بقلم: مروان اميل طوباسي
لقد حققت انتخاباتهم ما كانت تحققه دائما من جوهر مفهوم وعد بلفور المشؤوم. اخطار وتحديات كبيرة قادمة امام شعبنا في ظل نتائج تلك الانتخابات تعكس التنامي في عقليتهم وبيئة مجتمعهم الاستعمارية الفاشية العنصرية والتي لا يوجد لمفهوم السلام مكان فيها، ليستكملوا ما وعدهم به بلفور لتجسيد فكرة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، وتحقيق امتداد لمنهج الاستعمار في منطقتنا من خلال الاستيطان وقهر اصحاب الأرض.
برأيي ان شيئا لم يتغير، لأنها كانت دوما هكذا، فجوهر الحركة الصهيونية منذ بداياتها وكتابة بروتوكولات حكماء صهيون، يقوم على أساس الاضطهاد والاستعمار الاستيطاني وانكار وجود الشعب الفلسطيني ونفي حقنا في تقرير المصير.
سيكون القادم هو استدامة وتصعيد جرائمهم المستمرة منذ اكثر من سبعة عقود، لمحاولة تنفيذ ما تبقى من مشروعهم الصهيوني ذو البعد الديني التلمودي المزعوم في ظل واقع إقليمي ودولي لن يواجه سياساتهم الآن.
وهنا ورغم ظهور متغيرات جارية على الساحة الحزبية والبرلمانية لدولة الاحتلال، لها علاقة بنتائج انتخاباتهم قبل أيام ، والتي باتت معالمها ظاهرة منذ محاولات إسقاط الحكومة الإسرائيلية التي كانت قائمة بناء على تبريرات القواعد الدينية اليهودية واصولها والمنافسة على جوهر تطبيق الفكر الصهيوني،الا ان استمرار الإجماع حول الاحتلال والضم والتسابق في توسيع الاستيطان الاستعماري لم يكن يواجه تحديات في المجتمع اليهودي الإسرائيلي ولا يثير خلافات بين اطرافهم الحزبية المختلفة التي عكست مواقف ومتغيرات مختلفة لاستمرار الحكومة السابقة التي سقطت قبل ايام.
كان امام هذا الواقع ان تصاعدت شعبية بن غفير وإن كانت ضرورية لزعيم الليكود، إلا أنها قد تثير قلقه أيضا. فلربما لم يكن نتنياهو قادرا على ضبط القوة التي خلقها، الأمر الذي جعله يبحث عن خيارات أخرى ، فكلما كانت لديه حكومة متجانسة أيديولوجيا، كان من السهل التحكم بها مقارنة مع التحالفات السابقة غير المتجانسة. وهذه لحظة مخيفة، فالناخب في إسرائيل والميال بشكل متزايد لليمين، اختار حكومة من المرجح تبنيها لمسار فاشي ومتطرف .
الا انها قد تكشف واقع وحقيقة ما تعنيه بالنسبة لمقولة الدولة الديمقراطية التي يتشدق بها الغرب المنحاز،مما قد يدفع “الليكود” بتشكيل حكومة بالاشتراك مع الثلاثي المهزوم واستدامة مشروعهم المشترك لكن دون ضغوط من اصدقائهم على تلك الحكومة باستبعاد بن غفير وسموتريتش منها .
متغيرات ادت إلى رحيل الثلاثي الصهيوني نفتالي بينيت ولابيد وغانتس وعودة نتنياهو ورفاقه اليمينيون المتطرفون الاخرين الى الحكم بعنصرية اكبر بلا تغيير لا في المواقف ولا في مقاربة جدية لحلول قضايا الصراع والسلام الحقيقي،… إنها المنافسة بين التيارات الصهيونية نفسها، فلا فرق بينهم.
ولكي يكون هناك تيار يهودي يساري في إسرائيل، عليه أن يكون معاد لمنشأ الفكر الصهيوني الذي شكل أداة للفكر الاستعماري الغربي حتى ما قبل وعد بلفور وعمل على استغلال الدين اليهودي وفقرائه لمصالح اغنيائه وكبار التجار .
لقد ضَحت الحركة الصهيونية العالمية بإعداد كبيرة من اليهود في جرائم الحرب العالمية الثانية بالتعاون مع النازيين انذاك الذين سهلوا هجرة اليهود الى فلسطين مقابل المال ومحاولة تفريغ أوروبا من اليهود الذين ضاق منهم الأوروبيون لسيطرتهم على مفاصل المال ، ولعدم رغبتهم في حل المسألة اليهودية في إطار مجتمعاتهم الأوروبية ، فقدموا لهم التسهيلات من أجل دعم هجرتهم الاستيطانية إلى فلسطين انذاك .
