اغتيل منذ بداية الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، آلاف القادة والنشطاء والأدباء من خلال (مركبات مفخخة، عبوات ناسفة، قوات خاصة، طرود مفخخة، اشتباك مسلح، هدم، دعس، إهمال طبي..) قبل أن يتم اغتيال حسين عبيات قبل 22 عاما بصواريخ الطائرات.
في اليوم الـ43 للانتفاضة الثانية “انتفاضة الأقصى” والتي استمرت لخمس سنوات، وتحديدا في تمام الساعة الـ11:50 ظهر التاسع من تشرين الثاني 2000، أطلقت طائرة اباتشي ثلاثة صواريخ على مركبة “ميتسوبيشي” في شارع جمعية الشبان المسيحية في مدينة بيت ساحور، لتغتال المناضل في حركة “فتح” حسين عبيات (37 عاماً).
شَكَّلَت طريقة اغتيال عبيات صدمة مروعة لدى الناس، الذين لم يعتادوا قبل ذلك أن تخرج طائرة لتلاحق بصواريخها مركبة يقودها شخص أو مجموعة، وتحول أجسادهم إلى أشلاء. كما شكلت انعطافه مصيرية في مسار الانتفاضة الثانية، كونه أول اغتيال خلالها، وهو ما صعد من ذروة الاشتباك ورفع درجة التصعيد وأدخل “الثأر” إلى قاموس الانتفاضة والتشكيلات المسلحة، بينما عادت كلمة “المطاردين” إلى الشارع.
في اليوم التالي شيّع أكثر من 60 ألف مواطن الشهيد عبيّات، وخرجت المدينة عن بكرة أبيها في وداع مهيب.
وفي تفاصيل ذلك اليوم، صباح الخميس 9/11/2000 خرجت مجموعة من مقاتلي حركة فتح تضم؛ الشهيد حسين عبيّات، والمبعد ابراهيم عبيات، والأسير المؤبد ناصر عبيات، والأسير المؤبد خالد صلاحات، والأسير المؤبد راتب عبيات، والأسير المؤبد عدنان عبيات، إلى بيت ساحور لتفقد البيوت التي تضررت نتيجة العدوان على بيوت الآمنين؛ وتم دعوتهم من إحدى العائلات لشرب القهوة؛ علماً ان المجموعة تحركت بسيارتين سيارة يقودها الشهيد حسين عبيّات ويرافقه الأسير خالد صلاحات، والسيارة الثانية يقودها المبعد ابراهيم عبيات ويرافقه الأسير ناصر عبيّات والأسير راتب عبيّات والأسير عدنان عبيّات. وعند جلوسهم لشرب القهوة شاهدوا طائرات الاحتلال تحلق في الأجواء؛ إلا ان المجموعة المقاتلة؛ استبعدت ان تقوم الطائرات بالقصف؛ لان وقتها لم يكن قد دخل سلاح الجو إلى المعركة.
تحركت المجموعة بعد شرب القهوة وخرجت سيارة الشهيد حسين عبيّات أولاً ثم تحركت بعدها سيارة ابراهيم عبيات إلا انها سرعان ما توقفت لأن الشهيدة رحمة شاهين اوقفت مركبة ابراهيم وسألته عن حاله؛ في هذه الاثناء ضُربت المركبتان بـ4 صواريخ.. كل مركبة بصاروخين؛ تمت اصابة مركبة الشهيد حسين عبيات إصابة مباشرة واستشهد على الفور وأصيب خالد صلاحات إصابة بالغة الخطورة؛ أمّا المركبة التي يقودها ابراهيم عبيات فقد اصابها صاروخ في مقدمتها ولم ينفجر والصاروخ الثاني ضرب الأرض ما ادى لاستشهاد كل من رحمة شاهين وعزيزة جبران في بدايات الخمسينات من أعمارهن، كما أصيب في عملية الاغتيال 13 مواطناً.
كانت الانتفاضة قد اشتعلت في كل الأراضي الفلسطينية، لكنها بالذات في محافظة بيت لحم أخذت طابعا خاصا، وراحت الدبابات الثقيلة تلقي قذائفها المدفعية تجاه بيت جالا وبيت ساحور في الأسابيع الأولى من الانتفاضة.
هناك، وسط مقبرة “الشهيد حسين عبيّات” في هندازة وضعت مركبة من نوع ميتسوبيشي التي قصف بداخلها حسين، كصرح تذكاري على ارتفاع أكثر من 6 امتار، أسفلها زين الصرح بخارطة فلسطين كاملة وصورة الشهيد.
الشاب الممرض محمد عبيات، أحد أقارب الشهداء حسين وعاطف وبقية أفراد العائلة من شهداء وجرحى ومبعدين، كتب في مذكراته عن تلك المرحلة: “استشهد حسين فجاء بعده عاطف ونائبه الأمير الأحمر جمال عبيات واستشهدا معاً فاستلم القيادة ابراهيم ابن عم الشهيد عاطف، وما بينهم كان اعتقال محمود السمرين العبيات المطلوب رقم واحد بعد عاطف وقتها، واعتقل نبيل عبيات شقيق الشهيد عاطف، وما بعد المُبعد حالياً ابراهيم أُسندت القيادة للأسير عدنان عبيات وابن عمه ورفيق دربه راتب عبيات وتم اعتقالهما في مستشفى الفرنساوي ببيت لحم، وبعدهما اعتقل اسماعيل عبيات واغتيل محمد عبيات أمام مستشفى بيت جالا الحكومي بعد تفجير قُنبلة بأحد نقاط الهواتف العمومية، ليلحقه الشيخ نضال عبيات خلال حصار كنيسة المهد في نيسان 2002، فيما اعتقل ماهر عبيات وعلي عبيات بواسطة قوات خاصة، لتسند بعدهما قيادة التنظيم لرائد عبيات ونائبه ناصر عبيات. اغتيل رائد بعد محاصرة أحد البنايات السكنية في بيت لحم، فيما اعتقل ناصر بعدها بفترة وجيزة.
حتى اليوم، وبعد 22 عاماً من استشهاده، ما زال اسم “حسين عبيات” يملأ جدران شوارع المدن الثلاث المشتركة “بيت لحم، بيت جالا، بيت ساحور”، ويُقرأ على الأسوار واللافتات القديمة، كما تزين صوره منطقة سكناه في “هندازة” في الريف الشرقي لبيت لحم.
ولد حسين محمد سالم عبيات بتاريخ 15-8-1963 في هندازة/شرق بيت لحم، وهو أب لـ 7 أطفال (2 ذكور، 5 إناث).
اعتقل عبيات وهو في سن الـ19 من عمره عام 1982 وأمضى في سجون الاحتلال 5 سنوات، وحين جاءت الانتفاضة الأولى (1987-1994) قاد المجموعات الضاربة لحركة فتح في محافظة بيت لحم وأصيب في قدمه برصاص الاحتلال، كما أصيب في يده خلال اشتباكات في بيت ساحور قبل استشهاده بإسبوعين.
يذكر أن عبيات كان يملك فرناً باسم “الفرن العراقي” منذ عام 1990 في باب الدير وسط بيت لحم.
(22عاماً) مرّت على إغلاقه كنوع من الحزن “الشخصي”، وبقي المكان ايضاً مغلقاً، كحداد عائلي طويل.