قال مسؤولون فلسطينيون، إن إحراز تقدم سريع في المفاوضات مع المستثمرين المصريين بشأن استخراج الغاز الطبيعي قبالة سواحل قطاع غزة المحاصر، يمكن أن يجلب بصيص أمل للفلسطينيين.
وتم تهميش خطط تطوير استخراج هذا الغاز نتيجة أكثر من عقدين من الصراع الطاحن مع إسرائيل والانقسامات السياسية الفلسطينية المستعصية على الحل.
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست” يوم الجمعة، فإن المشروع، الذي تبلغ تكلفته 1.4 مليار دولار، والذي سيتم الانتهاء منه بحلول فبراير 2023 وقد يبدأ إنتاج الغاز بحلول آذار/ مارس 2024، سيكون بمثابة “تعاون عالي المخاطر بين السلطة الفلسطينية ومصر وإسرائيل وحماس التي تحكم قطاع غزة”.
وأوضحت الصحيفة، أن حماس وإسرائيل اللتين خاضتا أربع حروب مدمرة في قطاع غزة، يتوجب الآن أن يكون كلاهما، ضمنيًا على الأقل، على نفس المركب، كما حصل في الاتفاق التاريخي الذي أبرم بين لبنان وإسرائيل بشأن الحدود البحرية، وحظي بدعم حزب الله.
موقف السلطة
وتنقل الـ “واشنطن بوست” عن محللين سياسيين وصناعيين، أن الشراكة متعددة الأطراف بشأن غاز غزة ستوفر شريان حياة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهي التي يصفها التقرير بأنها لا تحظى بشعبية كبيرة، وتعاني من ضائقة مالية، ولم تحتفظ بأي سلطة في قطاع غزة منذ 15 عامًا.
ويقول ظافر ملحم، رئيس سلطة الطاقة والموارد الطبيعية الفلسطينية، إن السلطة ومقرها رام الله تعتبر احتياطيات غزة من الغاز “ركيزة لتحسين خططها المالية”، قائلا: “كنا ننتظر هذا التطور والازدهار الذي يأتي معه. آمل أن تكون هذه خطوة نحو المستقبل”.
وقال مخيمر أبو سعدة، الأستاذ المشارك في العلوم السياسية بجامعة الأزهر في غزة، إن المسؤولين الفلسطينيين قد لاحظوا أيضًا اتفاقية الحدود البحرية الأخيرة بين إسرائيل ولبنان، وهي دولة لا تزال في حالة حرب معها من الناحية الفنية.
لكن أبو سعدة قال إن الفلسطينيين شعروا بالارتياح لرؤية إتمام الصفقة، التي حفزت في البداية معارضة حزب الله ، في نهاية المطاف.
وقال: “يشعر الفلسطينيون بأن هناك مصلحة إقليمية ودولية في تطوير حقل غاز غزة”.
وقد جاء في مذكرة التفاهم المبرمة في شباط/ فبراير2021 بين صندوق الاستثمار الفلسطيني والشركة المصرية القابضة للغاز الطبيعي (إيغاس)، أن المشروع الذي تقوده مصر “سيسهم في تعزيز الاستقلال الوطني الفلسطيني”.
يشار إلى أن الغاز الطبيعي في غزة – المقدر بنحو 1 تريليون قدم مكعب – بقي منذ اكتشافه لأول مرة من قبل شركة بريتش غاز في عام 1999، مُغيّباً في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، محاصرا تحت البحر.
وفي عام 2000، بعد يوم من إشادة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات باكتشاف الغاز ووصفه بأنه “هدية من الله”، اندلعت الانتفاضة الثانية. يومها أوقف رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون المشروع، محذرا من أن الأرباح يمكن أن يتم تحويلها إلى حماس وجماعات مسلحة أخرى.
وتشير الصحيفة في هذا السياق، إلى أن سباق أوروبا لتأمين بدائل لإمدادات الطاقة الروسية، قد أعاد مبادرة فلسطينية تم التخلي عنها منذ فترة طويلة لاستخراج الغاز الطبيعي قبالة سواحل قطاع غزة المحاصر.
وتنقل الصحيفة، قول الفلسطينيين المشاركين في المفاوضات على غاز غزة، إن سوق الطاقة العالمي المزدهر وزيادة التعاون الإقليمي في مجال الطاقة، يمكن أن تُفرج أخيرًا عن أحد الموارد الطبيعية القليلة التي يحتمل أن تكون مربحة للغاية للفلسطينيين.
