نشرت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين النص الكامل لمبادرتها الوطنية، التي قدمتها إلى فصائل وفعاليات العمل الوطني والمجتمع المدني، كما قدمتها إلى الحوار الوطني في الجزائر، لإنهاء الانقسام، وتغليب المصلحة الوطنية العليا على المصالح الفئوية والحزبية والفصائلية الضيقة.
وفيما يلي نص المبادرة:”
مبادرة مقدمة من الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
إلى جميع القوى الوطنية الفلسطينية
“من أجل إنهاء الإنقسام وإستعادة الوحدة”
أيها الأخوة/ات والرفاق/ات
تحية الوحدة والنضال المشترك
بينما تتصاعد المقاومة البطولية لشعبنا الفلسطيني ضد الاحتلال بأشكالها المختلفة، وهو نهوض يتواصل رغم افتقاده للغطاء السياسي المتمثل ببرنامج مشترك وقيادة موحدة، يتعذر قطف ثمار هذه المقاومة، وتحويل انجازاتها الميدانية إلى نتائج سياسية لصالح شعبنا الفلسطيني، بفعل الانقسام الذي يزداد تفاقماً في الصف الوطني، لا بل يجري تبديد انجازات المقاومة بتحويلها إلى سلاح في الصراع الداخلي على السلطة والنفوذ والزعامة الوطنية، وبتصعيد القمع السلطوي الهادف إلى كبح هذه المحاولات، ما يؤدي إلى تعميق الانقسام وسيادة حالة التشظي في الساحة السياسية الفلسطينية وتكريس الهيمنة والتفرد. ويزيد في ترسيخ هذه الحالة عدم الإلتزام بتنفيذ قرارات الإجماع الوطني بشأن الخروج من مسار أوسلو، بالرغم من التلويح اللفظي بها والذي باتت تتآكل مصداقيته في أعين الشعب، كما في أعين المجتمع الدولي.
في المقابل، يستفحل تغول الاحتلال في نهب الأرض وتوسيع الإستيطان وتهويد القدس وتشديد الحصار وقمع المواطنين، ويتضح أكثر فأكثر أن آفاق التوصل إلى حل سياسي ينهي الاحتلال أصبحت بعيدة المنال. فالحكومة الإسرائيلية الحالية مجمعة على استبعاد أية مفاوضات مع الجانب الفلسطيني، فضلاً عن رفضها قيام دولة فلسطين، ناهيك عن حق العودة وسائر الحقوق الوطنية، وهي عملياً تتبنى مقاربة “تقليص الصراع” التي تعني الإستعاضة عن الحل السياسي بتسهيلات إقتصادية ومعيشية مقابل حفظ أمن الاحتلال. والإدارة الأمريكية، رغم إستئنافها الادعاء اللفظي بتبني “حل الدولتين”، إنما تستبعد عن جدول أعمالها أي جهد سياسي لحل الصراع على قاعدة تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وتكتفي بالسعي إلى “إجراءات بناء الثقة” التي هي الترجمة الأمريكية لمقاربة “تقليص الصراع”، إلى جانب سعي هذه الإدارة لإستحثاث عملية “التطبيع” مع المحيط الإقليمي.
أيها الأخوة/ات والرفاق/ات
إزاء خطورة هذه التحديات، فقد آن الأوان لوضع حد لحالة الدمار والتشرذم الداخلي التي باتت تشارف الانتحار الذاتي وتستنزف طاقات الكل الوطني وتمكن العدو من تعزيز مواقعه باللعب على التناقضات بين أبناء الشعب الواحد. إننا نطلق هذا النداء من أعماق قلوبنا ونناشد الجميع تغليب التناقض الرئيسي مع العدو المحتل وإعلاء المصلحة الوطنية العليا فوق كل اعتبار. ولكننا، في الوقت نفسه، ندرك أن أي حل لإنهاء الانقسام، كي يكون واقعياً وقابلاً للتنفيذ، لا بد أن يكون متوازناً وأن يأخذ بعين الاعتبار مواقف الأطراف المختلفة والتوفيق بينها.
إنطلاقاً من ذلك ندعو إلى الوقف الفوري للتراشق الإعلامي بين طرفي الصراع الداخلي، ووقف ممارسات القمع والاعتقال السياسي، تمهيداً للمباشرة في حوار وطني شامل يضم جميع القوى الموقعة على اتفاقيات المصالحة إلى جانب كفاءات وطنية وشبابية ونسائية مستقلة وازنة ومتفق عليها. إن تبادل النقد السياسي الموضوعي بين أطراف الحالة الوطنية يبقى ضرورياً، إذ يشكل وسيلة لتعميم الحوار الوطني بحيث يتجاوز جدران الغرف المغلقة ويشرك عموم جماهير الشعب، وهو لذلك يظل أمراً مشروعاً ولكن بشرط أن يبتعد عن خطاب الكراهية وعن لغة الاتهام والتخوين.
