شكّل مقطع مصور لأحد أحياء دمشق بعد عرضه من وسائل إعلام عبرية صدمة بين الأوساط العربية والسورية، خاصة بعد الكشف عن قيام مجموعة كوماندوز إسرائيلية بالانتقال إلى قلب العاصمة السورية وخطف أحد الأشخاص قبل إعادة إطلاق سراحه بعد مدة في بلد أفريقي.
ومنذ أكثر من عامين، اعتقلت الاستخبارات السورية عددًا من المشتبه في تعاونهم مع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، سواء من عناصر عسكرية أو موظفين في الدولة أو مواطنين عاديين، وذلك بعد تعاون وثيق مع جهاز أمن المقاومة الإسلامية في لبنان، وفق ما أوردته صحيفة الأخبار اللبنانية في تقرير لها اليوم السبت حول الكشف عن أحد شبكات التجسس التي عملت لصالح جهاز الموساد في أوروبا ولبنان وسورية.
وأوضحت الصحيفة اللبنانية، أنه وبعد انكشاف شبكة التجنيد الكبرى بواسطة شبكات التواصل الاجتماعي نهاية العام الماضي في لبنان، تمكنت الأجهزة اللبنانية من العثور على دلائل تشير إلى تجنيد سوريين موجودين داخل سوريا، لافتة أنه حصل تنسيق غير مباشر أدى إلى توقيف غالبية هؤلاء.
ولفتت الصحيفة إلى أن الاستخبارات الإسرائيلية هي من يقف خلف عمليات التجنيد لأجل القيام بجمع معلومات تخص مراكز عسكرية وأمنية ومدنية للنظام، وكذلك لقوات الحرس الثوري الإيراني ومراكز حزب الله في عدة مناطق من سوريا.
وإلى جانب التجنيد المباشر الذي شمل مواطنين سوريين في مناطق الجنوب المتاخمة للجولان المحتل أو القرى اللصيقة بالحدود الشرقية الجنوبية للبنان، كان لافتاً أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية عمدت إلى التركيز على تجنيد عملاء من أبناء مناطق الساحل السوري والذين ينتمون إلى الطائفة العلوية، لاعتقادها بأن هؤلاء يتمتعون بحرية حركة أكبر داخل سوريا وداخل المؤسسات العسكرية والأمنية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الاستخبارات الإسرائيلية استغلت الأزمة الاقتصادية في سورية لتجنيد عدد من اللاجئين السوريين في أوروبا وبعض الدول العربية لإنجاز مهام بالتعاون مع أقاربهم أو أعوانهم داخل القطر السوري مقابل مبالغ مالية كان يجري تبرير وجودها بدعم المنظمات الإنسانية العالمية للسوريين المتضررين من الأزمة.
الطبيب العميل
تبلغت السلطات السورية معلومات أولية عن الطبيب العميل، وبعد التدقيق أوقفت السلطات السورية أفراد عائلة الطبيب السوري وآخرين من أصدقائهم وتم التحقيق معهم، وقد تبين أن والده وشقيقيه قد أقرا بالتعامل عن معرفة لاحقة، وأنهم وقعوا ضحية المغريات المالية من جهة، وأنهم كانوا يعتقدون أنهم يساعدون على تحسين الواقع الاقتصادي والمعيشي في سوريا.
تم العثور على أجهزة كومبيوتر وهواتف وعلى مواد خاصة بعدد من الوزارات السورية بحوزة الموقوفين، خصوصاً أن المشغل الإسرائيلي كان يسعى إلى جمع كل الخرائط التي تعطيه فكرة على كل ما هو موجود تحت الأرض في العاصمة السورية ومحيطها، سواء بما خص شبكات المياه أو الصرف الصحي أو الهاتف أو الأسلاك الكهربائية وخلافه، بالإضافة إلى معطيات حول الجهات المسؤولة وأسماء المسؤولين عنها ومعطيات عنهم وبياناتهم الشخصية، وفق “الأخبار اللبنانية”.
كما أوقف فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبنانية طبيباً سورياً، دخل لبنان عبر مطار بيروت خلال شهر أغسطس الماضي ، يعمل لمصلحة الموساد الإسرائيلي.
وبحسب صحيفة الأخبار، وأثناء متابعة ضباط الفرع للحسابات الإلكترونية المستخدمة من قبل ضباط أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية التي يتواصلون عبرها مع عملاء أوقفوا في وقت سابق، حُدِد شخصٌ يستخدم أرقاماً سورية وسويدية تواصلت مع الموساد الإسرائيلي بين عامي 2020 و2022، ليتبين أنها تنشط في محيط مطار بيروت الدولي.
