بقلم: د. هاني العقاد
بعد توصية 64 نائبا في الكنيست بتكليف نتنياهو لتشكيل الائتلاف الحاكم سيسلم (اسحق هرتسوغ ) التكليف رسمياً له يوم غد الاحد، ما يعني ان نتنياهو قد يعود للحكم مع ائتلاف ديني فاشي عنصري لا يعرف الا التوراة والسيف،… ائتلاف يكره العرب ويحرض على قتلهم ويهدم المسجد الأقصى ويدمر قبة الصخرة ويهجر الفلسطينيين ويفكك السلطة الفلسطينية لاستكمال مشروع الدولة القومية.
قد يعود نتنياهو أكثر دموية بمخطط تصفية القضية الفلسطينية ليصبح زعيما صهيونيا تاريخيا. فقد ادار معركته الانتخابية بصمت وفاز ب 32 مقعدا بالرغم من ملفات الفساد التي كانت تلاحقه . وتربع على قدم ونصف لكل برامج حكومة (نفتالي بينت -يائير لابيد) العرجاء والتي كافحت بضراوة للبقاء فترة أطول، فلم تصمد لأكثر من عام وحلت نفسها وذهبت دولة الاحتلال لانتخابات خامسة جاءت نتائجها لصالح كتلة “الليكود” التي يقودها نتنياهو وحصول معسكره على 64 مقعدا، ما يعني استطاعته تشكيل ائتلاف حاكم دون الحاجة لمقاعد القائمة الموحدة برئاسة منصور عباس في حكومته السادسة مع انه يرغب في ذلك فقط لغرض إيجاد أعضاء معتدلين في الائتلاف، الا ان هذا لن يقبل من جهة أعضاء الكتلة الدينية.
نتائج انتخابات الكنيست، وضعت نتنياهو امام خيارين، فهو اما ان يتفق مع زعماء الكتلة الدينية ويفاوضهم على وزارات غير سيادية وهذا ليس سهلا لكنه ممكنا اذا ما ارضى (ابن كاهانا بن غفير وسموتريتش ويسرائيل كاتس) ما يعني ان هذه الحكومة ستكون حكومة إرهاب وقد لا يقبلها العالم بسهولة ،بالذات انه يتوقع مزيدا من التطرف تجاه الفلسطينيين يلحق الأذى بمقدساتهم الدينية وهويتهم الفلسطينية وتقويض السلام الشامل بفعل مخططات الاستيطان والضم. ويتوقع ان تتضاعف جرائم القتل الاحتلالي في الضفة الغربية التي قد تفوق أي تصور وتتعدد اشكالها ما بين الاعدام الميداني بالإضافة لجرائم الكراهية والتمييز العنصري.
وكانت إدارة بايدن قد حذرت نتنياهو بانها لن تتعامل مع (ايتمار بن غفير) كوزير في الحكومة ،هذا بالإضافة الى بعض التحذيرات العربية من المطبعين مع دولة الاحتلال بان وجود أعضاء من حركة “كاخ” المتطرفة قد يشكل عائقا امام استمرار معاهدات التطبيع العربي الإسرائيلي. والخيار الثاني وهو صعب جدا او بالاتفاق مع يائير لابيد زعيم “يش عتيد” وبيني غانتس زعيم “ازرق ابيض” وهذا صعب في الوقت الحالي . وقبل ان يكلف رسميا من رئيس دولة الاحتلال بدأ نتنياهو اتصالات مبكرة لتشكيل ائتلاف قوي ومقبول دوليا وإقليميا ولا يعتمد اعتمادا كلياً على الأحزاب الحريدية حتى لا تتحول الدولة، الى دولة دينية صرفة من خلال بعض القوانين التي يريد “الحريديم” إقرارها لتفويض الحاخامية اليهودية بالبت في كثير من القضايا التي هي من اختصاص المحاكم والتي يعتبرها “الحريديم” محاكم علمانية حيث ستشكل الأحزاب الدينية اكثر من نصف مقاعد كتلة نتنياهو أي حوالي 33 مقعدا ككتلة دينية يمينية متطرفة مكونة من احزاب “الصهيونية المتدينة” و”شاس” و”يهدوت هتوراة”. وهذا ضعف المقاعد التي ستكون لحزب “الليكود”.
