ازدادت احتمالات تدهور علاقات الصين مع إسرائيل بسبب تصاعد توتراتها مع الولايات المتحدة بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان مطلع أغسطس/آب الماضي، وتعهد صريح من الرئيس جو بايدن بالدفاع عن هذه الجزيرة التي تعتبرها بكين مقاطعة منشقة.
وتزامنا مع زيارة بيلوسي نشرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” (Times Of Israel) مقالا قالت فيه “بينما كانت تشق بيلوسي طريقها إلى تايبيه، في رحلة يمكن أن تغير العلاقات بين بكين وواشنطن بشكل جذري، كان هناك حدث في إسرائيل يحمل اعترافا بأن العلاقة بين تل أبيب وبكين تتغير بالفعل”.
وهذا ما دفع الصين أواخر الشهر الماضي إلى تسليم إسرائيل رسالة “حادة ومباشرة” تحذرها من الاصطفاف مع الولايات المتحدة ضدها.
الرسالة الأكثر وضوحا
وقال موقع “والا” الإسرائيلي (walla) إن “ليو جين شاو” أحد كبار الدبلوماسيين الصينيين والذي -يترأس قسم العلاقات الدولية بالحزب الشيوعي- سلّم الرسالة الصينية إلى السفيرة الإسرائيلية لدى بكين إيريت بن آبا.
كذلك أكد “أكسيوس” (Axios) أن الرسالة التي تلقتها إسرائيل هي “الأكثر وضوحا” بشأن العلاقات الصينية الإسرائيلية الأميركية. وأضاف هذا الموقع أن “اللقاء الذي جمع السفيرة الإسرائيلية بن آبا بالدبلوماسي الصيني ليو كان الأول منذ توليه منصبه الجديد”.
وذكر هذا الموقع الأميركي بأن المسؤول الصيني أكد أهمية العلاقات بين بلاده وإسرائيل، لاسيما في مجالي الابتكار والتكنولوجيا، وأشار إلى أن بكين “تتفهم آلام الشعب اليهودي ومعاناته، لأن الصينيين تعرضوا كذلك للاضطهاد أيضا من الدول الغربية”.
وقال ليو “على الرغم من أن الصين تتفهم العلاقات الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة، فإنها تتابع عن كثب السياسة التي تتبعها إسرائيل تجاه الصين”.
نقطة اختبار حرجة
واعتبر المسؤول الصيني -خلال لقائه السفيرة الإسرائيلية- أن العلاقات مع إسرائيل وصلت إلى “نقطة اختبار حرجة” مضيفا أنه يأمل عدم انحياز تل أبيب إلى السياسة الأميركية تجاه بلاده.
كما ذكر موقع “والا” بأن الدبلوماسي الصيني حض -خلال اللقاء- الحكومة الإسرائيلية على عدم “الانجرار” وراء الموقف الأميركي الذي يتهم بلاده بارتكاب إبادة جماعية ضد أقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينجيانغ” بالصين.
قرارٌ سياسي خاطئ
وفي يونيو/حزيران 2021 ذكرت صحيفة “جيروزاليم بوست” (The Jerusalem) الإسرائيلية بأن “إسرائيل وقعت على بيان في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يدين سياسة الصين تجاه الإيغور”.
وعاد المسؤول الصيني ليو ليقول “إذا استجابت إسرائيل للضغوط الخارجية فإن ذلك سيكون قرارا سياسيا خاطئا”.
ونقل “والا” عن مسؤولين إسرائيليين بأنهم “لم يفهموا سبب توقيت هذه الرسالة الصينية الشديدة اللهجة والحادة بشكل استثنائي، واعتبروا أن ذلك قد يكون مرتبطاً بالتوتر بين واشنطن وبكين بشأن تايوان وخاصة بعد زيارة بيلوسي إلى تايبيه”.
وبدوره عاد “أكسيوس” ليوضح أن السفيرة الإسرائيلية ردت على الدبلوماسي الصيني بأن “إسرائيل لديها سياسة خارجية مستقلة” ولكنها أكدت أن تحركات بكين في الأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية “لا تساعد في تعزيز العلاقات”.
من جانب آخر، قال مسؤول إسرائيلي “إن العلاقات مع بكين جيدة” مضيفا أن الصين توجه رسائل مماثلة إلى دول الغرب، وأكد أن “العلاقات مستقرة، ويعرف الصينيون أن الولايات المتحدة أقرب حليف لنا”.
يُذكر أن رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو عمل على “توثيق العلاقات مع الصين” لكن حكومة يائير لبيد تنظر إلى تلك العلاقات باعتبارها “قضية تتعلق بالأمن القومي، وليست مجرد قضية علاقات اقتصادية”.
القضية الفلسطينية
وتدعم الصين المقاومة الفلسطينية منذ 1964 سياسيا وماديا وحتى بالأسلحة والتدريب، ولكنها تحولت بعد ذلك إلى ثاني أكبر شريك تجاري لإسرائيل.
ولم تُقِم الصين علاقات رسمية مع إسرائيل إلا عام 1992، بعد أسابيع من إطلاق مؤتمر مدريد للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكن علاقة بكين مع حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) كانت أقدم بكثير.
