بقلم: د. هاني العقاد
لم يكن يتصور قادة الاحتلال ان جرائمهم بالضفة الغربية ستفتح على كيانهم نار جهنم ويدخلوا في حرب استنزاف قد لا يخرجوا منها بسهولة لان معادلة التفوق فيها لا تخضع للتفوق النوعي بالسلاح ولا لطائرات الاستطلاع والقوات الخاصة ولا تكنولوجيا الرصد والمتابعة وتجميع المعلومات ,وانما تخضع لقوة إرادة المواجهة التي يتمتع بها المقاتل الفلسطيني دون غيره، اليوم بدا ملاحظا ان قوة الإرادة القتالية والدفاع عن كرامة وشرف وعزة شعبنا الفلسطيني يعزز الإصرار على المواجهة الرادعة لصد هجمات وجرائم جيش الاحتلال ومستوطنيه كسبيل وحيد لوقف الاعدامات وهدم البيوت والاعتقالات ,تتجلى هذه المواجهة في عمل كل المجموعات الفدائية واهمها مجموعات (عرين الأسود) التي تمتلك أساليب نوعية غير مسبوقة في التخطيط والتنفيذ واختيار الأهداف والهجوم والانسحاب والتخفي ما من شانه ان يشكل حالة قلق وتحد لمنظومة كيان الاحتلال ومؤسساته الأمنية والعسكرية الاجرامية.
“عرين الأسود” التي تصاعدت عملياتها النوعية ضد الاحتلال بات يحسب لها ألف حساب والتي تعتبر ظاهرة غير عادية في وقت غير عادي، ويعتبرها الاحتلال منظمة إرهابية يجب ان تسحق لأنها لا تنجح في تنفيذ سلسلة من الهجمات الفدائية ضده وانما بدت تشكل عامل جذب لان يلتحق بصفوفها كثير من الشبان الفلسطينيين والواضح انها ستقود المقاومة ضد الاحتلال في الشارع الفلسطيني بالضفة الغربية من شمالها الي جنوبها في المرحلة القادمة. ما يرعب الاحتلال خشيته من انتقال عمليات (عرين الأسود) الى القدس ونشر مجموعات سرية لها في كافة احياء القدس وهي بالطبع مجموعات سرية لا يمكن لخبراء الامن في دولة الاحتلال تتبع خطها او هيكليتها التنظيمية حتى الان لأنها تعمل بلا قيادة ولا تتبع فصيلا فلسطينيا ما، مخططاتها من داخل رؤوس افرادها وتمويلها وتسليحها غير معروف لذلك فهي أقوى من كل التنظيمات التي لها قيادة يستطع الاحتلال تتبعها ويحلل فلسفتها النضالية.
كعادتها دولة الاحتلال لم تتعلم الدرس ويكاد يقضي (يائيرلابيد) رئيس وزرائها كسابقيه وقته في (الكرياه) يشارك كبار القادة الأمنيين قادة الموساد والشاباك والجيش في دولة الاحتلال البحث عن سبل للتعامل مع المستجدات في الضفة الغربية وخاصة تصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية التي بدت تتصاعد في وقت تخوض فيه دولة الاحتلال انتخابات مصيرية ,محور التركيز في نقاشهم كان حول إطلاق عملية عسكرية امنية واسعة النطاق في نابلس لتفكيك مجموعات (عرين الأسود )قبل تمددها واستمع لأبيد ووزير جيشه الى العديد من المقترحات ولم يتم تسريب أي معلومات عن ما تم اتخاذه من قرارات حتى الان , لكن (بيني غانتس) وزير جيش الاحتلال خرج بتصريح مهم وقال ” الجيش سيوسع نشاطه ونطاق عملياته العسكرية بقدر الضرورة وبجميع الوسائل ” هذا يعني ان هناك سيناريو لعملية عسكرية ضد رجال المقاومة بالضفة واهمها (عرين الأسود) في نابلس خاصة ان نابلس الان تخضع لحصار امني وعسكري مشددين ومعزولة تماما عن باقي مدن الضفة الغربية. واعتقد ان الاحتلال قد يكون اختار عملية سريعة وقصيرة ومركزة في نابلس خاصة تستخدم كدعاية انتخابية (ليائي لا بيد وبيني غانتس) اللذان يتعرضا لانتقادات واسعة من المعارضة.
