حذر يوفال ديسكن، الرئيس الأسبق لجهاز الأمن العام الإسرائيلي “الشاباك” من أن إسرائيل تواجه الآن تهديدا وجوديا عدّه الثالث بعد حربي 1948 و1973.
ورأى ديسكن في مقال بعنوان “على شفا حرب أهلية” أن إسرائيل “على وشك الانزلاق إلى سلسلة من الصراعات الداخلية العنيفة، والتي قد تؤدي إلى تفكك داخلي وربما حتى إلى حرب أهلية، والقيادة في معظمها عمياء ومنغمسة في ذاتها لأكثر من عقد من الزمان، والجمهور منقسم وغير مبال، في حين أن التهديد الوجودي يزداد سوءا، كما يقول المثل: (ترتفع درجة حرارة الماء باستمرار ويعتاد عليها الضفدع)”.
وكشف رئيس جهاز “الشاباك” الأسبق بأنه لم يكن “قلقا أبدا كما أنا الآن، لطالما كانت هناك أيديولوجيات ووجهات نظر مختلفة، وهي ضرورية. ولكن في العقد الثاني والثالث من القرن الحادي والعشرين اختفت الأيديولوجية بالكامل تقريبًا من (السياسة الإسرائيلية)، وحل مكانها الكراهية التي تغذيها المصالح الخاصة”.
وأشار ديسكن إلى أن الرابط بين اليمين واليسار واليهود والعرب والشرقيين والغربيين وبين المتدينين والعلمانيين “يذوب ويختفي، في غياب قاسم مشترك يتفكك (المجتمع الإسرائيلي) إلى قبائل وفصائل تُحدد هويتها أساسا على أساس كراهيتها للأحزاب أو الكتل الأخرى، وتؤدي هذه الكراهية إلى حوار صم اجتماعي وسياسي يقوده مستشارون إعلاميون وصحفيون نيابة عن الصم، خطاب الكراهية الضحل والمدمّر هذا أصبح ممكنًا بفضل القنوات الإعلامية التي تبحث عن نسب المشاهدة، ويتردد صداه ويتم تضخيمه في المستنقع النتن لشبكات التواصل الاجتماعي”.
وتحدث الرئيس الأسبق لجهاز الأمن العام الإسرائيلي عن ضعف و”فراغ حكومي” في إسرائيل أدى فيما أدى إلى “تدخل المنظمات الإجرامية التي تفرض إرهاب الخاوات على أجزاء كبيرة من البلاد وتسرع من سباق التسلح غير المشروع، والمنطقة تعج بالوسائل القتالية غير المشروعة على نطاق يشكل تهديدا للأمن القومي. يجب أن نعيد على الفور الحوكمة والنظام إلى النقب والجليل ومناطق خط التماس والمدن المختلطة”.
وفي الجانب الديمغرافي أيضا، لفت ديسكين إلى أن الطبقات التي تواجه صعوبات في الاندماج في الاقتصاد و”المجتمع الإسرائيلي” ستشكل بعد حوالي 3 عقود أكثر من نصف سكان “إسرائيل”، وأن ما يقرب من نصف طلاب الصف الأول اليوم هم من الحريديم والعرب!
وقال رئيس جهاز “الشاباك” الأسبق في هذا السياق: “لا يمكن أن تكون لنا دولة هنا إذا لم يتم دمج المواطنين العرب والمتدينين ويساهموا في المجتمع والاقتصاد، ومن المرجح أيضًا أن ذلك الجزء من الجمهور الذي يساهم في المجتمع والدولة، والذي ستنخفض نسبته بين السكان في العقود القادمة لن يكون مستعدًا لمواصلة تحمل العبء غير المعقول للضرائب والخدمة في الجيش، ومن المتوقع أن نشهد مغادرة للبلاد بشكل متزايد، حوالي (مليون إسرائيلي) يحملون جنسيات إضافية خاصة من أوروبا أو الولايات المتحدة”.
ورصد ديسكن أن “حوالي 20٪ من (مواطني إسرائيل) يعانون من التمثيل السياسي غير المناسب ومن العنصرية وانعدام المساواة وضعف البنية التحتية المدنية والجرائم الخطيرة للغاية، هؤلاء هم فلسطينيو الداخل، ولهؤلاء الحق في المساواة الكاملة، وعلى (إسرائيل) أن تلتزم بشكل مطلق بسد الفجوات الكبيرة في جميع المجالات”.
