تتزاحم المخاطر الأمنية على دولة الاحتلال في الآونة الأخيرة، مع تزامن العديد من الأحداث حولها، سواء مع بداية موسم الأعياد اليهودية، أو تصاعد العمليات الفلسطينية، أو مستقبل السلطة الآخذ في التدهور، ما دعا لأجهزة أمن الاحتلال لمزيد من الاستنفار؛ خشية حدوث مفاجآت غير متوقعة.
مع العلم أن ما تصفه أوساط أمن الاحتلال عن “صداع” رأس السنة العبرية الجديدة، يجعل الإسرائيليين غير واثقين من أنهم سيجتازون موسم العطلات القادمة بأقل قدر من التوتر، في ظل ما تشهده الضفة الغربية من أحداث ميدانية متلاحقة، وحينها تصبح المعضلة السياسية والأمنية أكثر تعقيدًا، لأنه عندما تكون هناك تهديدات وتحديات في عدة قطاعات، فإن إسرائيل تجد نفسها في ورطة من المعضلات، وتحتاج إلى اكتشاف طريقة جديدة كي توقف العاصفة القادمة.
الجنرالان عاموس يادلين وأودي أبينثال أكدا أن “استمرار عملية “كاسر الأمواج” في الضفة الغربية، التي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، بغرض إحباط استباقي للهجمات الفدائية، لم تنجح بالصورة المطلوبة، رغم الجهود التي تقوم بها من خلال استمرار الاعتقالات في أعماق مناطق الضفة الغربية، خاصة في شمالها، وزيادة الإجراءات الأمنية على طول خط التماس، بما في ذلك إغلاق الثغرات في الجدار الفاصل”.
وأضافا في مقال مشترك نشره موقع القناة 12 أن “عمليات الجيش كبحت نسبياً موجة الهجمات مؤخرا، لكنها أسفرت عن اشتداد الاحتكاك مع الفلسطينيين، وقفزة في نطاق استخدام الأسلحة النارية ضد الجيش، وزيادة كبيرة فيها مقارنة بالسنوات السابقة، ما يؤدي لاتساع دائرة المواجهة، كما وصفها رونان بار رئيس جهاز الأمن العام- الشاباك، بقوله إننا أمام “دائرة مغلقة من محاور معادية متعددة، ما يتطلب إجراءات إسرائيلية مضادة كل ليلة، وبالتالي يستدعي عودة عمل أجهزة الأمن الفلسطينية لنشاطها الأمني الفعال في مدن الضفة الغربية، باعتبارها مصلحة أمنية إسرائيلية وللسلطة الفلسطينية نفسها”.
وأكدا أن “إعادة عمل أجهزة الأمن الفلسطينية يشكل من جهة تحديًا حقيقيًا لوجود السلطة الفلسطينية كحكومة، ومن جهة أخرى مصلحة إسرائيلية فلسطينية مشتركة، لكنها لا تزال مهمة معقدة للغاية، وبالتالي تجد الحكومة الإسرائيلية نفسها في ورطة متشابكة من المعضلات في مواجهة تطورات الضفة الغربية على المستويات التكتيكية والعملية والاستراتيجية؛ لأن أجهزة الأمن الفلسطينية في عملها ضد هجمات المقاومة تواجه خطرا على مشروعيتها الوطنية بين الفلسطينيين، الذين يصفونها بـ”المتعاونة” مع إسرائيل، وهذه الصورة علقت بها منذ سنوات، ما يجعلها تواجه مشكلة شرعية خطيرة ومتصاعدة بين الجمهور الفلسطيني”.
تواجه دولة الاحتلال إشكالية حقيقية في العمل الانفرادي في الضفة الغربية، أو إشراك السلطة الفلسطينية معها، وبالتالي بات لديها مجال محدود للمناورة، فهي لا تتحمل رفع قدمها عن “دواسة الكبت”، لأن أي هجوم مميت يفلت من قواتها ستكون له عواقب وخيمة على المشهد المحلي لديها، ومن جهة أخرى أي عملية واسعة النطاق في الضفة الغربية ستسفر عن سقوط العديد من خسائر الجانبين، وتتوسع لتشمل قطاعات إضافية، وتصبح متشابكة عسكريًا وسياسيًا، خاصة عشية الانتخابات.
على المستوى الاستراتيجي، فإن المعضلة الإسرائيلية تتوسع حتى وصلت مؤخرا إلى ما تمر به أجهزة أمن السلطة الفلسطينية من ضعف متزايد، وزيادة في مشكلة شرعيتها، ما قد يسفر مع مرور الوقت عن تفكك السلطة الفلسطينية كنظام حكم، مع أن تراجعها يرتبط بأربع عمليات.
أولى العمليات زيادة ضعف مشروع السلطة السياسي والتفاوضي مع إسرائيل، وثانيها تصاعد مسار المقاومة المسلحة التي تقدمها حماس، وثالثها وصول ثقة الجمهور الفلسطيني بالسلطة ومسارها السياسي إلى مستوى متدنٍ غير مسبوق، وكذلك على خلفية الفساد الراسخ فيها، وحالة عدم اليقين الاقتصادي المزمنة، ورابعها تضاؤل الاهتمام الدولي والإقليمي.