والمعروف ان كل هذه الأحزاب الدينية كانت قد وضعت خططا بعكس الإصلاحات التي وضعتها حكومة (لابيد بينيت) والهدف تعزيز الهيمنة الارثوزكسية اليهودية على الحياة الدينية في دولة الاحتلال. وليتفادى نتنياهو كل هذا، تحدث مع زعيم “يش عتيد” وزعيم “ازرق ابيض” الثنائي (يائير لابيد وبيني غانتس) لمناقشة إمكانية دخولهما في ائتلاف وطني لتشكيل حكومة موسعة تظهر على انها حكومة وحدة وطنية الا ان الرجلين رفضا حتى الان اعطاء نتنياهو أي إجابات ايجابية وفضلا البقاء في المعارضة وهذا ما يضيق البدائل والخيارات امام نتنياهو.
ما يجعلنا نقول ان نتنياهو امام خيارات صعبة إذا ما اغلق المعسكر الاخر الباب في وجهه ورفض الاشتراك في حكومة وحدة وطنية حسب ما يوصي “هرتسوغ”، فان نتنياهو سيكون مضطرا للاتفاق مع الاحزاب الدينية لكن بتقييد إجراءاتها بلوائح شبه ليبرالية لضمان الاستمرار في الحكم دون انتقاد من المعارضة او المجتمع الدولي والإقليمي.
وكانت حكومات نتنياهو السابقة، عبارة عن تشكيل علماني يميني معتدل الى حد ما ، فقد ضمت في محتواها أعضاء من “يسرائيل بيتينو” و”كولانو” و”ازرق ابيض” وحتى “العمل”، وهذا يعني ان نتنياهو دائما يحاول ان يجد توازنا ما داخل حكومته والذي قد يفشل فيه هذه المرة لان المطرح امامه ليكود – حريديم فقط لتشكيل ائتلاف حاكم يتكون من 64 مقعدا حتى الان.
يبقى السؤال الكبير: هل سينجح نتنياهو في ادخال أحزاب معتدلة في ائتلافه الحاكم؟ اعتقد ان نتائج الانتخابات والازمة البرلمانية العميقة في دولة الاحتلال تشير الى ان نتنياهو قد لا يستطيع اقناع أي من الأحزاب التي قد تشكل قوة معتدلة للانضمام للائتلاف الجديد ولن يكون هناك يمين معتدل او علمانيين او محافظين في حكومته حتى لو استطاع اقناع أي أعضاء اخرين من أحزاب معتدلة بالانشقاق والانضمام للائتلاف فان هذا سيكون عديم التأثير وسيبقى شكل الحكومة السادسة لنتنياهو حكومة دينية يمينة متطرفة.
خطورة هذه الحكومة انها ستحول إسرائيل الى دولة دينية في غضون سنوات وستسخر كل قوانين الكنيست لخدمة الطوائف الدينية الأرثوذكسية اليهودية الصرفة وحرمان الأقليات وخاصة العرب الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية من حقوقهم الأساسية، ما يعني ان المجتمع اليهودي سيعاني من تمييز عنصري عميق في تركيبته مما سيؤدي بالتأكيد الى مزيد من التفكك لمكونات دولة الاحتلال. اما فيما يخص العلاقة مع الفلسطينيين وحل الصراع، فقد بات مؤكدا من خلال أداء الحكومات قصير العمر السابقة ان أي حكومة دينية او يمينية معتدلة او حكومة وحدة وطنية او حكومة وسط لن تأتي بالسلام الشامل والعادل للمنطقة لأنه ليس من خيارات دولة الاحتلال الاستراتيجية مادام المجتمع الدولي لا يمارس أي ضغط لأنهاء الاحتلال بل يغض البصر عن أفعالها أحادية الجانب لاختزال الصراع مع الفلسطينيين لنمط حياة اقتصادية أمنية مشتركة دون حقوق سياسية كاملة.