يتحدث المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازاريني، في مقابلة مع “العربي الجديد” في نيويورك، عن الدور الذي تقوم به الوكالة، ويتطرق إلى قضية اللاجئين والدور الذي يجب أن تلعبه الدول العربية في هذا السياق، كما إلى اتفاقيات “أبراهام” (التطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب) وتأثيراتها.
وكان لازاريني قد عقد على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعاً على مستوى وزراء الخارجية، باستضافة السويد والأردن، لمناقشة عدد من الأمور المتعلقة بالوكالة، من بينها تحديات تمويلها، ويتحدث لـ”العربي الجديد” عن طرق تمويل الوكالة واستدامته والتحديات التي تواجهها.
* في المؤتمر الصحافي الذي عقدته على هامش اجتماعات الجمعية العامة رفيعة المستوى في نيويورك، بدا أن لديك تفاؤلاً حذراً في ما يخص إيجاد تمويل مستدام للوكالة بعد عقد من التحديات المادية. هل لك أن تشرح؟
شكّلت الأزمة المالية التي واجهتها أونروا في العقد الأخير تهديداً وجودياً للوكالة. لماذا؟ يُطلب منا توفير الخدمات العامة لملايين اللاجئين الفلسطينيين، (مثلاً) المدارس لنصف مليون فتاة وشاب في جميع أنحاء المنطقة، والرعاية الصحية الأساسية لأكثر من مليوني لاجئ فلسطيني، والحماية، وشبكة الأمان الاجتماعي، والمساعدة النقدية، والمساعدات الغذائية، وتحسين أوضاع المخيمات وما إلى ذلك. لكن في الوقت نفسه، نعتمد كلياً على المساهمات الطوعية (للدول الأعضاء في الأمم المتحدة).
رأينا في العقد الأخير أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لم يعد على رأس سلم الأولويات الدولية
رأينا في العقد الأخير أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لم يعد على رأس سلم الأولويات (الدولية)، تضاءل الاهتمام بأونروا أيضاً، ما أدى إلى خفض مواردنا، في وقت ازدادت فيه الاحتياجات والتوقعات، حيث تشهد المنطقة أزمات متعددة. واجهنا تحديات كثيرة للاستمرار في تقديم خدماتنا. وتفاقم اليأس والضيق في بيئة يغيب عنها أفق سياسي. وتنامى الشعور (لدى الفلسطينيين) بأن المجتمع الدولي يتخلى عنهم، وأي ضعف شعرنا به في أونروا (التمويل) بدا كبرهان إضافي على أن المجتمع الدولي يدير ظهره لهم. وهذا هو سياق الأزمة التي نواجهها.
واجتماعنا في نيويورك لم يأت فقط لمساعدة الوكالة في التغلب على أزمة ميزانيتها، لأننا على أي حال، نحتاج إلى المال لمواصلة تقديم خدماتنا، ولكن أيضاً لمناقشة سبل يمكن من خلالها (ضمان) ديمومته.
وحاولنا أيضاً لفت الانتباه إلى أن الدعم الذي يتم إعلانه كل بضع سنوات للتفويض وتمديده، (تصوت الجمعية العامة على تجديد التفويض لأونروا كل ثلاث سنوات) يحتاج إلى أن يترجم فعلياً في الموارد. لم يعد كافياً التعبير عن الدعم من دون تقديم الموارد (المادية)، إذ يصبح من المستحيل تنفيذ التفويض الممنوح لنا. وهدفنا كان ترجمة الإرادة السياسية بدعم بالموارد. وشعرت بأن هناك زخماً جديداً، ومعظم المداخلات شددت على دعمها والعواقب المحتملة إن لم تتمكن الوكالة من تقديم خدماتها.
* في إحدى المقابلات معك قلت إن المنظمة تقدّم خدمات حكومية، ولكنها تُموَّل كـ”منظمة غير حكومية” على الرغم من أنها تابعة للأمم المتحدة. تفاؤلك الحذر بعد اجتماعات نيويورك، هل سيترجم إلى خلق نموذج مالي يقلل اعتماد الوكالة على المساهمات الطوعية؟
هذا ما آمله. ولن نوفر جهداً للبحث عن طرق جديدة ومبتكرة لضمان الاستدامة المالية للمؤسسة. الآن، في الاجتماع، شددنا على ضرورة تقاسم العبء المالي للمنظمة. وربما سمعتني عندما ذهبت إلى القاهرة، وأخبرت الدول العربية بأنه يتعيّن عليها زيادة حصتها (في تمويل الوكالة).
