نيويورك تايمز: بايدن يجهز نفسه لعلاقة معقدة مع نتنياهو

 نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريراً عن العلاقة المتوقعة بين الرئيس جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي المتوقع بنيامين نتنياهو، الذي فاز بولاية جديدة لإدارة إسرائيل، وتوقعت أن تكون معقدة.

 وذكرت الصحيفة، في تقرير أعدّه ديفيد سانغر ومايكل إي شير، بأن الزعيمين أقاما علاقات على مدى العقود الأربعة الماضية تراوحت بين الصداقة والمواجهة. فعندما وصل بايدن إلى البيت الأبيض، العام الماضي، كان لديه التميز في العلاقة المضطربة مع بنيامين نتنياهو، أطول رئيس وزراء لإسرائيل. فقد هزم بايدن دونالد ترامب، الذي كان حليفاً قريباً لنتنياهو، وأكد الرئيس الأمريكي الجديد أن أحد أهم أهداف سياسته الخارجية هي استئناف المفاوضات مع إيران بشأن ملفها النووي، الذي عارضه رئيس الوزراء الإسرائيلي، وبذل جهده لتقويضه. وفي الوقت نفسه كان نتنياهو ملاحقا في قضايا فساد وأطيح به بعد سنوات كرئيس للوزراء. والآن، فقد تحركت الكراسي. انهارت كل آمال بايدن بتوقيع صفقة نووية مع إيران، وبدأت الأخيرة بتزويد روسيا بالمسيرات القتالية لكي تستخدم في العمليات العسكرية في أوكرانيا،  وتظهر استطلاعات الرأي أن الرئيس يواجه عقاباً من الناخب الأمريكي في الانتخابات النصفية، في الأسبوع المقبل، والتي قد تنهي أجندته التشريعية المحلية.

ولا يزال دونالد ترامب قوة سياسية في أمريكا، وربما عاد للسباق الرئاسي في عام 2024. وأمن نتنياهو عودته إلى السلطة، في يوم الخميس، عبر تحالف مع الأحزاب اليمينية المتطرفة، ومصادقة على أسلوبه العدواني الذي كان في قلب خلافاته مع بايدن ورؤساء أمريكا السابقين.

وسيجد الزعيمان نفسيهما في مبارزة حول عدد من القضايا التي وترت العلاقة بينهما. وهي علاقة معقدة تراوحت بين الصداقة والصدام، وأحيانا في نفس اليوم. ولكن دينيس روس، الذي كان يرافق بايدن في رحلاته إلى الشرق الأوسط، يرى أن العلاقة مع بايدن كانت أفضل من علاقة نتنياهو مع باراك أوباما. وقال: “ينظر بيبي إلى بايدن بطريقة تختلف عن رؤية بيبي لأوباما”، مضيفا: “كان بيبي مقتنعاً أن أوباما يعمل على قطع الطريق عليه، واعتقد أوباما أن بيبي كان يعمل مع الجمهورييين للتخريب عليه”. وقال روس، الذي أشرف على سياسة الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي بعهد أوباما، إن نتنياهو “نظر لبايدن كشخص يمكنه الخلاف معه، ولكن قلب بايدن ومشاعره كلها مع إسرائيل”.
ولا تزال الخلافات قائمة، فالرئيس يدعم دولة فلسطينية لحل النزاع الطويل مع إسرائيل، ولكن نتنياهو لا يدعم. ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي الاتفاقية النووية الموقعة مع إيران عام 2015 بالكارثة على إسرائيل والمنطقة. واعتقد بايدن أنها أفضل طريقة لمنع إيران من تطوير الأسلحة النووية. واختلف الرجلان، خلال السنوات الماضية، حول بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية. وفي الأشهر الـ 16، التي خرج فيها نتيناهو من السلطة ثم عاد، تغير العالم، فقادة إيران، الذين تشغلهم الاحتجاجات الداخلية، لا رغبة لديهم بالعودة للاتفاقية النووية، التي غادرها ترامب عام 2018 مما أضفى السرور على قلب نتنياهو.

 وفي الوقت الحالي تدعم إيران فلاديمير بوتين في حرب أوكرانيا، حيث تبيع له صواريخ وطائرات بدون طيار. ولم يعد الموضوع الفلسطيني حاضراً في الأجندة السياسية بسبب الخلاف داخل القيادة الفلسطينية. ولم يواجه نتنياهو خلال إدارة ترامب ضغوطا لكي يستجيب لإرادة الولايات المتحدة. ولم يعارض ترامب حملة التخريب الإسرائيلية في إيران، أو رفض نتنياهو الموافقة على مفاوضات حل الملف الفلسطيني. ولم تتوتر العلاقات بين الرجلين إلا عندما هنأ نتنياهو بايدن على فوزه، حيث اتهمه ترامب بعدم الولاء. وتردد نتنياهو بتهئنة بايدن لعدة ساعات لخوفه من إغضاب ترامب، ولم ينفعه هذا، حيث انتظر بايدن أسابيع قبل أن يتصل برئيس الوزراء الإسرائيلي. ولأن وصول بايدن إلى البيت الأبيض تزامن مع قيود كوفيد-19 فلم يلتق الزعيمان قبل الإطاحة بنتنياهو. وكنائب للرئيس الأمريكي وجد بايدن نفسه على تضاد مع نتنياهو أو حكومته. فقبل أكثر من عقد، كان بايدن هو أول من اشتكى، أثناء اجتماع بستويويش روم (غرفة الوضع) بالبيت الأبيض، من أن إسرائيل في ظل نتنياهو تعجلت بتحديث شيفرة كمبيوتر سرية لتخريب مفاعل النخصيب النووي الإيراني نطنز. وانتشرت البرمجيات الخبيثة حول العالم، وأدى الكشف عنها لفضح برنامج سري يديره البلدان ويحمل الرمز “الألعاب الأوليمبية”. والمرة الثانية التي اشتكى فيها بايدن كانت عندما اغتالت إسرائيل علماء ذرة إيرانيين، فقد اعتبرت أنها تعيق جهود التوصل إلى اتفاق دبلوماسي يحد من إنتاج المواد النووية. وعادة ما كانت الخلافات بشأن السياسات سببا في إثارة العداء الشخصي بين بايدن ونتنياهو.