وكان وزير البترول المصري طارق الملا أعلن في تشرين الأول/ أكتوبر، عن اتفاق إطاري بين الجانبين المصري والفلسطيني، مع إشراف وثيق وموافقة غير رسمية من قبل إسرائيل.
وقد صادقت السلطة الفلسطينية على الصفقة في ذلك الشهر وتقول إنها تنتظر قيام إسرائيل، المشغولة بتشكيل حكومتها المقبلة، بإرسال موافقتها الخطية لإعطاء الضوء الأخضر للمشروع رسميًا.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد المنتخب، بنيامين نتنياهو وصف في عام 2011 مشاريع الغاز بأنها “جيدة للاستقرار، جيدة للازدهار، وجيدة للسلام”.
وقال المفاوضون الفلسطينيون إنهم تلقوا إشارات إيجابية من الإسرائيليين عند مناقشة القضية في السنوات الأخيرة في منتدى غاز شرق المتوسط، حيث تعد كل من إسرائيل وفلسطين من الدول الأعضاء.
موقف حماس
ويذهب تقرير الواشنطن بوست الأمريكية، إلى أنه حتى لو حظي المشروع ككل بموافقة إسرائيلية، فإن السلطة الفلسطينية ستظل تواجه منافسها حركة حماس، التي طالبت بنصيب من المكاسب المتوقعة.
وقال غازي حمد عضو المكتب السياسي لحماس لصحيفة واشنطن بوست: “لن نسمح باحتكار الغاز وبأن لا تستفيد منه غزة كما يجب”.
وخلال احتفال في شهر أيلول/ سبتمبر، علقت حماس لافتات بالقرب من ميناء غزة كتب عليها: “غازنا، حقنا”.
يشار إلى أن صفقة الغاز التي لم يتم الكشف عن تفاصيلها حتى الآن، تمنح 27.5% من الأسهم لصندوق الاستثمار الفلسطيني، و 27.5% أخرى لشركة المقاولين المتحدين (CCC) المملوكة لفلسطينيين ومقرها أثينا، أما النسبة المتبقية البالغة 45% فستذهب إلى الكونسورتيوم المصري إيغاس.
ووفقًا للاتفاق، سيتم تطوير الغاز في المياه الفلسطينية، ثم نقله عبر خط أنابيب تحت البحر بطول 40 ميلًا إلى منشآت المعالجة المصرية، حيث سيتم دمجه مع شبكة الطاقة المصرية ثم بيعه كصادرات للفلسطينيين ولغيرهم.
وقال مسؤول فلسطيني تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن الصفقة التي لم يتم الانتهاء منها بعد “يجب أن تكون تجارية بين الشركات النامية والمشترين وليست مرتبطة بالسياسة”.
وتقع حقول الغاز البحرية والمعروفة باسم غزة مارين 1 و 2 ، على بعد 20 ميلا بحريا قبالة الساحل ويُقدر احتياطيها بتريليون قدم مكعب، وهي كميات تعتبر متواضعة بالمقارنة مع الحقول المجاورة ومع حاجة أوروبا.
ومن شأن هذا الغاز، أن يقرب الفلسطينيين من الاستقلال في مجال الطاقة عن إسرائيل. فالضفة الغربية تستورد 750 ميغاواط من إجمالي استهلاكها البالغ 850 ميغاواط. فيما تعتمد غزة على 120 ميغاواط من الكهرباء الإسرائيلية وكذلك على الوقود الإسرائيلي لمحطة الكهرباء التي تنتج حوالي 45 ميغاواط.
قال محمود الصياد، 44 عاما ، وهو أب لسبعة أطفال من مخيم الشاطئ، غربي مدينة غزة ، “هناك الكثير من الموارد في غزة – الآثار ، والغاز ، والقوى العاملة – لكن لا أحد يستخدم هذه الموارد بشكل صحيح”.
السلطة الفلسطينية لا تهتم بغزة. وقال رامي سوسي، عامل بناء يبلغ من العمر 35 عامًا من نفس المخيم، “بالنسبة لهم ، حقل الغاز هو مصدر المال” ، الذي قال إنه يتوقع أن يبدد السياسيون الفاسدون الأرباح. “كيف يمكن لهذا الغاز أن يحدث فرقًا في حياتي؟”