في عام 2021، سجلنا أقل مساهمة (لدول) عربية على الإطلاق في ميزانية الوكالة. وهذا لا يمر من دون أن يلاحظه الفلسطينيون عموماً واللاجئون خصوصاً. تقاسم العبء المادي أمر ضروري، وهو تعبير عن تضامن من دول المنطقة يذهب أبعد من مجرد التجديد لتفويض الوكالة. وهذا ليس الوقت لغض النظر.
في تقرير للأمين العام للأمم المتحدة صادر عام 2017، كلفت مجموعة بتقديم أفكار مبتكرة وتحدثوا عن إمكانية زيادة مساهمة المساعدات (ميزانية)، أو على الأقل التأكد من أنه إذا طُلب منا تقديم الخدمات، يجب أن تكون هناك ميزانية. عندما قلت، لقد طُلب منا العمل كحكومة، ولكننا ممولون مثل منظمة غير حكومية، وذلك لأنه لا توجد ميزانية مخصصة للوكالة، ونعتمد كلياً على المساهمات الطوعية.
في عام 2021، سجلنا أقل مساهمة لدول عربية على الإطلاق في ميزانية الوكالة
وكذلك علينا أن ننظر إلى الإمكانيات المتاحة مع “مؤسسة التمويل الدولية”، لأن الدول نفسها التي تدعم تجديد التفويض لأونروا لتقديم خدماتها، أعضاء في مجلس إدارة المؤسسة. والسؤال هنا هو حول ما إذا كانت هناك أدوات لم نستكشفها بعد، ويمكن أن تكون متاحة للوكالة؟ وفي اجتماع نيويورك لم يطلب منا أحد الاستمرار في تقليص أنشطتنا، حيث لم يعد هناك ما يمكن تقليصه. إذا قمت بخفض أكبر (لما تم بالسنوات الأخيرة)، فسيعني هذا خفض نطاق الخدمات وعوائدها على المجتمع، وسيُنظر إليه كبداية لتفكيك الوكالة.
* بالعودة إلى قضية الدول العربية، وعدم تقديمها ما يكفي من الدعم المادي لأونروا في السنوات الأخيرة، هل لديك أي تقديرات عن السبب؟
خلال اجتماعاتي في القاهرة (جامعة الدول العربية) لفت الانتباه إلى أنه عندما بدأنا نلاحظ ظهور بعض الديناميكيات السياسية الإقليمية الجديدة في المنطقة (اتفاقيات أبراهام)، تم التأكيد لي (في حينه) أن ذلك لن يؤثر على دعم أونروا واللاجئين الفلسطينيين. وقلت (في القاهرة) إنه بالنظر إلى الحقائق تتكشف لنا قصة مختلفة.
لاحظنا أن بعض المساهمات انخفضت بشكل كبير، اعتباراً من عام 2020، أي فترة توقيع اتفاقيات “أبراهام”. وفي اعتقادي يجب ألا يكون هناك تناقض بين التوقيع على اتفاقيات ودعم أونروا، كوكالة متعددة الأطراف، وللاجئين الفلسطينيين، وتجاه المحنة (الفلسطينية)، إلى أن يكون هناك حل دائم وعادل. ولكن هذا ما لاحظناه.
وبعض التصريحات خلال الاجتماع تجعلني أشعر بأننا قد نرى بعض التطورات الإيجابية في المستقبل القريب. الدول العربية كانت تاريخياً شريكاً لنا، ولا أرى أي سبب لأن يتخلوا عن تلك الشراكة. من المهم جداً أن يكونوا معنا.
طفل أمام مكتب الأونروا في غزة- Getty
تقارير عربية
اجتماع دولي لحشد الدعم لـ”الأونروا”: تعثر عملها يهدد استقرار المنطقة
* إضافة إلى تحديات التمويل، أي تحديات ومخاطر أخرى تواجهها أونروا؟
كل شيء يعود إلى التمويل. وأعتقد أن الخطر الرئيسي هو اللامبالاة. والخطر الرئيسي ألا يكون هناك استثمار في عملية السلام، ووضع يغيب فيه الأمل أو هدف لشعوب المنطقة. لذا، سأصف هذا بأنه أحد التحديات الرئيسية التي تواجه الوكالة. الأمر يتعلق أكثر بالحق المستقبلي للاجئين الفلسطينيين ودعمهم في محنتهم ومعالجتها. لذا فإن الخطر الرئيسي بالفعل اللامبالاة وترك الأشياء تنهار.
