كتب: عبد المجيد سويلم
أما وأن الأمور قد «استقرّت» الآن على ثلاث قوائم، وليس أكثر من ذلك ــ ولله الحمد ــ فقد أصبح من الحِكمة إنجاح «التجمُّع» بصرف النظر عن كل ما دار في الساعات الأخيرة التي سبقت نهاية موعد تقديم القوائم.
ما جرى في تلك الساعات ليس أمراً بسيطاً أو عابراً، أو حتى مسألةً طارئة، ولا حتى مفاجئة من أيّ نوع، وهي أبعد ما تكون عن ذلك.
يمكن العودة إليها لاحقاً، ويمكن الحوار بشأنها بعد انتهاء الانتخابات وبعد ظهور النتائج، بل يكاد يكون من المؤكد أن النتائج التي ستفرزها هذه الانتخابات ستفرض نقاشاً واسعاً وشاملاً، ساخناً أو أقلّ سخونة، بل والأرجح، أيضاً، أن مثل هذا النقاش سيطال ما جرى في الساعات الأخيرة، والذي لا يمكن بأي حال أن يكون وليد تلك الساعات.. لكنه سيمتد ويتوسع ليتناول قضايا أكبر وأهم، وبما يصل بالأمور إلى ما يمكن تسميته واعتباره (مراجعات) لكل مسألة المشاركة في انتخابات الكنيست من حيث أهميتها ودورها في فرض الأقلية الفلسطينية لنفسها على المجتمع الإسرائيلي، ومن حيث مدى ما باتت تشكله هذه الانتخابات من فرصٍ حقيقية في مسار تلك الأهمية على صعيد المكانة والدور.
وطالما أن «الأكثرية» السياسية ما زالت ترى في محطة الانتخابات الإسرائيلية مثل هذه الفرصة، بصرف النظر عن اختلاف محتوى وجوهر المكانة والدور لجهة ما تعكسه من حقوق، وما تتطلبه من واجبات والتزامات، فإن محطة الانتخابات الحالية ستُفضي حتماً ــ كما أرى وأُقدِّر ــ إلى فتح نقاش وطني جذري وعميق على هذا الصعيد.
لكن المهم الآن هو إنجاح «التجمُّع»، بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع مواقفه وسياساته، وتطلعاته، وعن كل خلفيات ما جرى في تلك الساعات لأن المصلحة الوطنية تكمن في جانب كبير منها في نجاح «التجمُّع» وفي تجاوزه لنسبة الحسم.
ولا تعود مسألة نجاح «التجمُّع» إلى اعتبارات وطنية فقط، إذ إن «التجمُّع» هو جزء أصيل من الحركة الوطنية، وهو مثله مثل «الجبهة» و»الحركة» يقف في وجه المشروع الصهيوني ومخططاته ضد شعبنا في الداخل، وضد كل شعبنا، بل إن نجاح «التجمُّع» في هذه المرحلة بالذات، وفي ظل هذه الظروف الدقيقة بالذات، وفي ظل ما وصل إليه المشروع الصهيوني، وما بات يمثّله من خطرٍ على وجودنا الوطني، وعلى حقوقنا وأهدافنا وهويّتنا ومصيرنا كلّه.. إن هذا النجاح بالذات، في هذه المرحلة بالذات بات مهمّاً ومفصليّاً على وجه الخصوص.
وطالما أن القوى الثلاث تخوض هذه الانتخابات بهدف الحصول على أكبر عددٍ من المقاعد، وطالما أن عدد هذه المقاعد سيمكّنها من محاولة التأثير في معادلة الصراع الداخلي في إسرائيل، وهي متوافقة على ذلك بالرغم من أن هذا التوافق ليس كاملاً ولا شاملاً فإن نجاح «التجمُّع» بات من صُلب المصلحة الوطنية، ومن صميم المعركة ضد المخططات الصهيونية.
