بالتزامن مع تنامي العلاقات التركية- الإسرائيلية، وزيادة ضغوط تل أبيب على أنقرة من أجل وقف تحركات ناشطي حماس على الأراضي التركية وإبعاد قادتها، زار وفد من الحركة العاصمة السورية دمشق، والتقى الرئيس السوري بشار الأسد لأول مرة منذ انطلاق الثورة السورية قبل أكثر من 10 سنوات.
إعادة حماس علاقاتها مع سوريا وتتويج ذلك بزيارة دمشق ولقاء الأسد، فتحت الباب واسعاً أمام التكهنات حول دوافع وأهداف هذه الخطوة التي تتشعب وتختلف، ولكن لا شك أن إعادة تطبيع العلاقات بين أنقرة وتل أبيب هي إحدى الدوافع والأسباب الرئيسية لهذا القرار، حيث تسعى الحركة لإيجاد بلد بديل يستضيف ناشطيها وقياداتها التي تتوقع في أي لحظة أنهم قد يضطرون لمغادرة الأراضي التركية لأسباب مختلفة.
وتضع حركة حماس في حساباتها سيناريوهات مختلفة لمتغيرات متسارعة شهدتها تركيا في الأشهر الماضية، أبرزها مسار تطبيع العلاقات بين أنقرة وتل أبيب والذي وصل إلى مراحل متقدمة عقب تبادل تعيين السفراء بين الجانبين، وتزايد الزيارات المتبادلة والتعاون في مجالات مختلفة، وهو التعاون الذي ما زالت تل أبيب تشترط تقدمه بخطوات تركية تلبي المطالب الإسرائيلية التي يعتبر أبرزها إنهاء نشاط وتواجد قادة حماس على الأراضي التركية.
ومع تزايد الضغوط الإسرائيلية، وحاجة تركيا المتزايدة لتعزيز التعاون مع إسرائيل، لا سيما فيما يتعلق بملف الغاز في شرق المتوسط، ومشاريع إنشاء خط لتصدير غاز المتوسط عبر الأراضي التركية، لا تستبعد حركة حماس أن تُقدم تركيا على قرارات من أجل التضييق على قادة الحركة وناشطيها، ونشاط الجمعيات المختلفة التي تقول إسرائيل إنها تمارس أنشطة واسعة وكبيرة على كافة الأصعدة سياسياً ومالياً واجتماعياً من الأراضي التركية وبحرية تامة.
من جانب آخر، تخشى حركة حماس من المتغيرات التي قد تفرضها نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي ستشهدها تركيا منتصف العام المقبل، والتي قد تجلب تغيرات كبيرة في التركيبة السياسية التركية، ويبقى سيناريو وصول المعارضة إلى الحكم في تركيا يحمل في طياته سيناريو منع حماس من ممارسة أي أنشطة من الأراضي التركية، وهو سيناريو يبقى قائماً، ويُعتقد أنه شكل عامل ضغط كبير على الحركة من أجل إيجاد بلد بديل يكون جاهزاً لاستضافة ناشطيها وقادتها في حال أجبروا أو قرروا مغادرة الأراضي التركية.
وعقب زيارته دمشق، نقلت وسائل إعلام عربية على لسان خليل الحية، رئيس وفد حماس الذي التقى بشار الأسد، قوله إن “تركيا وقطر شجّعتا حماس على إعادة علاقاتها مع سوريا”، وهي التصريحات التي لاقت تشكيكاً. وبينما نفت حماس بشكل قاطع أن يكون الحية قال ذلك عن قطر، لم يصدر نفي مباشر مماثل يتعلق بما أثير حول تركيا في هذا السياق.
ورغم عدم وجود تأكيد لهذه التصريحات، لا يبدو مستبعداً بشكل كبير أن تكون تركيا قد شجعت أو لم تعارض -بالحد الأدنى- توجه حماس للمصالحة مع النظام السوري، وذلك للانتقال إلى هناك وتخفيف “العبء الدبلوماسي الكبير” الذي يفرضه وجود الحركة على الحكومة التركية التي تسعى بقوة لتعزيز علاقاتها مع إسرائيل، ولا يُستبعد أن تتجه لتحسين علاقاتها مع النظام السوري على أعلى المستويات خلال الأشهر المقبلة.
ومؤخراً، تحدثت القائمة بأعمال السفارة الإسرائيلية في تركيا حول ما اعتبرتها التحديات التي تواجه العلاقات، قائلة إن “أكبر عقبة أمام التوجه الإيجابي الذي شوهد طوال العام هو وجود مكتب لحركة حماس في إسطنبول”، مضيفةً: “هناك الكثير من التحديات، ولكن من وجهة نظرنا، فإن من بين العقبات الرئيسية مكتب حماس في إسطنبول.. حماس منظمة إرهابية وليس سرا أن اسرائيل تتوقع من تركيا إغلاق هذا المكتب وترحيل الناشطين من هنا”.
وعملياً، يوجد لحركة حماس مكاتب في مدينة إسطنبول حيث يتواجد بشكل دائم عدد من كبار قيادات الحركة على رأسهم رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية، وقيادات أخرى بارزة، إلى جانب عدد من الناشطين والمكاتب التي تعمل في المجال الإنساني والجمعيات وغيرها من الهيئات التي تقول إسرائيل إنها تمارس أنشطة لصالح حماس على الأراضي التركية.
ولكن رسمياً، لا يوجد مكتب رسمي معلن تابع للحركة في تركيا، حيث تتواجد قيادات الحركة بشكل غير رسمي وتحت بند الإقامة المؤقتة أو السياحية، كما لا تمارس الحركة أي أنشطة علنية وليس لديها مكتب رسمي “مكتب تركيا أو مكتب إسطنبول” ولا تصدر بيانات أو تنطلق مؤتمرات صحافية من إسطنبول.
وخلال السنوات الأخيرة، شنت إسرائيل حملات سياسية وإعلامية واسعة اتهمت خلالها تركيا بإيواء قيادات وناشطين من حماس، والسماح للحركة بممارسة أنشطة مالية واسعة لتأمين احتياجاتها المالية، وصولاً لاتهام تركيا بإيواء ناشطين في الحركة يقودون أنشطة عسكرية ضد إسرائيل في القدس والضفة الغربية، وهي اتهامات نفتها حماس سابقاً وتمتنع تركيا عن التعليق عليها.
ومؤخراً، ادعت وسائل إعلام إسرائيلية في أكثر من مناسبة، أن تركيا طلبت من قيادات في حركة حماس مغادرة أراضيها، وهو ما لم تؤكده أو تنفيه مصادر فلسطينية أو تركية، إلا أن مصادر في حماس تحدثت سابقاً عن أن السلطات التركية طلبت من صالح العاروري القيادي البارز في الحركة، الحد من زياراته إلى تركيا، حيث تتهمه إسرائيل بقيادة نشاط عسكري من هناك، بينما لم تظهر أي خطوات تركية ضد قيادات الحركة الآخرين الذين لا زالوا يتواجدون بشكل شبه دائم في إسطنبول.