المقاومة في الضفة تحدي استراتيجي لإسرائيل/ مصطفى إبراهيم
على ضوء استمرار المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، (جنين ونابلس)، وفشل الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية في وضع حد للمقاومة المتدحرجة، وباتت تشكل واقعاً وتحدياً استراتيجيا. وما تتناوله وسائل الاعلام الإسرائيلية حول طبيعة خلايا المقاومة، وأنها عفوية وليست منظمة وغير معروفة.
ومع ذلك يعتبر عدد من الباحثين والمحللين العسكريين والأمنيين الإسرائيليين، أن المقاومة المستمرة هي ليست التهديد الأكثر خطورة حتى الآن، وهي محدودة مقارنة بدورات المقاومة العسكرية السابقة، وعلى الرغم من الحاضنة الشعبية لها، إلا أنها لم تصبح انتفاضة جماهيرية يشارك فيها غالبية من الفلسطينيين حتى الآن.
وفي إطار نفس المقاربة بين ما تشهده المقاومة الحالية والتهديد الذي تشكله ضد إسرائيل، يبقى محدود مقارنة بالتحدي أو التهديد الذي تشكله البنى التحتية المؤسسية لحركتي حماس والجهاد، والتي شاركتا خلال الانتفاضة الثانية.
ووفقا للمحللين فإن هناك ارتباط وثيق بين التهديدين، فكلما توسعت الخلايا غير المؤسسية في أنشطتها كلما تعمقت المساحة التي تستغلها حماس لإنشاء بنى تحتية.
وأن خلية “عرين الأسود” في نابلس التي تضم مئات المقاومين من نابلس، بحسب محللين أمنيين وعسكريين إسرائيليين وما يتم نشره فلسطينياً، حول هوية هؤلاء الشباب “عرين الأسود”، في نابلس، و”كتيبة جنين”، في جنين ومخيمها، وأن معظمهم من الجيل الجديد في الساحة الفلسطينية. وولدوا مع انتفاضة الأقصى في العام 2000، ويعتبروا امتداد لإبائهم اللذين قادوا أو شاركوا في الانتفاضة الثانية.
وينتمي معظمهم إلى الطبقة المتوسطة الدنيا، وعدد قليل منهم منخرطًا في الدراسات الأكاديمية أو كان لديه وظائف دائمة. ويُفترض أن معظمهم مرتبط بفتح، ولكن من الناحية العملية، فإن ارتباطهم بتنظيم الحركة ضعيف، إن كان موجودا على الإطلاق، بل ويفخر بعضهم بعدم أي صلة له بأي فصيل، وبالتأكيد ليس بالسلطة التي وصفها سلمان عمران، الذي اعتقلته قوات الجيش الاسرائيلي الأسبوع الماضي، بـ “الاحتلال الثاني”.
هؤلاء يمثلون الجيل الفلسطيني الشاب الذي يمقت المؤسسات الفلسطينية القديمة والمتآكلة، والسياسة الفلسطينية القائمة، ويطمح إلى نشاط مستقل، غالبًا بدون أيديولوجية متماسكة، “عرين الأسد” على سبيل المثال تعكس مزيجًا من الشعارات الدينية والوطنية. وهم لا ينتمون لفتح ولا لحماس. وعدد كبير منهم “مزيج” بين الفصائل المختلفة، بعض منهم هم أبناء ضباط في الاجهزة الأمنية الفلسطينية، وتربى وكبر معظمهم على قصص أقارب أو مطاردين استشهدوا خلال السنوات الماضية في عمليات عسكرية مع الجيش الإسرائيلي.
وهم امتداد لانتفاضة السكاكين في العام 2015، وهذه من المخاطر التي تعيشها إسرائيل اليوم وما جرى قبل 7 سنوات، ومن كانوا في ذلك الوقت يحملون السكاكين، هم اليوم يحملون بالأسلحة النارية، ومثل سابقيهم يعملون في مجموعات صغيرة أو بمفردهم، دون الانتماء إلى أي فصيل أو حركة عسكرية.
ولديهم انفصال عميق عن أي مصدر من السلطة، أو حتى برئاسة السلطة الفلسطينية. وهم يحملون فكرة توريط مؤسسات السلطة عن طريق دفعها إلى المواجهة مع الاحتلال والمقاومة. وهذا مقدمة ومؤشر لضعف السلطة الفلسطينية التي تعيش حالة الاغتراب العام تجاه المقاومة وما يجري في الضفة الغربية، إضافة إلى وضع فتح وعدم قدرتها على الخروج من أزمتها، وبحث قيادتها في مسألة ما بعد الرئيس.
تدرك إسرائيل أن ما يجري في شمال الضفة الغربية أنه تحدي أمني وواقعا استراتيجياً أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، وتخشى من ترسيخ المقاومة المسلحة جذورها في الضفة، لذا هي تمارس الضغط على السلطة للعمل ضد المقاومين، وفرض سيطرتها كما هو الحال في وسط وجنوب الضفة.
لكن في الوقت نفسه، نفوض السلطة وتدفعها للعمل كوكيل أمني، وتوسيع الاستيطان وترسيخه، وارتكاب الجرائم بالقتل اليومي، ومقابل ذلك مستمرة في ما يسمى دعم وتقوية السلطة اقتصادياً، بدون أي أفق سياسي، والتنكر للحقوق الفلسطينية.
تحاول إسرائيل إزاحة القضية الفلسطينية عن جدول الأعمال الداخلي والدولي، حتى ما تسمى حكومة التغيير الانتقالية، و(التي لا يزال بعض الفلسطينيين يعولون عليها بتقديم شيء ما يمد في عمرهم)، مستمرة في ممارسة الإرهاب، وفي الوقت نفسه الترويج لشعار حل الدولتين من أجل تبيض صورة إسرائيل دولياً، والسير في تسويق السلام الاقتصادي وإدارة الصراع، وتطالب الفلسطينيين بعدم المقاومة.