انتهت هدنة استمرت ستة أشهر في اليمن مساء الأحد دون تجديدها، ما يثير مخاوف من عودة التصعيد العسكري في البلد الذي تمزقه حرب طاحنة منذ سنوات. فلمَ فشلت الهدنة، وما هي السناريوهات المقبلة المحتملة؟
يدور النزاع في اليمن منذ 2014 بين الحوثيين المدعومين من إيران وقوات الحكومة يساندها تحالف عسكري بقيادة السعودية. وتسبّبت الحرب بمقتل مئات آلاف الأشخاص بشكل مباشر أو بسبب تداعياتها، وفق الأمم المتحدة.
لكن منذ الثاني من نيسان/أبريل، سمحت الهدنة بوقف القتال واتّخاذ بعض التدابير التي ساهمت في تخفيف صعوبات الظروف المعيشية للسكان، في مواجهة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
رفض الحوثيون خطة المبعوث الأممي هانس غروندبرغ لتمديد الهدنة التي انطلقت على أساس أن تستمر شهرين ثم تمّ تجديدها على مرحلتين، إلى فترة ستة أشهر وتوسيعها لتشمل نقاط اتفاق جديدة.
لكن المتمردين طالبوا بدفع رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين المتقاعدين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم “دون تمييز”، ما يعني أن تقوم الحكومة اليمنية بدفع رواتب موظفي حكومة الحوثيين غير المعترف بها دوليا وعسكرييها.
كما جددوا المطالبة بالسماح بدخول المشتقتات النفطية والسفن التجارية للسلع والبضائع والمستلزمات الطبية والدوائية، الى مناطقهم…
ويرى البعض أن بعض مطالب الحوثيين تكاد تكون تعجيزية.
وترى الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط إليزابيث كيندال أن مطالب الحوثيين “غير واقعية في هذه المرحلة المبكرة”، معتبرة أنهم يطالبون بما يعدّ “تنازلات سيكون من الصعب للغاية تقديمها في غياب أي محادثات سلام منظمة”.
وبحسب كيندال، فإنّ “الانطباع الموجود هو أن الحوثيين غير مهتمين حقا بمواصلة الهدنة”.
ويرى الباحث في مركز “مالكوم كير – كارنيغي” ومقره بيروت أحمد ناجي أنّ الهدنة “فشلت بسبب خلل التوازن في طرفي معادلة الحرب”.
ويوضح أن “جماعة أنصار الله (الحوثيون) تعتقد أنها الطرف الأقوى بعد سبع سنوات من الصراع، وأن الحرب لا يجب أن تنتهي عند هذه النقطة، وأنهم يستطيعون الحصول على مكاسب إضافية خصوصًا مع الرغبة الكبيرة في تجديد التسوية (الهدنة) لدى الطرف المناوئ”.
يتوقع محللون أن تؤشر نهاية الهدنة الى عودة التصعيد العسكري الذي توقف إلى حد كبير في الأشهر الستة الماضية، خصوصا قرب مدينة مأرب، آخر معقل للحكومة في الشمال ومفتاح موارد اليمن النفطية، وكذلك تعز التي يحاصرها الحوثيون في جنوب شرق البلاد.
لكنهم لا يستبعدون إمكانية استمرار جهود الأمم المتحدة لإقناع المتمردين بالقبول بالهدنة.
ويقول مدير مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية ماجد المذحجي “هناك توتر عسكري على امتداد الجبهات ومناوشات عسكرية محدودة حتى الآن. أظن أننا سنشهد تطورا في الاتجاه العسكري والاشتباكات في الأيام القادمة خصوصا في جبهات التماس الأساسية في مأرب وتعز”.
وأوضح المذحجي أن هذا قد “يندرج في إطار تصعيد عسكري لمحاولة الوصول إلى المزيد من التنازلات” لصالح الحوثيين.
ويتوقّع ناجي “استمرار الاتصالات المكثفة لإقناع الحوثيين بتجديد الهدنة”، ولكنّه أشار إلى أنّه “في حالة الوصول الى طريق مسدود، فإنّ الحرب ستشهد جولة جديدة من المواجهات العسكرية أكثر ضراوة من ذي قبل”.
سيكون الشعب اليمني الخاسر الأكبر من عدم تمديد الهدنة، بحسب المحللين.
ويتهدّد خطر المجاعة الملايين من سكان اليمن، فيما يحتاج آلاف، بينهم الكثير من سكان المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، إلى علاج طبي عاجل غير متوافر في البلد الذي دُمّرت بنيته التحتية.
ويعتمد نحو 80 بالمئة من سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليون نسمة على المساعدات للاستمرار.
ويقول ناجي “الشعب اليمني سيخسر الأمل الذي رافق فترة الهدنة بأن الحرب قد تنتهي باتفاق سياسي. أيضًا ستنعكس تبعات عودة المواجهات العسكرية على المدنيين في اليمن بشكل كبير”.
وأفادت مصادر عسكرية حكومية الأحد بوقوع هجمات شنها الحوثيون جنوب مدينة مأرب. كذلك أشارت المصادر إلى قصف الحوثيين لتعز.
ويرى ناجي أنّ “الخسارة” من عدم تمديد الهدنة “ستطال” كذلك “الدول الإقليمية، السعودية والإمارات، عبر الهجمات العابرة للحدود”.
ومع انتهاء الهدنة، حذّر المتحدث باسم الجناح العسكري للمتمردين يحيى سريع في بيان بالفعل من احتمال توجيه ضربات جديدة للبلدين.
ويقول المذحجي إنّ الحوثيين، برفضهم الهدنة، “حرموا الشعب اليمني من أكبر فرصة وأطول هدنة في تاريخ هذه الحرب”.