إن رؤيتنا هذه تنطلق من قناعة راسخة بأن الأساس للخروج من الأزمة والمدخل الضروري للخلاص النهائي من آفة الانقسام والتفرد، وبناء الوحدة الوطنية على أساس من الشراكة الديمقراطية، هو إجراء انتخابات عامة حرة ونزيهة وشاملة لمؤسسات السلطة وم.ت.ف كافة: المجلس التشريعي، الرئاسة، والمجلس الوطني، وفق نظام التمثيل النسبي الكامل، وضمان احترام الجميع لنتائجها. ان الانتخابات حق ديمقراطي للمواطن، في الوطن والشتات، جرت مصادرته على مدى سنوات وآن الأوان لكي يعاد إلى أصحابه،فالانتخابات هي الضمان لتأسيس الوحدة الوطنية على قاعدة متينة تتمثل بإرادة الشعب الذي هو مصدر الشرعية، كما أنها هي السبيل لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني وتجديد البنى المتكلسة لمؤسساتنا الوطنية كافة وضخ الدماء اليافعة في عروقها وتعزيز تمثيل الشباب والمرأة في تشكيلها. لذلك فإن تجديد التزام الجميع بضرورة إجراء الانتخابات العامة ينبغي أن يكون نقطة الانطلاق في الحوار الوطني الشامل.
ولكن التجربة السابقة تعلمنا أنه لحين توفر الشروط لإجراء الانتخابات في سياق يسمح بأداء وظائفها تلك، ومن أجل أن تتوفر هذه الشروط، لا بد من مرحلة انتقالية نتجاوز بها حال الانقسام والتشظي الراهنة ونرسي الأساس لعملية إعادة البناء الشاملة عبر الانتخابات.ولتحديد معالم هذه المرحلة الانتقالية تقترح الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين أن يصار، على طاولة الحوار الوطني الشامل، إلى التوافق على خطة وطنية متكاملة تترجم إلى خطوات مجدولة زمنياً تنفذ بما يضمن التوازي والتزامن في التحرك على مسارين متداخلين:مسار ضمان التمثيل الشامل والشراكة الوطنية في كافة مؤسسات م.ت.ف، ومسار إنهاء الانقسام في مؤسسات السلطة الفلسطينية.
أولا: مسار التمثيل الشامل وضمان الشراكة الوطنية في كافة مؤسسات م.ت.ف.
في المرحلة الإنتقالية، يعقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير دورة استثنائية، بصفته مخولاً بصلاحيات المجلس الوطني وفقاً لقرار دورته الثالثة والعشرين لعام 2018، يتم فيها اعتماد حركتي حماس والجهاد الاسلامي كفصائل في م.ت.ف، ويتم تمثيلهما بشكل منصف في عضويته وفقاً للمعايير المتعارف عليها.
ينتخب المجلس المركزي لجنة تنفيذية تجسد التوافق الوطني، وتمارس دورها كمرجعية قيادية موحدة للشعب الفلسطيني خلال المرحلة الانتقالية. وتضع اللجنة التنفيذية نظاماً ملزماً لعقد اجتماعاتها، واتخاذ قراراتها، وتفعيل دوائرها. وتلتزم جميع الأطراف باحترام هذا النظام.
ثانيا: مسار إنهاء الانقسام في مؤسسات السلطة الفلسطينية
تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كفاءات من مختلف القوى السياسية الفاعلة الراغبة في ذلك إلى جانب شخصيات مستقلة، ويقوم برنامجها على قرارات الإجماع الوطني التي تشكل فحوى برنامج م.ت.ف، وبخاصة وثيقة الوفاق الوطني وقرارات المجلسين الوطني والمركزي ومخرجات اجتماع الأمناء العامين في 3/9/2020. إن هذه الوثائق والقرارات تحتوي من العناصر ما يمكن الحكومة العتيدة من تجاوز محاولات الحصار والمقاطعة التي قد تلجأ إليها بعض الأطراف، وهو أمر تتطلب المصلحة الوطنية أن نكون جميعاً حريصين عليه كي تتمكن الحكومة من أداء وظائفها.
تمارس الحكومة فوراً صلاحياتها الكاملة المخولة بها وفقاً للقانون في جميع محافظات الضفة الفلسطينية وقطاع غزة دون عرقلة او تدخل من أي طرف سياسي.
