هآرتس- بقلم جدعون ليفي لرئيس الحكومة، يئير لبيد، ابنة من ذوي الاحتياجات الخاصة واسمها يعلي، مصابة بالتوحد. تحدث عنها لبيد لمن جاؤوا إلى الجمعية العمومية في الأمم المتحدة. من المؤثر سماع أب يتحدث عن ابنته بحرارة، خصوصاً عندما تكون من ذوي الاحتياجات الخاصة. من المفرح أن لبيد لا يحاول إخفاءها، وبذلك يساهم في زيادة الوعي بخصوص المصابين بالتوحد. ولكن هناك سياقاً واحداً كان محظوراً فيه على لبيد فعل ذلك، السياق الذي استخدم فيه يعلي بشكل ساخر وتلاعبي، سياق يعرضه على أنه عديم الوعي في أفضل الحالات، وعديم الضمير في أسوأ الحالات. هذا السياق هو خطابه في الأمم المتحدة. لبيد لوح بابنته ليظهر كم هو مسكين وكم هم الإسرائيليون مساكين. في السنة الماضية، كان عليه أن يركض معها إلى الملجأ في الثالثة فجراً.
الأشخاص الذين يقدمون لنا المواعظ عن أهمية السلام جميعهم مدعوون لتجربة الركض إلى الملجأ عند الثالثة فجراً مع طفلة لا تتكلم، وتشرح لها بدون كلمات لماذا يريدون قتلها، قال لبيد للعالم وكأنه متسول يعرض يده المبتورة بشكل استعراضي ليجمع الصدقات. يريدون قتل يعلي – أراد لبيد ابتزاز الدموع والتعاطف. ربما ساعد هذا في مركز الطائفة اليهودية عجوز في فورت لوديرديل في فلوريدا. ولكنه لم يعد يساعد أمام أشخاص جديين يعرفون الوقائع. اضطرت يعلي إلى الركض نحو الملجأ بعد أن وضعت إسرائيل جميع أولاد غزة، بما في ذلك ذوو الاحتياجات الخاصة، في قفص فظيع منذ 15 سنة. من الصعب الركض إلى الملجأ مع طفلة مصابة بالتوحد، لكنها ليست الضحية في هذه القصة، فمصيرها ليس ذا صلة، خصوصاً في وقت نرى فيه ضحايا أصعب منها بدرجة كبيرة. هم ليسوا ضحايا المصير مثل يعلي، بل ضحايا الدولة التي يعدّ والدها رئيس حكومتها. والدها لم يفعل حتى الآن أي شيء من أجل أن يعاني بدرجة أقل ومن أجل أن لا تضطر يعلي إلى الركض مرة أخرى إلى الملجأ.
في الوقت الذي أخذ فيه والدا يعلي إلى الملجأ في “رمات افيف ج”، قصفت الطائرات الإسرائيلية غزة. في الوقت الذي كانت فيه يعلي في الملجأ لم يكن لأطفال غزة مكان يهربون إليه أو من يحميهم. ظلوا مكشوفين أمام القنابل التي تسقط فوق رؤوسهم. 68 طفلاً، صفان مكتظان في مدرسة قتلتهم إسرائيل في عملية “حارس الأسوار”، التي هي عملية إجرامية مثل سابقاتها، والتي جاءت بعدها بأمر من والدها.
كيف يمكن لرئيس حكومة إسرائيلية أن يقف على منصة الجمعية العمومية في الأمم المتحدة ثم يتباكى على مصير ابنته، في الوقت الذي ترتكب فيه دولته ما ترتكبه ضد أطفال غزة منذ 15 سنة و55 سنة و74 سنة؟ كيف يمكنه التحدث عن يعلي ويتجاهل مصير عدي صلاح، الشاب ابن 17، الذي هو أصغر من يعلي، الذي أطلق قناصة الجيش الإسرائيلي النار على رأسه وعلى قلبه في الأسبوع الماضي؟ كيف يتجرأ على الشكوى من النشر بأن الطفلة ملاك التناني قتلت بنار الجيش الإسرائيلي في السنة الماضية، وتبين بعد ذلك أن الأمر ليس هكذا – في الوقت الذي يستمر فيه الجيش بالكذب مرة تلو الأخرى كي يتملص من المسؤولية عن جرائم الحرب، بدءاً بقتل العجوز ابن الـ 80 في جلجليا ومروراً بخمسة أطفال في جباليا، أحدهم عمره 3 سنوات، في عملية “حارس الأسوار”، وانتهاء بقتل الصحافية شيرين أبو عاقلة. كيف يمكن للبيد أن يقف فوق منصة الجمعية العمومية ويقول بشفقة: “هذا المبنى يصمت”، في الوقت الذي فيه دولته هي من أكثر الدول صمتاً وعاراً في العالم إزاء غزو روسيا لأوكرانيا.
ألقى لبيد خطاباً جميلاً يمثل عموداً آخر يمكن تعليقه على الثلاجة، هذه المرة بلهجة بريطانية مصطنعة. فقد اختار التحدث عن السلام والأمن بدلاً من التحدث عن الخطر والحرب مثل سلفه. لذلك، هو جدير بالثناء. ولكن عندما يكون الحديث منفصلاً عن الوقائع، وينكر الاحتلال، ويتنصل من أي مسؤولية ويمثل دور الضحية، بل ويلقي المواعظ الأخلاقية على الآخرين، حينئذ تكون الوقاحة غير محتملة ولا تشعر إلا بالحرج والخجل من أنه رئيس حكومتك.
كان الوضع صعباً مع يعلي في الملجأ. لكن أطفال غزة سيحلمون بكل ما هو موجود لدى يعلي وغير موجود.