تناول رايان نيوهارد، نائب مدير برنامج آسيا في معهد أبحاث السياسة الخارجية، استراتيجية الأمن القومي الأمريكية والنقاط المحورية حول بآسيا. وقال الباحث في تحليل على موقع المعهد إن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة تُعلي صراحةً أولوية الصين ودول منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وتسلط الضوء على السياسة الصناعية بوصفها أداةَ أمن قومي محوريةً، وتوضح موقف أمريكا من تايوان، وتُشدد على التمييز بين الحكومة الصينية والشعب الصيني.وتحلل استراتيجية الأمن القومي عناصر السياسة الأمريكية التي خلقت بلبلة، وتضع بعض الإرشادات المفيدة عن عناصر سياسة خارجية أمريكية مُختلفة تُكمّل بعضها البعض.
الخلفية
وأشار المعهد الذي تركز أبحاثه على القضايا الأمنية والتطورات العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، إلى أن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة نُشرت في 12 أكتوبر (تشرين الأول).
وأصدرَ البيت الأبيض نسخة غير سرية منها لتحديد الأولويات الاستراتيجية والتوجيهات الشاملة لجميع المؤسسات الحكومية الأمريكية.
ولفت الباحث النظر، إلى أنها تشمل نطاقاً كبيراً من المواضيع، ولذلك هناك الكثير من المعلومات المُفصلَة فيها، منوهاً إلى أن المحللين سيفصلون كل قسم، وسيستخلصون الاستنتاجات في الأيام والأسابيع المقبلة. ولكن، هناك على الأقل أربع نقاط بارزة فيها.
الصين وروسيا على رأس الأولويات
عند فرز التحديات التي يشكّلها البلدان الأخرى، أعلت استراتيجية الأمن القومي صراحةً مكانة الصين وتبعتها روسيا.
وفي القسم الذي يُحدِّد الاستراتيجية حسب المنطقة، نجد أن بلدان المحيطين الهندي والهادئ تتصدر المشهد، وتتبعها مباشرةً الدول الأوروبية، ثم بقية مناطق العالم. على سبيل المثال، تنص الاستراتيجية على ما يلي، “تقر هذه الاستراتيجية بأن جمهورية الصين الشعبية هي التحدي الجيوسياسي الأبرز الذي تتصدى له أمريكا. ورغم أن منطقة المحيطين الهندي والهادئ هي التي ستتشكَّل فيها نتائج هذا التحدي أكثر من غيرها، هناك أبعاد عالمية بالغة الأهمية لهذا التحدي. وتُشكّل روسيا تهديداً صريحاً ومستمراً لنظام الأمن الإقليمي في أوروبا، وهي مصدر للاضطرابات وحالة عدم الاستقرار عالمياً، غير أنها تفتقر للنطاق الأوسع من القدرات الذي تتمتع به جمهورية الصين الشعبية”.
ويضيف النص “لا بد أن تحافظ استراتيجيتنا الدفاعية على الردع وتُعززه، لا سيما مع جمهورية الصين الشعبية. تُمثِّل روسيا وجمهورية الصين الشعبية تحديات مُختلفة. فروسيا تُشكِّل تهديداً مباشراً للنظام الدولي الحر المفتوح، إذ تستخف بالقواعد الأساسية للنظام الدولي، كما تجلَّى لنا في حربها الوحشية ضد أوكرانيا. وفي المقابل، نجد أنّ جمهورية الصين الشعبية المنافس الوحيد الذي يضمر نية إعادة تشكيل النظام العالمي”.
ويعكس ذلك، حسب التحليل، استراتيجية الدفاع القومي المُحدَّثَة التي تُشدِّد على الأولوية ذاتها. وهذا أمر مهم لبيان كيف يتعين على الهيئات الحكومية تقسيم تركيزها ومواردها إذا أُجبرت على الاختيار، ولطمأنة أي حلفاء وشركاء في منطقة المحيطين الهندي والهادئ مِمَّن ربما خالجتهم شكوك حيال التزام الولايات المتحدة.
وأوضح التحليل أن التشديد المُستمر على بلدان منطقة المحيطين الهندي والهادئ وعلى الصين في شتى أقسام استراتيجية الأمن القومي يبدو علامة على أن الحكومة الأمريكية لن تسمح بأن تعصف أزمات أخرى بالأولويات الاستراتيجية فيها، والتنافس مع الصين.