تجدد جميع الأطراف التزامها بتنفيذ الاتفاقات السابقة بشأن حل قضايا الموظفين، وتوحيد الأجهزة الأمنية، والجهاز القضائي، وصون الحريات، والمصالحة المجتمعية، وتوحيد السياسات الضريبية، على أن يتم تشكيل لجنة تحكيم من شخصيات وطنية غير منحازة ومتفق عليها، تخول بالإشراف على عملية تنفيذ هذه الاتفاقات والبت بأية خلافات قد تنشأ في هذا السياق. وتلتزم جميع القوى بقبول الأحكام والقرارات الصادرة عن اللجنة وتسهيل تنفيذها.
تتشكل قوة أمنية مؤقتة، يتفق على ملاكاتها بالأسماء، تتولى تأمين المعابر والمقرات الحكومية في قطاع غزة لحين تشكيل القوة الأمنية المشتركة المنصوص عليها في اتفاقات المصالحة.
ثالثاً: الانتخابات التشريعية والرئاسية واستكمال تشكيل المجلس الوطني الجديد
يتم، على طاولة الحوار الوطني الشامل، الاتفاق مسبقاً على السقف الزمني لانتهاء المرحلة الانتقالية بما لا يتجاوز نهاية عام 2022، وعلى المواعيد المحددة لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وكيفية تجاوز العقبات التي قد تبرز في هذا السياق، بما في ذلك كيفية إجراء الانتخابات في القدس العاصمة. كما يتم الاتفاق على استكمال تشكيل المجلس الوطني الجديد بالانتخاب حيث أمكن، وبالتوافق حيث يتعذر الانتخاب، بسقف زمني لا يتجاوز الأربعة شهور بعد موعد انجاز الانتخابات التشريعية والرئاسية. وتعتمد الأسس التالية في تشكيل المجلس الوطني الجديد:
أ) يعتبر أعضاء المجلس التشريعي المنتخب (132 عضواً) أعضاء طبيعيين في المجلس الوطني، ويستكمل العدد المخصص لتمثيل الضفة الفلسطينية، بما فيها القدس، وقطاع غزة في المجلس الوطني بالتوافق على لائحة أسماء تشمل، إلى جانب شخصيات أخرى، ممثلين عن القوى غير الممثلة في المجلس التشريعي المنتخب، ويصادق المجلس المنتخب على ضمها لعضويته.
ب) تحدد اللجنة التنفيذية بصيغتها الجديدة وهيئة رئاسة المجلس معا، الأقاليم التي يمكن إجراء الانتخابات فيها وعدد المقاعد المخصصة لها، وتجري الانتخابات فيها وفقاً للنظام الانتخابي القائم على التمثيل النسبي الكامل الذي تمت صياغته بمشاركة جميع القوى وصادقت عليه اللجنة التنفيذية.
ج) يتم التوافق على نسب تمثيل الأقاليم التي يتعذر إجراء الانتخابات فيها، وأسماء ممثليها، وكذلك على نسب تمثيل الاتحادات الشعبية. ويصادق المجلس المنتخب على هذه الأسماء في أولى دورات انعقاده.
د) يراعى في جميع مراحل تشكيل المجلس احترام النسبة المحددة لتمثيل المرأة والبالغة 30%.
يستكمل الحوار الوطني الشامل تنفيذ مخرجات اجتماع الأمناء العامين في 3/9/2020 بشأن صوغ واعتماد إستراتيجية كفاحية جديدة بديلة لمسار أوسلو وتشكيل القيادة الوطنية الموحدة للنهوض بالمقاومة الشعبية وصولاً إلى الانتفاضة الشاملة والعصيان الوطني حتى دحر الاحتلال وانجاز استقلال دولة فلسطين بعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، وصون حق اللاجئين في العودة إلى الديار والممتلكات التي هجروا منها منذ العام 1948.
أيها الأخوة/ات والرفاق/ات
نضع بين أيديكم هذه المقترحات وكلنا أمل أن تساهم في شق طريق للخروج من المأزق الاستراتيجي الذي زجت فيه حركتنا الوطنية. ونتوجه بتحية الاعتزاز لكم ولجماهير شعبنا المقاوم في كل مكان، ونحن نعبر إلى العام الثامن والخمسين من مسيرة ثورتنا المعاصرة، فننحني بخشوع أمام أرواح الشهداء الاماجد، وعذابات الجرحى والأسرى الأبطال، مؤكدين ثقتنا أن النصر قادم مهما عظمت التحديات.”