كتب: المحامي زياد أبو زياد
الأحداث تتسارع على مسرح السياسة الدولية نتيجة الحرب بين روسيا والغرب بقيادة أمريكا على أرض أوكرانيا، والتي تقف اليوم على أبواب مرحلة جديدة بعد اعلان الرئيس الروسي بوتين عن ضم أربعة أقاليم اوكرانية لروسيا، وإعلان الرئيس الاوكراني زيلنسكي عن التقدم بطلب لتسريع انضمام بلاده لحلف شمال الأطلسي “ناتو”، وإعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن على بوتين أن يفهم معنى قول أمريكا بأنها ستدافع عن حلفائها، وهي إشارة يجب أن يُفهم منها تقدم أمريكا خطوات نحو المشاركة المباشرة في الحرب ، بعد أن كانت الحرب تُدار بالوكالة من قبل زيلنسكي الذي حول المواجهة بين بلاده وبين روسيا الى مواجهة بين الدول الغربية بقيادة أمريكا ضد روسيا، تقوم فيها أوكرانيا بتقديم المقاتلين واستقبال المرتزقة بينما يقوم الغرب بتزويد أوكرانيا بالسلاح والمال وبسخاء ليس له حدود.
وهذه الحرب وإن كانت تدور في هذه المرحلة بالأسلحة التقليدية فإن اقتراب أي من العملاقين من نقطة الانكسار أي الهزيمة ستضطره الى استخدام الأسلحة النووية بكل ما يعنيه ذلك من خطر الدمار الشامل الذي سوف لا يتوقف عند حدود الدول المتحاربة.
في هذه الأجواء المتكدرة الملبدة بالغيوم وفي ظل التطورات المتسارعة على الساحة الدولية فإن علينا أن ندرك بأن العالم مشغول عنا ولن يتفرغ للنظر الينا أو الى قضيتنا طالما أن هناك قضية أكبر تهدد مصالح الدول العظمى وتضعها على مفترق طرق هو الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية.
وانشغال العالم بنفسه وبقضاياه يؤدي تلقائيا الى تهميش قضيتنا من جهة والى إعطاء إسرائيل مساحة من الزمن ومن فرص العمل لتنفيذ سياساتها التي ربما لم تكن تستطيع تنفيذها لو كان العالم متفرغ للنظر صوب منطقتنا. فنحن أيضا ً نقف على أعتاب مرحلة هي الأخطر ربما منذ نكبة 1948.
والذي يدعو للقلق هو أن النظر نحو ما يجري على الساحة الداخلية الفلسطينية يُعطي الانطباع بأن كل شيء يسير وكأن لا شيء يجري من حولنا، وأن ما يدور على الساحة الدولية من تطورات في غاية الخطورة لا يؤخذ بالاهتمام الكافي في تحديد سلوكنا وخطواتنا المستقبلية. فالقيادة والحكومة تتصرف على الصعيد الداخلي وكأن الأمور طبيعية وكأنها دولة بكل معنى الدولة، مع أنه تم ويتم هدم كل الأسس التي يمكن أن تقوم عليها الدولة.
وهي تعقد المؤتمرات الدولية التي تتحدث عن الحكم الرشيد وسيادة حكم القانون وتحقيق العدالة وهي أبعد ما تكون عن الحكم الرشيد وسيادة حكم القانون بعد أن طمست الحدود الفاصلة بين السلطات الثلاث وألغت وجود السلطة التشريعية بعد أن تم الغاء المجلس التشريعي وتحولت الحكومة الى ناد للهواة كلما خطر ببال أحد من أعضائها التقدم بقانون وضع ما يحلو له وتقدم به للحكومة ليصدر فيما بعد بشكل مرسوم بقانون.
وليس هذا فحسب بل وفي ظل هذا الخراب الدستوري السائد يدور صراع خفي حول ما يسمى ب “الخلافة” وكأننا نعيش في مملكة مستقرة مترفه لم يبق أمام أبناء العائلة الحاكمة فيها سوى الصراع على العرش!
لقد عبر الرئيس محمود عباس في خطابه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة يوم الجمعة الثالث والعشرين من أيلول الماضي عن حالة الضجر والغضب والإحباط الذي يحس به كل واحد من أبناء شعبه، وقدم وصفا ً عميقا للسياسة الإسرائيلية وممارساتها في الأراضي المحتلة، مؤكدا ً أن إسرائيل قامت بتدمير حل الدولتين وتتصرف كدولة احتلال وأن الجانب الفلسطيني سيتعامل معها على هذا الأساس! ومع أن التعامل مع الاحتلال على أساس أنه احتلال يقتضي بديهيا ً تبني منهج مقاومة الاحتلال وهي حق مشروع حسب ميثاق الأمم المتحدة إلا أن الرئيس وبشكل استدراكي أكد بأنه لن يلجأ للعنف ولا للإرهاب، ولم يعلن في نفس الوقت وبشكل واضح عن تبني منهج المقاومة الشعبية السلمية للاحتلال.
ومع ذلك فإنه لا بد من الاعتراف بأهمية تأكيد عدم اللجوء للعنف أو القوة، اذا افترضنا أنه ورد في اطار فهم شامل للمعطيات الدولية وأجواء الحرب الكونية التي تدق الأبواب وأريد منه تفويت الفرصة على إسرائيل كي لا تستغل ذلك للقيام بخطوات متطرفة لا تجرؤ على القيام بها في ظل أجواء دولية اعتيادية.
الأيام القادمة حبلى بالأحداث المصيرية سواء على صعيد القضية الوطنية أو على صعيد الفرد الفلسطيني. ومواجهة هذه الأحداث لا تحتمل أن تظل حالة العبث والاستفراد في السلطة والصراع على المناصب والألقاب قائمة والبيت يحترق من الداخل، والعالم يتسارع نحو الهاوية.
وعلينا أن نتفق بأنه لا يجوز لفرد أيا ً كان، حتى لو قيل أنه “قائد بحجم وطن”، كما لا يجوز لأي فصيل أو طرف سياسي واحد أن ينفرد في اتخاذ القرار المصيري الذي يتعلق بكل أبناء شعبنا وقضيتهم وحقوقهم الفردية والجماعية. فنحن اليوم بأمس الحاجة الى قيادة وطنية تشمل الكل الفلسطيني لتتحمل المسؤولية الجماعية لاتخاذ القرار الصعب الذي ستفرضه علينا سواء تطورات علاقتنا مع الاحتلال أو تطورات الإقليم أو ما يحدث على الساحة الدولية. واذا لم يُدرك الجميع الأخطار المحدقة بنا من كل جانب ولم يرتفع الى مستوى المسؤولية فوق كل الاعتبارات الشخصية والفصائلية الضيقة فإن الخطر القادم لن يستثني أحدا ً ولن ينفع الندم بعد فوات الأوان.