كان الطبيب يأتي من السويد إلى بيروت ثم ينتقل براً إلى سوريا، وأفاد للمحققين بأنه طبيب أمراض داخلية وكلى، يرأس قسم أمراض الكلى في أحد مستشفيات استوكهولم، ويتقاضى لقاء عمله مبلغ 7.3 ألف يورو وأنه يسافر باستمرار.
بداية الارتباط
أخبر الطبيب الموقوف معين يوسف يوسف، من مواليد العام 1969 في اللاذقية على الساحل السوري أن شخصاً تواصل معه عبر البريد الإلكتروني عام 2018، وأعلمه أنه يدعى “كريستوفر” ويعمل في شركات تُعنى بالبيئة وتنقية المياه، عارضاً عليه المساعدة في مشروع تنقية المياه في سوريا، كاشفاً أن هذه المشاريع خيرية ومجانية. فأبلغه موافقته ليحصل تواصل هاتفي بينهما قبل أن يلتقيا بعد نحو شهر في فندق الشيراتون في استوكهولم حيث جرى الحديث عن المشروع.
اقترح الطبيب معين أسماء أشخاص للعمل معه في المشروع هم شقيقاه لؤي ومازن، علماً أن الأول عقيد متقاعد في الجيش السوري والثاني عميد في الجيش السوري ويقع مركز خدمته في قسم الهندسة الطوبوغرافية (تقاعد بداية العام الحالي)، إضافة إلى زوجة شقيقه التي تعمل مهندسة مدنية في البلدية.
وأفاد الطبيب بأنه تلقى في نهاية اللقاء (150) يورو بدل تنقل من اسكلستونا إلى استوكهولم وبدل تعطيل يوم، وأبلغ المحققين أنه تواصل مع عدد من الأطباء السوريين طالباً منهم تزويده بأسماء المناطق التي تحتاج إلى تنقية المياه، ثم اختار منطقة “صحنايا” الواقعة في ريف دمشق.
ويحسب الصحيفة ” وفي اللقاء الثاني، حضر “كريستوفر” برفقة شخص آخر عرفّه به على أنه خبير في تنقية المياه وطلبا منه في نهاية اللقاء أن يحضر خريطة جغرافية عن توزيع شبكة المياه في البلدة وطُلب منه التقاط صور لأماكن خزانات المياه والأماكن التي ستُستخدم لتكرير المياه.
بالفعل سافر الطبيب ليلتقي رئيس بلدية “صحنايا” ليُخبره بالمشروع ويُحضر الصور والخريطة المطلوبة، أما اللقاء الثالث فحصل في براغ في تشيكيا على هامش مؤتمر يشارك فيه الطبيب حيث تعرّف هذه المرة إلى مدير مشروع تنقية المياه المزعوم الذي أخبره أنه يوناني الأصل يُقيم في سويسرا ويُدعى “بول”، وحصل اللقاء في مطعم لبناني ليزود الطبيب الرجلين بالخرائط والصور.
استمر التواصل بعدها مع مدير المشروع عبر تطبيق الواتساب ليجري الحديث في أمور العمل والحياة الشخصية والسياسة، وطُلب منه تزويدهم بتفاصيل حياة أهله وأشقائه والأعمال التي يُزاولونها سابقاً وحالياً وأرقام هواتفهم.
اللقاء الرابع حصل عام 2019 في إيطاليا بعدما طلب منه “صاحب المشروع” السفر إلى ميلانو على حسابه الخاص للقاء مسؤول في الاتحاد الأوروبي، حيث دار الحديث عن العقوبات على سوريا وكيفية تجنبهم هذه العقوبات في المشروع الخيري.
في هذا اللقاء اقترح الطبيب على المسؤول المذكور تمويل معمل الإسمنت الذي يملكه والده، فأجاباه بأنه لا بد من تخفيض العقوبات الأوروبية قبل البدء بهذا المشروع، وفي نهاية اللقاء، نقدّه صاحب المشروع مبلغ (550) يورو بدل سفر وحجز فندقي.
يذكر الطبيب أن الأحاديث كانت تتمحور حول حياته الخاصة أكثر من المشروع من دون أن يحصل أي تقدم، فسألهم عن السبب ليبلغوه بأن سبب ذلك مرده عدم القدرة على تجاوز العقوبات الأوروبية طالبين منه أن يصبر.
استمر التواصل مع “مدير المشروع” بمعدل مرة أسبوعياً حيث بدأ يتواصل مع والده وشقيقيه لؤي ومازن، علماً أن والده يدعى يوسف عمره (85 عاما) ويعمل في تجارة الحديد والإسمنت.