جزء من تحدياتنا المالية هو من جراء لامبالاة القوى السياسية. وأهمية اجتماع نيويورك تكمن في هدفه في إعادة التركيز، وجذب الانتباه والوعي بأنه إذا توقفنا عن دعم الوكالة، وفي ظل غياب أي بديل (سياسي) حالياً، فإننا نجازف بخلق فراغ جديد، في منطقة مثل هذه، وهو بلا شك ليس شيئاً يرغب فيه أي منا.
* هل تعتقد أن هذه الأزمات المالية التي واجهتها أونروا كانت سياسية ومتعمدة لإضعاف الوكالة “وقتلها”، وقتل قضية اللاجئين الفلسطينيين معها بطريقة أو أخرى؟
لا أعتقد هذا، على الأقل الآن في عام 2022. قد تختلف القراءة في فترة أخرى. لكن اليوم، لا أعتقد أن أي شخص لديه أجندة لإضعاف الوكالة مالياً إلى الحد الذي يؤدي عمداً إلى إضعاف حق اللاجئين الفلسطينيين. لكنني أعتقد أننا اليوم في خضم سياق أوسع، لم يعد يعطي الاهتمام الكافي لأطول نزاع لم يحل بعد. وأعتقد هذا ما نمر به.
* كيف أثرت الأزمات المختلفة، الحرب الأوكرانية، الوباء، الحرب في سورية، أزمات لبنان، وغيرها على عملكم؟
لا شك في أنها تؤثر على الأشخاص الذين نقدّم لهم الخدمات. الوباء والأزمة الاقتصادية، وحتى مجرد ارتفاع أسعار المواد الغذائية وأسعار الوقود، وهذا كله في سياق (مخيمات لاجئين) حيث آفاق مستقبل الشباب ضيقة، وفي سياق بلدان اقتصاداتها متزعزعة، في أحسن الأحوال، أو انهارت كما في لبنان، حيث ارتفعت معدلات البطالة بين الشباب بشكل كبير. كل هذا ساهم في تفاقم اليأس وفقدان الأمل.
لا أعتقد أن أي شخص لديه أجندة لإضعاف الوكالة مالياً إلى الحد الذي يؤدي عمداً إلى إضعاف حق اللاجئين الفلسطينيين
وأحياناً هذا الضيق، لأنه من ناحية يُنظر لأونروا وهي في الواقع شريان الحياة (الوحيد) للاجئين الفلسطينيين، ولكنها في الوقت ذاته تبلور أو ترمز لوجود المجتمع الدولي (في المخيمات) شاهداً على محنتهم، يتحول إلى غضب، وهذا الغضب ينقلب على الموظفين والمنظمة. وهذا ما نشهده للأسف في بعض الأماكن في المنطقة. الأمر الذي يجعل الأمور أكثر صعوبة حالياً.
وعن تأثير الحرب الأوكرانية على الحياة اليومية، فإننا نرى تبعات ذلك في ما يخص التضخم وارتفاع الأسعار، وصراع الناس اليومي. يتعيّن على الناس التأكد من أن لديهم الحد الأدنى من الدعم للغذاء. ولكن (الحرب) أثرت على سخاء المجتمع الدولي. لا نعرف مدى ذلك، ولكن عند نشوب أزمات دولية كبيرة، توجه الموارد المتاحة نحو تلك الأزمة.
من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان هذا سيؤثر على التمويل الإضافي الذي نتلقاه عادةً في نهاية العام. سنعرف أكثر بداية العام المقبل. أشعر ببعض التفاؤل بعد اجتماعات نيويورك حيث أحسست أن هناك إصراراً من الدول الأعضاء على تقديم الدعم على الرغم من وجود أزمات في أماكن أخرى.