ولا يمكن لمن يعتبر نفسه يهوديا يساريا أو معاديا للصهيونية باسرائيل او خارجها ان لا يعارض أسس الدولة الاستعمارية العنصرية وممارساتها وجرائمها حتى يومنا هذا بحق شعبنا الفلسطيني صاحب الأرض الأصلي ، كأي مسلم أو مسيحي يساري أو تقدمي حول العالم .
بغير ذلك تكون محاولة اعتبار البعض من الاسرائيليين اليهود لهوية انفسهم الفكرية والسياسية اليسارية هي وهمِ وخداع وذر للرماد بالعيون.
فالهوية الفكرية اليسارية لا يمكن الا أن تحمل مفاهيم حرية الشعوب وتحررها الوطني وحقها في تقرير مصيرها ومعاداة كل أشكال الاستعمار والاحتلال والتمييز العنصري ومنها افكار الحركة الصهيونية ، إضافة إلى امتلاك رؤية اجتماعية اقتصادية وثقافية تقدمية تدافع عن العدالة والمساواة وحقوق المستضعفين والمسحوقين امام ممارسات أصحاب نظريات الاستغلال البشع وهذا امر غير قائم لدى من يسمون أنفسهم باليسار الصهيوني.
هنالك يهود كالمسلمين والمسيحين من حيث انتمائهم الديني، قد شاركوا في تأسيس حركات تحرر ثورية سياسية واجتماعية وثقافية ذات بعد إنساني تقدمي حتى ببعض دول العالم العربي ومنهم من كافح الى جانبنا في مسيرة نضالنا الشاقة، هؤلاء ينطبق عليهم مفهوم الهوية اليسارية الفكرية ومعاداة الصهيونية، وقلة منهم يكافحون معنا من داخل المجتمع الإسرائيلي الان الذي تنمو فيه أصول الفاشية، والذين يتوجب استمرار العمل والكفاح المشترك معهم ، امثال المناضل الشيوعي عوفير كتسيف الذي عمل مع ايمن عودة واحمد الطيبي وعايدة توما وسامي ابو شحادة من القائمة المشتركة .
ان كل اصحاب الفكر الصهيوني يريدونها دولة تتسم بالفوقية اليهودية العنصرية الخالصة وفق اسس روايتهم التوراتية المزعومة والفكر الصهيوني السياسي، وينشدون توسيع الاستيطان وتعميق الاضطهاد ضد شعبنا، ويؤكدون على حماية مستوطنيهم ويمارسون الجرائم والتمييز العنصري وانتهاك المقدسات وكل شبر من أرضنا، في مجتمع اصبح يفتقر الى مجموعات سلام ويجنح اكثر واكثر نحو مبادئ حركتهم الصهيونية واهدافها .
ان اليسار الصهيوني اًكذوبة منذ نشأته المزيفة، وقرار الغاء مساواة الصهيونية بالعنصرية بالأمم المتحدة عام ١٩٩١، بعد أن كان قد اتخذ عام ١٩٧٥ بتصويت أغلبية الأعضاء خطيئة تاريخية مهدت لتوسيع جرائمها التي يدفع شعبنا ثمنها ، بل والإنسانية جمعاء، كما هو قرار الادارة الأميركية أمس بشطب عصابة “كاخ” الصهيونية الدينية التي ارتكبت المجازر من “قائمة الإرهاب الأميركية ” وهو أمر معيب بحق مفاهيم العدالة الإنسانية ومعاداة العنصرية ويشجع على استمرار الإرهاب، ويؤكد على الانحياز ضد شعبنا في وقت ترفض فيه الإدارة نفسها شطب والغاء القرارات السابقة للكونغرس الأميركي بحق منظمة التحرير الفلسطينية لعام ١٩٨٧ وتبعاتها اللاحقة، الأمر الذي يتوجب علينا العمل من أجل إعادة إقرار جوهره بالتزامن مع ما يرتكب من جرائم من قبل الاحتلال وتقديم ملفاتهم إلى المحكمة الجنائية الدولية .
امام ذلك علينا الان تقييم المرحلة والرؤية والاداء حتى نتمكن من الصمود والمقاومة والبناء من أجل أن نبقى في أرض أجدادنا وابائنا، ثابتين على حقوقنا في وطن ليس لنا سواه.