قالت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، الأحد، إن الأطفال الفلسطينيين ليسوا في مأمن من الاستهداف الإسرائيلي المستمر، وأن الانتهاكات والجرائم بحقهم لا تعد ولا تحصى، وأن الاعتقالات لم تستثنيهم أبداً، وقد سُجل تصاعداً خطيراً في حجم وطبيعة استهدافهم، وارتفاع أعداد المعتقلين منهم منذ اندلاع “انتفاضة القدس” في الأول من أكتوبر/ تشرين أول 2015، لاسيما بحق أطفال مدينة القدس المحتلة، بهدف بث الرعب والخوف في نفوسهم، والتأثير على توجهاتهم بطريقة سلبية.
وأضافت الهيئة في تقرير لها، إن الاحتلال الإسرائيلي جعل من الأطفال هدفاً دائماً لسياساته المدمرة، إما بالقتل أو الاعتقال، فقتل الكثيرين منهم، وأن اعتقالاته اليومية شملتهم دوماً، سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً، جرحى أم مرضى، وبمختلف المراحل العمرية، كما ولم تخلُ السجون والمعتقلات الإسرائيلية يوماً من تواجدهم، ويُقدر عدد من تم اعتقالهم منذ العام 1967 بما يزيد عن خمسين ألف طفل، وطفلة، منهم قرابة عشرين ألف منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في 28أيلول/سبتمبر2000، ومن بين هؤلاء ما يزيد عن (9) آلاف طفل تم اعتقالهم منذ اندلاع “انتفاضة القدس” في الأول من أكتوبر/ تشرين أول 2015، وهؤلاء يُشكلّون قرابة 20% من إجمالي الاعتقالات خلال الفترة المستعرضة، نسبة كبيرة منهم كانوا من القدس المحتلة، فيما اعتقلت سلطات الاحتلال نحو (770) طفلاً منذ مطلع العام الجاري، منهم (119) طفلاً تم اعتقالهم خلال الشهر المنصرم، غالبيتهم من القدس.
وأشارت الهيئة إلى أن نحو (160) طفلاً ما يزالوا يقبعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي، موزعين على سجون (عوفر ومجدو والدامون)، بينهم ثلاث فتيات يقبعنّ في سجن “الدامون”، وهن: جنات زيدات (16 عامًا) من الخليل، نفوذ حمّاد (16 عامًا) من القدس، زمزم القواسمة (17 عامًا) من الخليل، فيما يوجد من بين هؤلاء المعتقلين أربعة أطفال رهن الاعتقال الإداري، دون تهمة أو محاكمة، هذا بالإضافة إلى وجود آخرين كُثير ممن اعتقلوا وهم أطفال وقد تجاوزوا سن الطفولة وهم داخل الأسر وما يزالوا أسرى داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي.
جاء ذلك في تقرير أصدرته الهيئة، بمناسبة الذكرى السنوية ليوم الطفل العالمي الذي أعلنت عنه الجمعية العامة للأمم المتحدة، للتذكير بأهمية الطفل وتعزيز حقوقه والعمل على توفير حياة كريمة وآمنة، وهو اليوم الذي يُصادف فيه كذلك الذكرى السنوية لتاريخ اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان حقوق الطفل في 20 نوفمبر/ تشرين أول عام 1959، واتفاقية حقوق الطفل في 20 نوفمبر عام1989.
وأوضحت الهيئة بأن أشكال اعتقال الأطفال القُصر لا تختلف عنها عند اعتقال البالغين، وأن غالبية الأطفال جرى اعتقالهم من بيوتهم بعد اقتحامها والعبث بمحتواها في ساعات الليل، فيما آخرون تم اعتقالهم من الشوارع، أو وهم في طريقهم أثناء ذهابهم إلى مدارسهم أو حين العودة منها لبيوتهم، ومن ثم يزج بهم في ظروف احتجاز قاسية تفتقر إلى الحد الأدنى من الشروط الإنسانية ويتعرضون لصنوف مختلفة من التعذيب، وتؤكد الشهادات بأن جميع الأطفال الذين مرّوا بتجربة الاعتقال أو الاحتجاز، وبنسبة 100%، قد تعرضوا لشكل أو أكثر من أشكال التعذيب الجسدي أو النفسي والإيذاء المعنوي، أو المعاملة القاسية والمهينة، وقد أدلى الكثيرين منهم بشهادات مؤلمة لمحاميي الهيئة، ولعل الطفل “أحمد مناصرة” خير مثال لما يتعرض له الأطفال الفلسطينيين من تعذيب، وأن مقطع الفيديو الذي تم تسريبه “مش متذكر” هو غيض من فيض لما يتعرض له أطفال فلسطين في مراكز التوقيف والاعتقال الإسرائيلي.