وتابع المسؤول الأمني الإسرائيلي الأسبق رسم الصورة القائمة قائلا: “أنا لست ساذجا، غالبية المواطنين العرب في إسرائيل لا يتحركون بدافع حب (الدولة اليهودية)، وأعضاء الحركة الإسلامية ((الجناح الشمالي المتطرف) والجناح الجنوبي الأكثر براغماتية / RAM)) سيستمرون في رؤية (إسرائيل) على أنها أرض وقف إسلامي وأنه يجب تحريرها، ورغم ذلك فإن معظم العرب يريدون بشدة الاندماج، وحتى التعايش الفاتر أفضل بعشرات المرات من الصراع المستمر”.
وحذر من أن “الاعتماد المفرط على القوة العسكرية، مهما كانت قوتها هو خطأ مفاهيمي خطير، يجب أن يكون لـ (إسرائيل) جيش قوي ونظام أمني قادر على التعامل مع التهديدات الفورية والاستراتيجية، ولكن حان الوقت لإدراك أن القوة الحقيقية لأي بلد مبنية على مزيج من القوة العسكرية الرادعة، والحصانة الاجتماعية الوطنية والقدرة الاقتصادية والتقدم العلمي، والشرعية السياسية، إذا لم نعززهم جميعًا في نفس الوقت فلن يكون لقوتنا العسكرية أي معنى”.
وتطرق رئيس جهاز ” الشاباك” الأسبق إلى الأوضاع في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، مشيرا إلى أن “الفساد في السلطة الفلسطينية خطير لا مثيل له، وكراهية الفلسطينيين للسلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية تحطم الأرقام القياسية. فقدت القيادة الفلسطينية بشكل شبه كامل شرعيتها العامة ما يمنعها من فرض النظام والأمن في مناطق السلطة الفلسطينية، نتيجة لذلك يتزايد العبء على عاتق (قوات الأمن الإسرائيلية) التي تضطر للتعامل مع بؤر الاضطرابات، وهذا يزيد من حدة الاحتكاك وينتج عنه عدد كبير نسبيًا من الضحايا مما يزيد من فرص اندلاع العنف وأجيال من الإرهاب، هذه هي دائرة الدم في أسوأ حالاتها”.
وأعرب عن اعتقاده أن المضي إلى إقامة دولة ثنائية القومية (إسرائيل) وفلسطين، قريبا سيكون لا رجعه عنه، مشددا على أن “هذه دولة مشوهة حيث يتمتع جزء من السكان فيها بحقوق أقل وبنظام قانوني منفصل، ضم ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون في واقع مستحيل في الضفة الغربية وقطاع غزة مع وجود أقلية عربية كبيرة مظلومة ومضطهدة في (إسرائيل)، قد يجعل الحياة في البلاد مستحيلة”.
في تعداده للمشاكل الاستراتيجية التي توجهها إسرائيل، توقف عند إحداها، ورأى أنها تكمت في الأجيال الجديد من المواطنين اليهود “حيث يركز معظم هذا الجيل أكثر على نفسه ويعيش يومه ولا يهتم بغير ذلك، ويشعر بالتهديد الوجودي على البلاد أقل، ورغبته في التجنيد أو خدمة البلاد وبالتأكيد في الخدمة القتالية في اتجاه تراجعي كبير، في مواجهة التحديات الهائلة التي ذكرتها، تصبح هذه مشكلة خطيرة، بين جميع المشاكل التي ذكرتها هناك علاقات متبادلة وثيقة، يمكن للجمع بينها أن يتدحرج بسرعة إلى صراعات عنيفة بين (الإسرائيليين) والفلسطينيين، بين اليهود والمواطنين العرب، وحتى بين اليهود واليهود، يمكن لأي صراع من هذا القبيل أن يشعل الصراعات الأخرى بسهولة أيضا، وقد يؤدي ذلك إلى تسارع التفكك الاجتماعي والقومي وحتى الحرب الأهلية”.