* كانت هناك حملات تشويه ضد الأونروا من قبل منظمات يمينية وغيرها، هل لك أي تعليق عليها؟
هناك عدة أنواع من تلك الحملات، بعضها يقودها منتقدون، أو هؤلاء الذين ينتقصون من الوكالة، أو منظمات حقوقية، ويجذبون الانتباه لأمرين في الغالب. الأول، حول من هو اللاجئ ومن ليس لاجئاً؟ إجابتنا واضحة، أولاً، لا أحد يريد أن يظل لاجئاً بعد أكثر من 70 عاماً، وإذا كانوا ما زالوا لاجئين حتى اليوم، فإن ذلك بسبب الفشل الجماعي للمجتمع الدولي في النجاح في تعزيز السلام الدائم والعادل. أيضاً، هناك لاجئون ومنذ مدة طويلة في سياقات أخرى. الاختلاف الوحيد (في سياق اللاجئين الفلسطينيين) هو أننا نتعامل مع أطول نزاع لم يتم حله حتى الآن.
يرتبط الأمر الآخر إلى حد كبير بالتعليم والمناهج الدراسية. اتُهمنا أحياناً بالترويج للتحريض على العنف في مدارسنا (مدارس أونروا)، وهو ما أدحضه بشدة. ليست لدينا مثل هذه السياسة في أونروا، بل على العكس تماماً. أنا فخور بأنني بدأت (تعليم) مناهج حقوق الإنسان في جميع مدارسنا في جميع أنحاء المنطقة. بما أننا منظمة تابعة للأمم المتحدة، فإننا سندافع عن قيم الأمم المتحدة ومعايير “يونسكو”. وفي الوقت ذاته، علينا الاعتراف بأننا نعمل أيضاً في بيئة شديدة الانقسام، وعاطفية للغاية. لذلك من الواضح أنه لا يمكننا أن نفترض أن الخطر غير قائم، ولكننا مصممون على تطبيق سياسة عدم التسامح المطلقة كلما اكتشفنا حالة انتهاك، بعد التحقيق فيها وإثباتها.
* كمفوض للوكالة، ما الضروري ذكره أو التأكيد عليه بالنسبة لك بخصوص عمل أونروا؟
يُقدّر عمل الوكالة ووصف دورها بأنه ذو قيمة عالية ولا يمكن الاستغناء عنه في الوقت الحالي. حققت الوكالة إنجازات غير عادية على مدى العقود القليلة الماضية، من حيث التنمية البشرية، والمواهب الناشئة، وعودة هؤلاء لمجتمعاتهم وتقديمهم خدمات، كما في ما يخص المؤشر الصحي. لقد أثبتت هذه الوكالة حقاً أنها وكالة تنمية بشرية فعالة لأحد أكثر المجتمعات حرماناً في المنطقة.
فخور بأنني بدأت تعليم مناهج حقوق الإنسان في جميع مدارسنا في جميع أنحاء المنطقة
وأعتقد أن عدم الاستمرار في الاستثمار في مواطني المستقبل في هذه المنطقة سيكون خطأ فادحاً. وسيكون من الخطأ أيضاً عدم الاستمرار في توفير الإحساس بهدف (مستقبل) للناس في المنطقة، حيث هناك شعور عميق باليأس، وحيث لا يمكن لأحد أن يرى أي أفق (لحل) سياسي في الوقت الحالي. وبالنسبة للشباب، فالأمر ليس مجرد أفق سياسي، بل هو أفقهم الاجتماعي والاقتصادي. لدينا وكالة معروفة، وسيكون من الخطأ الكبير ألا نستمر في الاستثمار فيها.
وهل سنخاطر جميعاً لعكس كل هذه المكاسب، والسماح لوكالة مثل أونروا، بالتفكك بسبب 400 مليون دولار سنوياً؟ هذا (المبلغ) لا شيء (مقابل) التبعات ولا يتناسب معها. عمَّ نتحدث هنا؟ هذا هو الحد الأدنى، الذي ندين به للاجئين الفلسطينيين، ولا يمكننا أن نخذلهم في هذا.
فيليب لازاريني في سطور
تولى السويسري فيليب لازاريني منصبه كمفوض للأونروا رسمياً في مارس/ آذار 2020. عمل قبلها ولخمس سنوات كنائب المنسق الخاص والمقيم للشؤون الإنسانية في مكتب منسق الأمم المتحدة الخاص في لبنان. انضم إلى صفوف الأمم المتحدة عام 2003، وعمل في مناصب مختلفة في عدد من الدول والمناطق، من بينها فلسطين المحتلة والصومال وأنغولا والعراق. قبل انضمامه للأمم المتحدة عمل مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عدد من الدول، كما عمل في القطاع الخاص. يحمل شهادة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة نوشاتيل، وحاصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة لوزان.