل، وقد تحوّل اليسار بعد سنين طويلة من التحريض الغوغائي والتنمّر اليميني في وسائل الإعلام، إلى موضع المتهم المنزوع الشرعية شعبيًا، وزادت وتيرة الاعتداءات الجسدية على هذه الشريحة من المجتمع الإسرائيلي، وهذا يستدعي تضامن الجماهير العربية مع هذه الفئات من أصحاب النشاطات الإنسانية! ولكن كيف نتضامن معهم؟
أولا بالتّمييز بينهم وبين المتطرفين بمختلف أشكالهم!
يجب على العرب والفلسطينيين أن يروا الفارق بين هؤلاء وأولئك، بين من يستعمل سلاحه ضد الفلسطيني ويريق دمه، وبين من يدعو أو يحاول حمايته من بطش المجرمين.
علينا أن نرفض الموقف الشمولي الذي يقول “كلهم مثل بعض” أو “كلهم مستوطنون”، وكلهم يهود يكرهوننا، وكلهم عنصريون، وحمّور أو سمّور” إلخ! ومقولة البعض “إذا كانوا يساريين صادقين فليرحلوا من فلسطين!”. هذا تبسيط للأمور، وفيه خلط كبير للأوراق، من واجبنا كضحايا للعنصرية وجزء من شعب يتعرّض للعدوان اليومي، أن نعطي أمثال هؤلاء من اليهود الشجعان حقّهم من التقدير والاحترام، من خلال إبراز مواقفهم الإنسانية في إعلامنا وعدم السّماح بتجاهلهم، وعدم الاستهتار بما يفعلونه.
الإعلام الإسرائيلي يتجاهل في كثير من الحالات الاعتداءات على أمثال هؤلاء، فلم تحظ وفاة الناشط يوحنان دروم سوى بخبر عابر في بعض المواقع، فقد تجاهل أكثرها وفاة يوحنان لأنه مات بالسّكتة قلبية، علما أن العلاقة واضحة بين اعتداءات المستوطنين بالضرب على الناشطين وبين إصابته بالسكتة.
لقد بات اليسار في إسرائيل عملة نادرة، من المهم أن نقف إلى جانب هؤلاء وأن نبرز مواقفهم الإنسانية، وأن نرفض بحزم وبلا تأتأة التعميم الممجوج الذي يدعي بأنهم كلهم مثل بعض، لا، ليس جميعهم مثل بعض.