فيما أشارت الهيئة إلى أن واحدة من الفتيات اللواتي اعتقلن خلال “انتفاضة القدس” استشهدت بعد اعتقالها بشهرين وهي الفتاة “فاطمة طقاطقة” (15 عاما) من بلدة بيت فجار جنوب بيت لحم، والتي اعتقلت وهي مصابة ودخلت في غيبوبة، ورغم خطورة وضعها الصحي إلا أن سلطات الاحتلال أبقتها رهن الاعتقال ورفضت الإفراج عنها، ولم تقدم لها الرعاية الصحية اللازمة مما أودى بحياتها واستشهدت بتاريخ 20 مايو/أيار 2017، لتنضم إلى قائمة شهداء الحركة الوطنية الأسيرة.
وتطرقت الهيئة في تقريرها إلى دور المحاكم الإسرائيلية الظالمة، التي لا تراعي الظروف التي أدلى فيها الأطفال اعترافاتهم، أو كيفية توقيعهم على الإفادات المنسوبة إليهم، ودون الأخذ بعين الاعتبار حجم وقسوة التعذيب والترهيب التي تعرض لها هؤلاء الأطفال القُصر، فتصدر أحكامها القاسية بحقهم، والتي تكون في أغلب الأحيان مقرونة بغرامات مالية، مما يشكل عبئاً إضافياً على الأهل الذين يضطرون لتدبير أمورهم وتوفيرها ودفعها حرصاً على أطفالهم. هذا بالإضافة إلى لجوء المحاكم الإسرائيلية إلى إصدار مئات القرارات التي تقضي بإبعاد الطفل عن المدينة المقدسة أو فرض “الحبس المنزلي”، خاصة بحق أطفال القدس، الأمر الذي حوّل مئات البيوت الفلسطينية في القدس إلى سجون للأبناء، في واحدة من أبشع وأقسى “العقوبات” التي تفرضها محاكم الاحتلال والتي تسببت بالكثير من المشكلات الاجتماعية والنفسية لدى الأطفال وذويهم.
وذكرت الهيئة أن الأطفال المحتجزين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية المختلفة، سواء أكانوا ذكورا أم إناثاً، يحتجزون في ظروف صعبة ويُعاملون بقسوة ومحرومين من أبسط حقوقهم الأساسية والإنسانية التي نصت عليها وتضمنتها الاتفاقيات والمواثيق الدولية، وخاصة إعلان حقوق الطفل واتفاقية حقوق الطفل، كالحق في الحياة والصحة والعلاج والتعليم وعدم التعرض للتعذيب أو الإساءة وغيرها، مما يؤثر سلباً على أوضاعهم ويلحق بهم الأذى، جسدياً ونفسياً، ويؤثر على مستقبلهم.
وأكدت الهيئة في تقريرها أن استهداف الأطفال الفلسطينيين يندرج في إطار سياسة إسرائيلية ممنهجة ورسمية، تستهدف واقع ومستقبل الطفولة الفلسطينية، وأن كافة مكونات النظام السياسي في دولة الاحتلال تشارك في تشويه وتدمير مستقبل الأطفال، مع الإشارة هنا إلى أنها ناقشت وأقرت خلال السنوات القليلة الماضية مجموعة من القوانين والقرارات التي تهدف إلى توسيع اعتقال الأطفال وتغليظ العقوبة والأحكام الجائرة بحقهم وتشديد الإجراءات التعسفية ضدهم، مما أدى إلى ارتفاع أعداد المعتقلين منهم وزاد من حجم الانتهاكات والجرائم المقترفة بحقهم وفاقم من معاناتهم ومعاناة ذويهم.
وحذرت الهيئة في ختام تقريرها من تداعيات استمرار الاستهداف الإسرائيلي للأطفال الفلسطينيين، وتأثيرات الاعتقال والسجن والتعذيب على واقعهم ومستقبلهم.
وطالبت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) وكافة المؤسسات الدولية التي تُعنى بالطفل وحقوق الإنسان وتحتفي هذه الأيام بمناسبة يوم الطفل العالمي، الى التدخل العاجل لحماية الأطفال الفلسطينيين من الاستهداف الإسرائيلي المتصاعد، والعمل الجاد من أجل الافراج عن كافة الأطفال المعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي ووقف الاعتقالات التعسفية في صفوف الأطفال، خاصة وأن القانون الدولي كفل للأطفال حياة آمنة وكريمة.