كتب: عدلي صادق
حسمت قيادة حماس أمرها، وأوصلت ما انقطع مع الحكم في دمشق، علماً بأن هذا الأخير لم يتغير. وبدا واضحاً للوهلة الأولى، أن هذه الحماس، أدخلت نفسها في مأزق مع نفسها ومع بيئتها ومع الذين راهنوا عليها.
لهذا النظام في دمشق، وسائله الإيضاحية: فاتورة ضحايا بمئات الألوف من كل فئات الأعمار، وملايين من المشردين المنتشرين في العالم تتكفلهم الأمم لتخفيف بؤسهم، وهم الذين كانوا كراماً في بلادهم، ودمار لا إعمار له على مدى عقود ولو ساعدتها كل أمم الأرض، وحال انتهاكات صهيونية يومية للبلاد لا تلقى رداً، وأوضاع اجتماعية اقتصادية تتولاها عصابات من أغنياء الحرب الموصولين بالنظام لاستكمال اعتصار وتجويع شعب سوريا حتى الرمق الأخير، وصراع ثعالب يغطي جغرافية سوريا دُرة الأوطان، وفقر يتفشى ويتعمق، وكل ذلك لكي يبقى الأرعن في سُدة الحكم، علماً بأن اللئيمة العدوانية دولة الإرهاب، قادرة على تغيببه ـ مرة وإلى الأبد ـ في غضون ثلاثين ثانية!
فما الذي ستأخذه حماس من الحكم في دمشق، اللهم إن كان الشعار والعنفوان اللفظي الكاذب، يُعد مغنماً، يستحق أن تخاصم فيه حماس طيفها الأيديولوجي، وشعب سوريا النبيل، وذوي الضحايا وجموع المشردين، ما يؤدي الى مرارة هذا الشعب الكريم من الموقف الفلسطيني؟!
صحيح إن بعض أعداء هذا النظام من الحثالات، وأن بعض هذا البعض، مشبوه في نشأته وأصوله. لكن الصحيح أيضاً أن مديونية الفلسطينيين مستحقة لشعب سوريا الشقيق الذي وقف معنا في كل المراحل، وليس للنظام الذي قتل منا الألوف، على مر تاريخه.
السذج الذين صدقوا أن سبب محنة سوريا، هي التآمر والتكالب الإمبريالي، لا يريدون أن يتقبلوا الحقيقة، ولا يريدون أن يروا أن سلوك رأس الأفعى الإسرائيلية، الذي يعتدي ويقتل في محاذاته، وهو آمن، لا ينم عن محض تفكير لدى النظام العاهة، في أي مقاومة!
نفهم أن النظام العربي، يتوغل في الخطيئة، لكن هذا لا يعلل الدوران الى الوراء، واستعداء شعب سوريا وإنكار حجم الكارثة. فلا الأسد ولا روسيا التي فعلت في سوريا ما لم تستطع أن تفعله ـ بل لم تفكر في أن تفعله ـ في أوكرانيا، دماراً شاملاً للناس قبل العمران. فقد استباحت البلد الزاهي، وأحالته الى ركام اجتماعي واقتصادي وسياسي، ولم تجرؤ على استباحة أوكرانيا حيث حلفاء الصهيونية، وما تزال الحملة العسكرية الروسية في أوكرانيا، تتوسل أهدافها، مع مساندة الغرب للطرف الأوكراني، والتنسيق الروسي الإسرائيلي في سماء سوريا وعلى أرضها.
عندما يتعلق الأمر بمصير شعب هو في الأصل شعبنا قبل تقسيم سايكس بيكو؛ لا يجوز اللعب على الحبال، وبخاصة من فصيل يزعم أنه ذو عقيدة. أقصى ما يمكن أن يقدمه السياسي، الذي يراعي ظروف شعبه وقضيته هو أن يصمت.
الأمريكيون وإسرائيل، يريدون للأسد أن يبقى، ولا حلفاء حقيقيين لشعب سوريا. وضعهم كوضعنا بكل أسف، فالمطلوب منا ومن شعب سوريا، أن نظل ننزف ونعاني حتى تتحول بلادنا الى حالات بائسة بلا مناعة.
لن تقبض حماس من نظام الأسد سوى الريح الكريهة، وسوف تتفاقم ازمتها الناشئة عن الفجوة الهائلة بين ما بدأت به وتنتهي اليه، ولا يختلف اثنان على أن منتسبيها أنفسهم لن يتقبلوا ما ذهبت اليه، بحكم ما تشبعوا به في الخطاب الأول. ثم إن هذا النظام أصلاً لا يمانع في الوصل مع أنظمة تطبيعية، ومع الأمريكيين انفسهم.
التطبيع نوعان، واحد يتقبل دولة العدوان ويرى العلاقة معها طبيعية، والثاني يتقبل ضربات وانتهاكات دولة الاحتلال ويراها طبيعية.
يمكن لكاتب هذه السطور أن يتراجع عن معظم ما جاء في هذا النص، إن اتفقت حماس مع نظام الفساد والاستبداد، على إقامة قواعد ارتكاز ترد من سوريا على أي عدوان تتعرض له فلسطين وسوريا، وهذا من سابع المستحيلات. بل إن هذا النظام لو سمح لحماس بأن تؤسس قواعد لها، فإنه خير من يعرف أن النتيجة التي يعرفها هو، أن شبابنا سيُقتلون في مهاجعهم ولن يحميهم من لا لا يحمي قواته وضيوفه وحلفائه.
أما امتداح أي طرف لنظام كالذي يحكم في دمشق، بمفردات التراجع والندم، فهو من نوع الممارسات الخائبة التي لا يمكن الدفاع عنها.
(لكل الواهمين، المؤيدين لنظام دمشق، أقول كوطني فتحاوي، لا تهاون في الرأي، مع الذين ظلوا على مر عقود، يكيدون للزعيم الشهيد الباسل ياسر عرفات).