دعم القواعد الصناعية الحيوية
تؤكد الاستراتيجية الاستثمارات في القاعدة الصناعية الدفاعية والعديد من القواعد الصناعية المدنية المهمة استراتيجياً. وتشمل الفقرات الأساسية، خاصةً “تتبع الولايات المتحدة استراتيجية صناعية وابتكارية حديثة. ونُحدد ونستثمر في جوانب أساسية لم تُحشد فيها الصناعات الخاصة وحدها لحماية مصالح الأمن الاقتصادي والقومي الأساسية لدينا، بما في ذلك تعزيز مرونتنا القومية. إننا نعمل على تأمين بنيتنا التحتية وتطوير الأمن السيبراني التأسيسي لقطاعات محورية من خطوط الأنابيب حتى المياه، ونتعاون مع القطاع الخاص للارتقاء بدفاعتنا الأمنية في منتجات التقنية.
الحرب في أوكرانيا تُسلّط الضوء على محورية القاعدة الصناعية الدفاعية للولايات المتحدة وحلفائها وشركائها. فلا يجب أن تكون قادرة وحسب على تصنيع قدرات مُثْبَتة ضرورية للتصدي لعدوان الخصوم، وإنما عليها أن تكون قادرة على الابتكار وتصميم حلول بإبداع بالتزامن مع تطور ظروف ساحة المعركة. وبينما تُحْدِث التقنيات الناشئة ثورةً في الحرب وتشكِّل تهديدات جديدة للولايات المتحدة وحلفائها وشركائها، فإننا نستثمر في عدد كبير من التقنيات المُتقدمة بما في ذلك تطبيقات في المجال السيبراني وفي الفضاء وقدرات إسقاط الصواريخ والذكاء الاصطناعي الموثوق، والنُظُم الكموميّة، كما نشرنا قدرات في ساحة المعركة في الوقت المناسب”.
الموقف الأمريكي من تايوان
وجاء في الاستراتيجية الموقف الأمريكي من تايوان، فقالت: “لنا مصلحة راسخة في إقرار السلام والاستقرار في مضيق تايوان المحوري للأمن والرخاء الإقليمي والعالمي، وهي المسألة التي تثير قلقاً واهتماماً دوليين. وإننا نُعارض أي تغييرات من جانبٍ واحد للوضع الراهن، ولا نؤيّد استقلال تايوان. ولا نزال ملتزمين بسياسة صين واحدة التي تسترشد بقانون العلاقات مع تايوان والبيانات المُشتركة الثلاث والضمانات الست. وسنتمسّك بالتزامنا بموجب قانون العلاقات مع تايوان لدعم دفاع تايوان عن ذاتها، والحفاظ على قدرتنا على مقاومة أي محاولة للجوء للقوة أو الإكراه ضد تايوان”.
وهذه ألفاظ أكثر صراحةً بكثير مما شهدناه في النسخ السابقة من الاستراتيجية، وتساعد أيضاً على تبديد الارتباك الذي أعربَ عنه بعض المراقبين إذ حاولوا تفسير بيانات الرئيس الأمريكي.
التمييز بين حكومة الصين وشعبها
وأكّدت الاستراتيجية على التمييز بين الشعب الصيني والحكومة الصينية والحزب الحاكم، وجاء فيها “رغم أن هناك خلافات جسيمة بيننا وبين الحزب الشيوعي الصيني والحكومة الصينية، تنحصر تلك الخلافات بين الحكومات والأنظمة لا بين الشعوب. فالروابط الأسرية وعلاقات الصداقة ما برحت تربط بين الشعبين الأمريكي والصيني. وإننا نكن كل الاحترام لإنجازاتهم وتاريخهم وثقافتهم. وليس للعنصرية والكراهية مكان في أمة أقامتها أجيال من المهاجرين وفاءً بوعدِ إتاحة الفرص للجميع”
وهذا أمر مهم من وجهة نظر القيم ومن وجهة نظر استراتيجية. فمن ناحية القيم، من المهم أن نتذكر أن الصين دولة مُستبدة وأن عموم الشعب الصيني داخل الصين وخارجها لا فرصة له للتأثير على قادة بلادهم. ومن ثمَّ، ينبغي للحكومة الأمريكية السعي إلى تفادي معاقبة الصينيين على انتهاكات الحكومة الصينية والحزب الحاكم.
ومن منظور استراتيجي، فالتمييز مهم لأن استراتيجية الحزب الصيني الشيوعي للتنافس مع الولايات المتحدة تنطوي على الاعتماد على القومية العرقية وتشويه المنافسة، وتحويلها إلى تنافس بين أشخاص لا بين نُظُم وقيم ورؤى استراتيجيّة.