إذا نجح «التجمُّع»، والأمل أن ينجح، فإن عدد المقاعد الوطنية الفلسطينية ــ حسب الاستطلاعات ــ سيتراوح بين سبعة مقاعد بالحدّ الأدنى وبين ثمانية أو تسعة مقاعد بالحدّ الأعلى، وهو رقم مؤثّر في ظل المعادلة الدقيقة والحسّاسة للغاية، وإلى أبعد الحدود لواقع التوازن بين معسكر نتنياهو، الذي بات يُجاهر بتبنّيه لاستراتيجية «اليمين الفاشي»، وبين «المعسكر الصهيوني» الذي يرى في هذه الاستراتيجية «خطراً» على إسرائيل، ومن شأنها أن تعمّق من الأزمة المستفحلة للمشروع الصهيوني، مع أن هذا المعسكر الذي تلعب فيه قوى «الوسط واليسار» الدور المركزي لا يفعل شيئاً حقيقياً واحداً في مواجهة هذه الاستراتيجية، ويكاد يتبنّى جوهرها على الصعيد العملي المباشر.
«الخطر» الذي يراه هذا المعسكر على إسرائيل جرّاء استراتيجيات «اليمين الفاشي» لا يجد له أيّ ترجمات فعلية عندما يتعلق الأمر بالشعب الفلسطيني وحقوقه وأهدافه، ولا يجد حتى ترجمات حقيقية تتعلق بحقوق المساواة، وهو يتابع مسار التمييز والفصل العنصري، وليس لديه الآن، وليس في جعبته شيء حقيقي يعتد به على كل هذا الصعيد. ومع هذا كله، وبالرغم من هذا كله فإن ثمة فرقاً ــ من واجبنا رؤيته ــ بين من لديه استراتيجية لإنهاء وجودنا الوطني، والإجهاز على حقوقنا الوطنية وتصفية قضيتنا ونسفها من أساسها، وبين «معسكر صهيوني» (نعم) ولكنه لا يمتلك، وليس لديه «الرغبة» حتى الآن، أو ليس لديه الشجاعة للوقوف ضد «المعسكر الفاشي» بسياسات وبرامج، وليس ادعاءات إعلامية وأحياناً إعلانية مبتذلة.
صحيح أن الفرق ما زال في الدرجة، وفي حدود متدنية من هذه الدرجة، وليس لها أي علاقة بالفرق من حيث النوع، إلّا أن ثمة فرقاً من واجبنا، ومن مصلحتنا رؤيته.
«الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة»، وكذلك «الحركة العربية للتغيير» يجب أن تنظرا إلى نجاح وإنجاح «التجمُّع» بناءً على هذا الاعتبار، ومن هذا المنظار بالذات، وأن تعتبرا هذا النجاح نجاحا للوطنية الفلسطينية، ونجاحا في معركة التصدي للمشروع الصهيوني، وفي معركة التحدي لهذا المشروع، خصوصاً وأن هذا الصراع موجود، ويجب أن يكون موجوداً خارج الكنيست قبل أن يوجد داخله، كما أن درء الأخطار الفاشية في إسرائيل هو معركة مصيرية بالنسبة لأهلنا في الداخل.
وبالمقابل فإن من المفترض بـ»التجمُّع» أن يرى معركة نجاحه معركة وطنية وأن «حلفاء الأمس» هم من صلب وصميم الحركة الوطنية إن لم نقل إن من المستحيل تصور الحركة الوطنية في الداخل الفلسطيني وعلى مدى عقود طويلة بمعزلٍ عن دور ونضال «الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة»، بل يستحيل الحديث عن حركة كهذه، وعن دورها الوطني والقومي، وكذلك دورها المميز في الحفاظ على الهويّة والقضيّة دون رؤية الدور الريادي والقيادي للحزب والجبهة على مدى كل هذه العقود.
كما أن دور «الحركة العربية للتغيير» في السنوات الأخيرة آخذ بالتجذّر الوطني، ومشاركة الحركة في معارك أهلنا في الداخل أصبحت ملموسة.
لغة المهاترات والمناكفات والأوصاف، والأوصاف المضادة ليست جواز مرور وطنيا لأحد، والانشداد إلى الهموم الوطنية المشتركة أجدى وأنفع وأنجع لشعبنا كلّه ولقضيتنا من كل جوانبها.
المرحلة صعبة وليس لديكم إلّا بعضكم البعض، وإذا اعتقدتم أن لكم فيما «تبقّى» من «القوائم» من سيساندكم، وأن يكون ظهيراً لكم، أو أن يكون فريقاً احتياطياً لكم فأنتم على خطأ، حتى لا أذهب إلى أبعد من ذلك.