تصادف هذه الأيام الذكرى السابعة عشر للانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، وتتزامن أيضاً مع الذكرى الـ 29 لتوقيع اتفاق أوسلو. ذهب أوسلو وبقي حل الدولتين كشعار يتغنى به المجتمع الدولي، ممثلاً بالولايات المتحدة الأمريكية ودول الإتحاد الأوروبي، حتى الدول العربية. وإسرائيل هشمته كما هشمت اوسلو.
ومع مرور الزمن أصبح حل الدولتين ليس مقدسا، لدى إسرائيل، وتدعم ذلك الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية ونفاقها وكذبها بشأن تطبيقه. وخطاب بنيامين نتنياهو في جامعة بار إيلان، حيث قال إنه يؤيد حل الدولتين، وبعد ذلك، عشية انتخابات الكنيست، قال إنه لن تقام دولة فلسطينية خلال ولايته.
وما نشهده في الفترة الراهنة، وقبل ذلك خلال 29 عاماً من سياسة الانتظار في الأنفاق التي تتبعها السلطة الفلسطينية، وتعليقها آمال بعيدة المنال.
ويجري البحث في اتجاهات أخرى في سياق الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، ولا يوجد أي أفق لتسوية بين إسرائيل والفلسطينيين.
ولا توجد فروق بين الإسرائيليين، ووهم ما يسمى اليسار واليمين وبرامحهم المتطابقة تقريباً. وغالبية في إسرائيل ومن بإمكانه اتخاذ القرار فيها وتوجهاتها العامة هي التنكر لحقوق الفلسطينيين، وعدم الاعتراف بوجود شعب فلسطيني.
والاستمرار في السيطرة على الشعب الفلسطيني، والإستراتيجية الإسرائيلية مبنية على الضم وحسم الصراع.
المتابع للسياسة الإسرائيلية والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، بما فيها الحكومة الأخيرة “حكومة التغيير”، الجميع يتخذ التكتيك نفسه الذي مارسه نتنياهو خلال الـ 12 عاماً الماضية من حكمه، والاستناد إلى كسب الوقت. وترسيخ سياسته التي سار عليها.
وجميع القادة الإسرائيليون يطالبون الفلسطينيين، مرة “الاعتراف بإسرائيل على أنها دولة الشعب اليهودي”، ومرة أخرى “بالقضاء على الإرهاب، ووقف التحريض”، كما يجري الآن. وكل ما يقدمونه في ظل تزايد أعمال المقاومة في الضفة الغربية يستنجدون بالسلطة الفلسطينية، ومطالبتها بالقيام بدورها الأمني،
وهذه الفترة تعتبر من فترات الشدة بالنسبة لإسرائيل، يتم الحديث إلى تقديم بادرات حسن النية والتسهيلات الاقتصادية، تحت ما يسمى “السلام الاقتصادي”، ونظرية تقليص الصراع.
الجيش الإسرائيلي يستبيح مدن الضفة الغربية، وفشل في تحقيق أهدافه بالقضاء على المقاومة، وحملاته العسكرية “كاسر الأمواج” المستمرة منذ نحو أربعة أشهر. وارتفاع وتيرة المقاومة في مناطق مختلفة في الضفة، وليس في جنين ونابلس فقط. الحكومة الإسرائيلية واليمين يستفردوا في الضفة الغربية وخاصة مناطق “ج” ولا تريد العودة إلى نابلس والخليل وإعادة الجيش إلى مراكز المدن الفلسطينية، لكنهم يريدوا السيطرة على الفلسطينيين والاستمرار في ترسيخ نظام الفصل العنصري.
ويطالبوا السلطة بالقيام بدورها بقمع الفلسطينيين ومقاومتهم، والحكومات الإسرائيلية وأقطابها يرغبون باستمرار الوضع الراهن، والتي تعتبره إسرائيل مريح وما كان يرافقها من حالة السكون والانتظار، والحفاظ عليه، ووقف المقاومة، والقيام بالتكتيك القائم للوصول للهدف الأساسي بإقامة أرض إسرائيل الكاملة.
وهي لا تريد تفجر الوضع الراهن، من دون أي تغيير فيه. برغم كل التصريحات والتهديد بشن عملية عسكرية واسعة في الضفة الغربية، هي جزء من عملية الردع.
إسرائيل تريد من السلطة الفلسطينية والأجهزة الأمنية وكيل أمني وهي تضغط على الفلسطينيين أن يكونوا “عبيد”، والمقولة السائدة في العقيدة الصهيونية “العربي الجيد هو العربي الميت”، والتي رددها العديد من قادة الحركة الصهيونية، ورددها سياسيون وأمنيون أثناء اجتياح الجيش الإسرائيلي للضفة الغربية “عملية السور الواقي” في العام 2002، واعتقال قادة الأجهزة الأمنية، والاعتماد على الجيش الإسرائيلي بقتل واعتقال الفلسطينيين.
وأن تستمر في تكثف البناء الاستيطاني ومواصلته، وتهجير الفلسطينيين من قراهم وتدميرها، كما يجري في مسافر يطا، والاغوار، وترسيخ نظام الفصل العنصري.
“العربي الجيد هو العربي الميت”، الذي يقبل بالفوقية اليهودية، وتريده إسرائيل خاضع ومستلم للعدوان الاجرامي المستمر ضده، وحرمانه من حقه في المقاومة من أجل حريته والمطالبة بحقوقه الوطنية العادلة.
والاستسلام لنهب ممتلكاته وسرقة أرضه وموارده، وعدم مقاومة الاعتقالات والقتل اليومي، والاغتيالات والاعدام الميداني بالقتل على الشبهة. وفصل مدن الضفة الغربية بالحواجز العسكرية، وأن يعاني الفلسطيني الفقر والبطالة.
وابتزاز المرضى وحرمانهم من الحق في الرعاية الصحية وتلقي العلاج، والقيود المفروضة على حرية الحركة، وأن يبقى محاصراً في سجن كبير. وهدم البيوت، وبطش وعربدة المستوطنين، وقائمة الجرائم والانتهاكات المستمرة.
نحن موجودون في عصر غياب العدالة والكذب والتدليس، وعدم قول الحقيقة، والقهر والظلم، والضغط على الفلسطينيين للرضوخ للاحتلال ونظام الفصل العنصري.