وبعد إعلان منظمة التحرير قيام “الدولة الفلسطينية” من أرض الجزائر عام 1988، اعترفت الصين بها، وواصلت دعمها لحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم على حدود عام 1967.
والموقف السياسي للصين ما زال إلى اليوم مساندا للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
وقد قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي -في كلمة بلاده أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، السبت “القضية الفلسطينية جوهر الصراع في الشرق الأوسط.. الصين مستمرة في دعم مساعي فلسطين حتى التوصل إلى حل عادل يعيد الحقوق المشروعة والوطنية لشعبها”.
وشدد وانغ على أن “حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية أساسي للنهوض بالعدالة والمساواة”.
وأردف الوزير الصيني “لقد تأخر حل هذه القضية لكن يجب ألا يغيب”.
وفي أبريل/نيسان الماضي، قال المتحدث باسم الخارجية الصينية وانغ وين بين “الظلم التاريخي الذي طال (الشعب الفلسطيني) لأكثر من 50 عاما يجب ألا يستمر”.
ومضى قائلا “ستواصل الصين الوقوف بحزم إلى جانب الشعب الفلسطيني” داعيا إلى وحدة أكبر بين الفصائل الفلسطينية.
استثمارات مع تل أبيب
وبالمقابل، تدفقت الاستثمارات الصينية على إسرائيل بشكل سريع في قطاع التكنولوجيا تحديدا، بعد أن انطلقت العلاقات رسميا بينهما عام 1992.
وانتقلت من صفر دولار عام 2000، إلى 15 مليارا عام 2011، ناهيك عن الاستثمارات في قطاعات أخرى مثل الإنشاءات وأشغال البنية التحتية، بينما ارتفعت المبادلات التجارية من 10 مليارات دولار عام 2017، إلى 17.5 مليارا عام 2020، وفق تقرير للأناضول.
وتمارس واشنطن ضغوطا على تل أبيب لكبح هذه الاستثمارات، ومنع وصول تكنولوجيا عسكرية إسرائيلية إلى الصين.
وكان “أكسيوس” نقل عن مسؤولين إسرائيليين في أغسطس/آب 2021 بأن وليام بيرنز مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية “سي آي إيه” (CIA) أعرب -خلال زيارته لإسرائيل ولقائه رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت- عن قلق بلاده من استثمارات الصين في إسرائيل، سيّما قطاع التكنولوجيا، ومشاركتها في مشاريع كبرى للبنية التحتية.
ويبدو أن تل أبيب ستكون في موقف يصعب الحياد فيه إذا ما تصدعت العلاقات بين واشنطن وبكين، حتى لو كانت على مستوى عقوبات وحرب تجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.
حرب أوكرانيا
يأتي توتر علاقات إسرائيل مع الصين بالتزامن مع توتر مماثل مع روسيا بسبب حربها على أوكرانيا.
والأسبوع الماضي، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن “ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجة الروسي أبلغ السفير الإسرائيلي لدى ألكسندر بن تسفي أن بلاده لن تضمن أمن المصلين الإسرائيليين المتوجهين إلى مدينة أومان الأوكرانية بمناسبة رأس السنة العبرية”.
وكانت وزارة العدل الروسية طلبت في يوليو/تموز الماضي تصفية الفرع الروسي للوكالة اليهودية “سوخنوت” المعنية بقضايا الهجرة إلى إسرائيل.
وقد حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي لبيد من أن حظر “الوكالة اليهودية للهجرة لإسرائيل” في روسيا سيمثل حدثا خطيرا من شأنه التأثير على العلاقات بين الطرفين.
وكان لبيد وصف -في أبريل/نيسان الماضي عندما كان وزيرا للخارجية- الحرب الروسية على أوكرانيا بالعدوانية، كما انتقد “مجزرة بوتشا بضواحي كييف”.
تصريحات لافروف
من جهة أخرى، أثارت تصريحات لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مايو/أيار 2022، بأن الزعيم النازي أدولف هتلر كان يحمل “دماء يهودية” غضبا في إسرائيل.
وكان لافروف قال في لقاء مع قناة إيطالية “عندما يقولون أي نوع من النزعة النازية هذا إذا كنا يهودا، أعتقد أن هتلر أيضا له أصول يهودية لذا فهذا لا يعني شيئا”.
وأضاف “منذ فترة طويلة ونحن نسمع حكماء من اليهود يقولون إن أكبر معاد للسامية هم اليهود أنفسهم”.
ومن اللافت أن وكالة تاس الروسية نقلت، في 28 أغسطس/آب الماضي، عن ضابط روسي كبير قوله “القوات السورية استخدمت أسلحة روسية الصنع مضادة للطائرات ودمرت عددا من الصواريخ والقذائف الإسرائيلية التي استهدفت منشأة في مصياف بريف حماة”.
وأفادت تاس بأن “4 طائرات إسرائيلية أطلقت ما مجموعه 4 صواريخ كروز و16 قنبلة موجهة ضد منشأة في مدينة مصياف”. وأضاف الضابط الروسي “القوات السورية أسقطت صاروخين إسرائيليين و7 قنابل موجهة ضد منشأة في مدينة مصياف”.