كتب: هاني عوكل
تماماً مثل توابع الزلازل المدمرة، من الصعب أن يتحسن الاقتصاد العالمي في ظل ظروف دولية وكوارث طبيعية وغير طبيعية تهدد مسيرة نموه، ومن المرجح أن يشهد العام المقبل 2023 موجة جديدة من الركود والتعثر الاقتصادي.
عوامل كثيرة تتحكم في تباطؤ النمو العالمي وارتفاع معدلات التضخم في معظم دول العالم، من بينها السياسات غير الحكيمة التي تتبعها الدول على المستويين السياسي والاقتصادي، وكذلك الحروب الإقليمية والدولية وآخرها ما يحدث في المربع الأوكراني.
الحرب الروسية على أوكرانيا بالتأكيد أثرت سلباً على الاقتصاد العالمي، سبقها تحديات تفشي فيروس “كورونا” وتوقف العديد من الصناعات وتعثر الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتأثر سلسلة الإمدادات العالمية، الأمر الذي أربك الأسواق مع رفع الأسعار والسلع الإنتاجية وتباين العرض والطلب.
العام الحالي 2022 شهد تضخماً كبيراً في اقتصادات الدول المتقدمة والنامية، وغلاء الأسعار ضغط كثيراً على الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، وعلى الرغم من القرارات الحكومية بشأن رفع أسعار الفائدة، إلا أن التضخم العالمي وصل إلى مستويات قياسية بلغت 8.8%.
صندوق النقد الدولي في تقرير حديث صدر هذا الشهر بخصوص التوقعات الاقتصادية العالمية، خفّض توقعاته للنمو ونوه إلى أن أكثر من ثلث الاقتصاد العالمي سيواجه ركوداً في العام الحالي أو المقبل، وأن الأسوأ لم يأت بعد.
بعد كل هذا السوء هل هناك من أسوأ؟ في تقديرات صندوق النقد الدولي أن أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم هي الولايات المتحدة الأميركية ومنطقة اليورو والصين ستستمر في التعثر، وإذا تعثرت هذه الاقتصادات فكيف هو الحال في الاقتصادات النامية؟
إذا “عطست” الولايات المتحدة والصين من المرجح أن يصاب العالم كله بالزكام، والسبب أن أهم الصناعات تتركز في هاتين الدولتين، والمؤسسات الاقتصادية الدولية تؤكد تباطؤ أقوى اقتصادين في العالم بسبب آثار جائحة “كورونا” وارتفاع أسعار الطاقة وتأثير كل ذلك على العرض والطلب.
من المتوقع أن تلجأ البنوك المركزية إلى رفع جديد لأسعار الفائدة حتى تكبح التضخم، لكن هذا الأثر لن يحدث سريعاً في العام المقبل ولن يتحقق التعافي المطلوب، لأن رفع الفائدة سيحتاج إلى وقت طويل حتى تتبلور معادلة التوازن بين العرض والطلب.
في العام 2020 استيقظ العالم على صدمة فيروس “كورونا”، وظل تحت الصدمة حتى هذه الأيام، وتبع ذلك في العام 2022 قرار روسيا خوض حرب ضد أوكرانيا، وهي حرب ليست بين بلدين وإنما في بعدها الحقيقي أقرب إلى الحرب العالمية.
وثمة تخوفات من حرب أخرى جديدة بين الولايات المتحدة والصين، سواء أكانت حرباً سياسية واقتصادية أم عسكرية، لكن بالتأكيد لها توابع ثقيلة ومقلقة على النظام الدولي، لأن واشنطن تشعر وتنظر بريبة إلى منافسة وصعود التنين الصيني.
إذا كان المواطن في الدول المتقدمة يندب حظه ويتباكى على تغول التضخم وغلاء الأسعار، وخلفه دولة قوية تقدم يد العون إذا تعثّر، فما هو الحال في اقتصادات الدول النامية وخصوصاً العربية، التي تترك المواطن يسرح مع قدره ويتورط في شؤونه الاقتصادية؟
الدول العربية من أكثر الاقتصادات تضرراً بحكم تبعيتها للاقتصادات المتقدمة ومحدودية الإنتاجية وارتفاع معدلات البطالة، وهي أكثر من سيتأثر بالركود والعجز الاقتصادي، مهما عمدت إلى رفع أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم.
تحت ضغوط “كورونا”، كان الأولى على الاقتصادات العربية أن تضع الخطط المستقبلية لبناء قاعدة إنتاجية وتحفيز الاستثمار المحلي في صناعات واعدة والاستفادة المثلى من الموارد الطبيعية للنهوض بكافة القطاعات الإنتاجية.
ما يحصل عكس ذلك بالنسبة للكثير من هذه الدول التي تلجأ إلى بيع القطاع العام وخصخصة أهم الصناعات التي شكلت ركيزة التنمية، والنتيجة أن فرص التوظيف تقل والبطالة تتزايد ويتآكل الاقتصاد المحلي ومعه تتآكل قيمة العملة النقدية.
العالم مقبل في العام 2023 على ركود اقتصادي صعب مع تواصل الحرب الروسية على أوكرانيا ومعركة رفع أسعار المشتقات البترولية وكذلك المواد التموينية، ويمكن للدول العربية أن تواجه التضخم باعتماد سياسات جمعية تركز على تنمية وتطوير الصناعات المحلية والبينية.
العالم العربي يمتلك الكثير من الإمكانات والفرص الواعدة، يمتلك الخبرات والأموال، لكنه يفتقد إلى أهم عامل وهو الإرادة السياسية والاقتصادية، ومتى تحققت هاتان الإرادتان سيلحظ المواطن النتائج في سلوكه اليومي وأسلوب حياته.
المواطن العربي لا يحتمل الصدمات الكثيرة المتتابعة، في الوقت الذي يدرك أن العجز الحقيقي لا يكمن فيه وإنما في السياسات الحكومية الخاطئة، والأولى أن يفكر صُنّاع القرار في احتياجات هذا المواطن حتى لا ينفجر مثل القنبلة الموقوتة.
المقبل إن لم يكن أسوأ فعلى الأغلب أنه بدرجة السوء الحالية، والمطلوب خطط تنموية تحفز الاقتصادات العربية على النهوض وتجعلها اقتصادات مستقرة وغير تابعة، لأن أي اهتزاز عالمي في الأسواق لن يكون له ذلك الأثر الكبير على الاقتصادات العربية إن كانت صناعاتها “ماكنة” ومستقلة.