بقلم: د. رمزي عودة
لم تحظ دراسة معهد ماس الصادرة في النصف الأول من العام الجاري، حول العمالة الفلسطينية بالداخل المحتل، بالعناية والاهتمام اللازم قياساً بالنتائج الهامة التي رشحت عنها. فقد خلصت الدراسة إلى أن سياسة إسرائيل تجاه العمالة الفلسطينية والمفضية الى زيادة أعدادها وتحسين ظروف العمل وتسهيل عملية الحصول على تصاريح عمل، تعكس سياسة السيطرة وإستغلال الموارد وتعميق التبعية وفرض السلام الاقتصادي، وليس قوى السوق الحرة. وأشارت الدراسة الى الارتفاع المضطرد لأعداد العمالة الفلسطينية في إسرائيل ليصل إجمالي عددها الى 173.4ألف عامل في الربع الأول من العام 2022، إضافة إلى 31 ألفاً يعملون في المستوطنات، ويشكلون 18.4% من إجمالي العمالة الفلسطينية. وهذا الارتفاع الذي تقترب نسبته من الربع تقريباً قياساً بالعام 2010، يثير تساؤلات حقيقية حول السياسات الاقتصادية التي يجب على السلطة الوطنية الفلسطينية إنتهاجها منعاً لتعزيز سياسة التبعية وتحقيقا لسياسة الانفكاك عن الاحتلال.
من الواضح، أن وجود حزمة من السياسات التنظيمية لتدفق العمالة الفلسطينية في إسرائيل يجب أن تكون متوافرة ومعمول بها من قبل الحكومة الفلسطينية. حيث أن سوق العمل الفلسطيني يعيش في هذه الاثناء خللاً واضحاً، فبرغم إرتفاع البطالة الى نحو 24% وهي نسبة مرتفعة، الا أن هذه البطالة لا تعكس نوع وحجم الوظائف التي يحتاجها السوق الفلسطيني، فهي بالعموم بطالة هيكلية الطابع والسمات، ولا تتضمن وظائف العمالة الحرفية وغير الماهرة، في الوقت الذي يجذب سوق العمل الإسرائيلي هذه الوظائف بما يؤدي الى إفراغ السوق الفلسطينية من هذه العمالة، والتي تعتبر العمود الفقري لمنشآت الاعمال الفردية والصغيرة، والتي تتجاوز نسبتها 92% من حجم المنشآت في السوق الفلسطينية. وبالضرورة، فإن عدم وجود مثل هذه السياسات قد أدى الى إفراغ السوق الفلسطينية من العمالة التي تحتاجها وهو الأمر الذي سيؤدي الى إفلاس المنشآت الصغيرة نظراً لعدم قدرتها على جذب العمال الفلسطينيين بالأسعار التي يقدمها المشغل الاسرائيلي. وفي السياق، فإن صاحب “مغسلة السيارات” الذي إعتذر عن غسل سيارتي بسبب عدم وجود عمال في مغسلته قائلاً لي “جيب عمّالك معك”، ربما تكون مقولته هذه شعار الخدمات التي يقدمها قطاع الأعمال الصغيرة في فلسطين اذا لم تقم الحكومة الفلسطينية بالتدخل السريع!