مع قرب إحياء الإسرائيليين والعرب للذكرى السنوية التاسعة والأربعين لحرب أكتوبر 1973، كشف أرشيف جيش الاحتلال الإسرائيلي عن وثائق أمنية وعسكرية خاصة تكشف جانبا من المداولات التي سبقت اندلاع الحرب، والدور الخطير الذي لعبه أشرف مروان، الذي عمل لصالح جهاز الموساد، في تسريب أسرار عسكرية لمشغليه عن قرب شنّ مصر وسوريا حربا على إسرائيل.
الخبير الأمني يوسي ميلمان كشف ما قال إنه “البروتوكول الكامل للاجتماع الذي جمع أشرف مروان حامل لقب “الملاك” ومشغله “دوبي” مع رئيس الموساد تسفي زامير ليلة 5-6 أكتوبر 1973، وما تضمنه من تحذير كامل بشأن استعداد الجيشين المصري والسوري لشن هجوم على إسرائيل مساء السادس من أكتوبر 1973″.
وأضاف في تغريدات نشرها على حسابه في تويتر، أن “جميع الأدلة التي قدمها مروان دلّت على أن الحرب على وشك الاندلاع بالفعل، وورد فيها أن موعدها قرره الرئيس المصري الراحل أنور السادات، وبدا أن المنظومة العسكرية بالكامل للقوات المسلحة تشير بأن الحرب على وشك أن تندلع، ويظهر اسم أشرف مروان صراحة في هذه البرقيات”.
ران أدليست الكاتب في صحيفة معاريف، كشف بعضا من الوثائق السرية التي قرر جيش الاحتلال رفع الرقابة عنها، وجاء فيها أنه “في أبريل 1973 حذر جاسوس الموساد أشرف مروان من حرب كانت على وشك الاندلاع في ذلك الشهر، لكن إيلي زعيرا رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية- أمان، تجاهل تحذيراته”.
وأضاف أنه “في منتصف ليلة الخميس 4 أكتوبر، وجه أشرف مروان تحذيرًا حاسمًا بشأن الحرب، حيث طار رئيس الموساد تسفي زامير إلى لندن على الفور عشية يوم الغفران للتحدث شخصياً مع “كبير الجواسيس”، وفي اجتماعهم في لندن، سعى زامير لفهم جوهر التحذير، فأبلغه مروان أن “هذه هي الحرب”، سأله زامير متى، فأجاب مروان: “وقت غروب الشمس، آخر ضوء، غدًا”.
ليست المرة الأولى التي يتم فيها الكشف عن الدور الخطير الذي لعبه أشرف مروان في تحذير الاحتلال الإسرائيلي من حرب وشيكة، وهو المقرب من الرئيس المصري آنذاك أنور السادات، وصهر الرئيس السابق جمال عبد الناصر، ويلقب بـ”الملاك”، وقد تضمن تحذيره تقديمه اقتراحا لكيفية منع الحرب بالكامل، ويبدو الكشف عن هذه الوثائق أمرا غريبا ونادر الحدوث نسبيا، لأن وثائق وكالة التجسس تظل عادة سرية حتى بعد عقود عديدة من كتابتها.
في الوقت ذاته، تُظهر النصوص المكشوف عنها جنرالات الجيش الإسرائيلي الذين أشاروا إلى أن المصريين والسوريين، الذين يحركون القوات قرب الحدود، كانوا قادرين على الهجوم في وقت قصير جدا، ورغم ذلك، أصرّ رئيس الاستخبارات العسكرية آنذاك، إيلي زعيرا، أن فرصهما في شن هجوم منسق أقل من منخفضة، ولذلك فقد تلقى نصيب الأسد من اللوم لأن الجيش فوجئ في الهجوم، مع العلم أن مروان اتصل في الستينيات بالموساد، وقدم خدماته كمساعد، الذي منحه الاسم الرمزي “الملاك”.
مع العلم أنه في تمام الساعة الواحدة والنصف بعد ظهر الأربعاء 27 يونيو 2007، سقط مروان من شرفة منزله في حي راق بالعاصمة البريطانية لندن ليفارق الحياة عن 63 عاما.
مقابل الرواية الإسرائيلية عن أشرف مروان، تظهر الرواية المصرية التي تجلت في تشييع جنازته الرسمية بالقاهرة في يوليو 2007، بحضور رسمي من كبار رجال الدولة، تقدمهم جمال نجل الرئيس الراحل حسني مبارك، وشيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي.
مع العلم أن الرئيس مبارك ذاته وصفه بأنه كان وطنيا مخلصا، وقام بالعديد من الأعمال الوطنية التي لم يحن الوقت للكشف عنها، وذكرت وسائل إعلام مصرية أنه لعب دورا بمساعدة السادات في الحصول على السلاح استعدادا لحرب 1973 ضد إسرائيل، واتهمت أسرته جهاز الموساد بقتله لدوره في خداع إسرائيل خلال الحرب، وتقديم معلومات مضللة لهم.
مصطفى الفقي، سكرتير المعلومات زمن الرئيس مبارك، يروي أن السادات كان يكلف مروان بمهام معينة عند الإسرائيليين، وربما استعمله طعما، أو أخبرهم بموعد “حرب أكتوبر” دون التوقيت المحدد، أما رئيس المخابرات ووزير الحربية الأسبق أمين هويدي، فقال إن كل الاحتمالات قائمة، ولا يمكن نفي أو تأكيد أن مروان كان جاسوسا.
أما الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، فأكد أن كرامة مصر وسمعة أشرف نفسه تتطلبان تحقيقا رسميا في الموضوع، بواسطة هيئة رفيعة المستوى، تضم عناصر قضائية، وبرلمانية، وتمثل فيها المخابرات العسكرية والعامة، دون ذلك لن تستقيم الأمور.
وفي تعليق مصري رسمي نادر، إذا عادة ما يتلزم المصريون الصمت على ما تنشره إسرائيل حول عمالة مروان، أكدت الهيئة العامة للاستعلامات (حكومية)، أن مروان هو آخر شهداء حرب أكتوبر 1973، في نفي للادعاءات الإسرائيلية بأن صهر عبد الناصر أدلى بمعلومات خطيرة لصالح إسرائيل.
وقالت الهيئة معلقة في ذلك الوقت ردا على تغريدات لرئيس وزراء الاحتلال وقتها، بنيامين نتنياهو: “كعادته.. غرّد نتنياهو على حسابه بتويتر بمناسبة (عيد الغفران) وذكرى مرور 40 عاما على اتفاقية كامب ديفيد، معترفا بفشل الاستخبارات الإسرائيلية في توقع قيام المصريين بحرب أكتوبر، كما اعترف بتكبد إسرائيل خسائر فادحة نتيجة الحرب”.
وتابعت: “هذه التغريدات تكشف بما لا يدع مجالا للشك الادعاءات المشككة في وطنية بعض الرموز الوطنية المصرية أبرزهم الراحل أشرف مروان، والذي نعتبره آخر شهداء حرب أكتوبر الذي حاول الموساد الإسرائيلي التشكيك في ولائه لوطنه من خلال فيلم الملاك، الذى يعرض، الآن، كما أنها اعتراف ضمني بقوة ونجاح خطة الخداع الاستراتيجي بقيادة الشهيد أنور السادات”.