يتجاهل الاحتلال ان (عرين الأسود) جاءت كنتاج طبيعي لتصعيد عملياته في الضفة الغربية وهي نتاج طبيعي كفعل مقاوم لصد وردع الاحتلال الذي يصر على استخدام القوة لمواجهة الفلسطينيين ويبدو ان الاحتلال لا يتعلم الدروس ولا يفهم حتى لو تكرر عشرات المرات لان لكل قائد مصالح خاصة في استخدام القوة ضد الفلسطينيين دون ان يعترف بان القوة العسكرية لن تحل الصراع ولن تديم الاحتلال والاستيطان, لا اعتقد ان قادة الاحتلال سيقتنعون يوما من الأيام ان أي عملية عسكرية وامنية ضد كتائب المقاومة المسلحة بالضفة الغربية لن يضعفها حتى لو استشهد معظم افرادها وقادتها ولن يقضي عليها تماما لذلك فان قادة الاحتلال يركبوا رؤوسهم ويعتقدون ان اخضاع الفلسطينيين بالقوة العسكرية لمخططات كيانهم المزعوم امر ممكن. قد لا يتصور قادة الاحتلال ان أعضاء (عرين الأسود) هم أبناء رجال مجموعات (الفهد الأسود ) و (النسر الأحمر) التي عملت في الانتفاضة الأولى ورجال (كتائب الأقصى ) الذين واجهوا الاحتلال بالبارود والنار في نابلس وجنين قبل وخلال عملية اجتياح نابلس وجنين التي اطلق عليها الاحتلال عملية (السور الواقي) عززت الالتفاف الشعبي والوطني حول خيار المقاومة الفلسطينية كخيار وحيد لدحر الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية ، يرفض قادة الاحتلال فهم ان (كتائب الأقصى) الحالية و(سرايا القدس) و(عريين الأسود) ما هي الا نماذج مصغرة مما سياتي إذا حاولت دولة الاحتلال تنفيذ عملية عسكرية في شمال الضفة ,وما هي الا مجموعات صغيرة من تلك التي ستكون بالمئات تقلب حياة المحتل الى جحيم ,وقد لا يتصور قادة الاحتلال انهم لن يستطيعوا احكام اغلاق بيوتهم ومستوطناتهم لان النار ستدخل معظم المدن والمستوطنات الإسرائيلية من الجنوب حتى اقصى الشمال .
(عرين الأسود تكرر الدرس من جديد لقادة الاحتلال بان المقاومة الفلسطينية لن تنتهي ولن تستلم ولن تسلم سلاحها لان وجودها مرتبط بالاحتلال وبإرهاب المستوطنين الذين يعملون تحت حماية جيشه ويتمادوا في عربدتهم بالمدن والقرى الفلسطينية وينفذوا اعتداءات وحشية بحق المدنيين الفلسطينيين، فكلما تصاعدت هجماتهم كان رد رجال المقاومة أقوى وهكذا تستمر المواجهة بلا توقف. امام هذه الحالة المتكررة من عدم فهم الدروس تستمر المواجهة مع الاحتلال منذ زمن حتى يفهم الاحتلال ان تنصله من الاتفاقيات الموقعة مع (م ت ف) تشكل وبالا على راس قادته ولن يحققوا مشروعهم العبري على ارض الضفة بالضم والتوسع والاستعمار، ليس امام قادة الاحتلال الا ان يستوعبوا هذه المرة الدرس ويختاروا الطريق الأقل تكلفة لإنهاء الصراع لان الإقرار بحقوق الفلسطينيين والقبول بإنهاء الاحتلال وصناعة السلام الحقيقي هو أقصر الطرق وأسلمها للجميع.