 ففي أثناء زيارة لإسرائيل عام 2010 أعلنت الحكومة عن بناء وحدات سكنية في القدس الشرقية، وهي منطقة موضوع تفاوض حول حدود الدولة الفلسطينية. وجاء الإعلان بعد حديث بايد، قبل ذلك بساعات، عن أهمية العلاقات الأمنية بين البلدين، وكان مفاجئا لبايدن وعبر عن غضبه. وفي تلك الليلة أخّر بايدن وصوله لمأدبة عشاء مع نتنياهو وزوجته 90 دقيقة، في توبيخ دبلوماسي قصد منه التعبير عن عدم رضاه. وبعد الإطاحة به في 2021 هاجم نتنياهو بايدن في آخر خطاب له، قارن فيه التردد في مواجهة برنامج إيران بفشل رئيس أمريكي سابق التحرك سريعا ومواجهة هتلر في الحرب العالمية الثانية. وقال: “في 1944، وفي ذروة الهولوكوست، رفض الرئيس الأمريكي فرانكلين ديلانو روزفلت ضرب سكة حديدة كانت تقود إلى معسكرات الإبادة ورفض قصف غرف الغاز، وهو ما كان سينقذ حياة الملايين”.

وتعود العلاقة بين بايدن ونتنياهو إلى عقود، عندما كان الأول عضواً في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ، والثاني نائباً للسفير الإسرائيلي في واشنطن. وتحدث بايدن بحب عن نتنياهو، وأرسل له مرة بطاقة معايدة: “بيبي، لا أتفق مع كل ما تقوله، ولكنني أحبك”. وقال روس: “لدى بايدن ارتباط بدهي بإسرائيل”، واعتقاده بأن إسرائيل “تتعرض لتهديد وجودي” من أعدائها، كل هذا دفع بايدن لفهم رؤية نتنياهو، حسبما قال روس. وكان بايدن الوحيد من الساسة الأمريكيين الذين كتبوا رسالة إلى نتنياهو بعد خسارته الحكومة في عام 1999، وفي الأوقات الحرجة بين نتنياهو وأوباما كانت المهمة تقع على عاتق بايدن للعب وسيط السلام.

لكن بايدن لم يكن على اتفاق دائم مع الزعيم الإسرائيلي، ففي عام 2015 رفض حضور خطاب لنتنياهو في الكونغرس بناء على دعوة من رئيس مجلس النواب، والذي لم يخبر البيت الأبيض مقدما. وخصص الخطاب لرفض اتفاقية إيران النووية، وكان غياب بايدن محلا لمفاقمة الخلافات بين إدارة أوباما ونتنياهو.

 وكرئيس، استخدم بايدن ما لديه من رأسمال سياسي للدفع من أجل استئناف الاتفاقية النووية التي مزقها ترامب. ورغم ضعف نتنياهو إلا أن الرئيس الأمريكي تعهد بالوقوف مع إسرائيل أياً كان زعيمها. وكان هذا واضحاً في زيارة بايدن لإسرائيل في تموز/ يوليو، حيث بدا مرتاحا في لقائه مع يائير لبيد أكثر من محطته الثانية في السعودية. وزار بايدن نتنياهو فيما وصف بلقاء حميم وهادئ. وقال نتنياهو إنه أخبر بايدن بضرورة تهديد إيران بأكثر من العقوبات الاقتصادية والشراكات الدفاعية مع دول الشرق الأوسط، و”نريد شيئاً واحداً”: “خيار دفاعي عسكري موثوق”. وسيضغط نتنياهو باتجاه هذا الخيار، وقد أصبح الآن رئيس الوزراء وزادت إيران من معدلات تخصيب اليورانيوم. ومن جانبه، سيطلب بايدن من إسرائيل الوقوف مع الحلف الأمريكي- الغربي ضد روسيا في أوكرانيا، وهي خطوة رفضت إسرائيل اتخاذها بذريعة أنها بحاجة لروسيا في سوريا. ومهما حدث فالمشاكل هذه كانت مختلفة عندما وصل بايدن إلى الحكم، مما يعني أن التوترات ستظهر سريعاً.

Exit mobile version