في صيف 2019، حصل لقاء في سويسرا لمدة تقارب الساعة والنصف، وكانت الأحاديث خاصة عنه وعن إخوته، فأعرب الطبيب عن تذمره لأن هكذا حديث لا يستأهل السفر إلى سويسرا، فأجابه محدثه بأنه يعتبره صديقه ويُسر بالحديث معه بغض النظر عن المشاريع، ثم طلب منه خريطة شاملة لشبكة توزيع مياه دمشق، مبرراً ذلك بدراسة جدوى إقامة عدة مشاريع لتنقية المياه ثم نقدّه مبلغ 1200 يورو بدل تذكرة سفر وحجز فندقي ويوم تعطيل.
ويقول الطبيب إن شكوكاً ساورته حينها بسبب عدم تنفيذ أي من المشاريع، أخبر الطبيب المحققين أنه اعتبر أن طلبات صاحب المشروع كانت غير منطقية وغير مترابطة، لكنه تابع التواصل آملاً في أن تتضح الصورة لديه.
وقال الطبيب الموقوف أنه حتى شهر تموز عام 2020 كانت جميع اللقاءات تتمحور حول مشروع تنقية المياه، لكن منذ شهر آب 2020 بدأ التحول الذي فهم عبره الطبيب طبيعة العمل الأمني، حيث اتصل به “المشغل” بعدها عبر تطبيق الواتساب وطلب منه تحميل برنامج مخصص للتشفير وشرح له تفصيلياً الخطوات اللازمة، وطلب منه تفعيل تطبيق الواتساب على الخط السويدي على أن يتواصل منه مع شقيقه مازن الضابط في الجيش السوري.
طلب صاحب المشروع “المشغل” من الطبيب احتساب التكاليف لإعطائه إياها ثم التقيا في سويسرا، وحصل اتصال هاتفي بين الطبيب وصاحب المشروع من جهة وشقيقه مازن ووالده من جهة أخرى، وبعد أن اطمأن عليهم أبلغهم أنه سينقل التجهيزات معه إلى سوريا لبدء العمل.
أبلغ الطبيب المحققين أن صاحب المشروع، تصرف معه بطريقة مختلفة عن السابق، وكان يتوجه له بلغة الأمر، وأظهر جدية وصرامة لم يُظهرها في أي وقت سابق، وأنه اكتشف أن ما يسعى وراءه لا يمت إلى الأعمال الخيرية بصلة، إنما تبين له أنه كان يتواصل مع أحد ضباط الموساد الإسرائيلي الذي يسعى لمعلومات أمنية من أشقائه في سوريا، وأنه اتُخذ وسيطاً لإتمام مهمته كون تواصله مع أشقائه في سوريا لن يُثير الريبة والشكوك لدى الأجهزة الأمنية.
وفي إفادته، قال الطبيب إنه فور وصوله إلى سوريا اجتمع بوالده وشقيقيه لؤي ومازن وأعلمهم أن ليس هناك أي مشاريع خيرية وأن الشخص الذي يتعاملون معه ضابط في الموساد الإسرائيلي، فجرى نقاش بينهم ثم قرروا متابعة التواصل والتعامل معه، وعلّم شقيقه مازن على كيفية استخدام الأجهزة حيث قام بتجربة إرسال ملف بعد تشفيره عبر أحد التطبيقات على الحاسوب بواسطة رمز المرور الذي زوده به المشغل.
بعد استكمال التحقيق مع الطبيب الموقوف، عاد واعترف أنه من أقنع شقيقه مازن بالعمل مع المشغل الذي كان يطلب منه الاستمرار بتحفيز شقيقه على استكمال العمل مقابل مبالغ مالية، وذكر أنه نقل مبلغ 1500 يورو لشقيقه، كما كان المشغل يُرسل هدايا لشقيقه مازن حيث كان ينقلها الطبيب معه عبر مطار بيروت.
وأفاد الطبيب المحققين بأن ذلك حصل أربع مرات، أما الهدايا فكانت عبارة عن علب سيجار وقلم حبر وعلبة غليون وزجاجات عطر. وكان المشغل يرسل الهدايا لوالده وشقيقه الآخر وزوجته، كما أرسل مبالغ مالية مرتين لوالده، الأولى كانت 500 يورو والثانية 1200 يورو. وذكر أنه في مرة أخرى دفع له 1500 يورو ثم مبلغ 2300 يورو وزعها على شقيقيه ووالده. وفي مرة أخرى أعطاه مبلغ 6 آلاف يورو طالباً منه أن يعطي 4500 يورو منه لشقيقه مازن، و1500 يورو لشقيقه لؤي ووالده.
أما المهمات التي كُلِف بها شقيقه الضابط في الجيش، فكانت إرساله خرائط لبلديات تابعة لمدينة دمشق وريفها تتضمن تفاصيل عن الطرقات و”الأوتوسترادات” والجسور، كما تواصل معه في إحدى المرات شخص يتحدث بلهجة أردنية طالباً منه جمع معلومات عن شخصين موجودين في سوريا.
وختمت الصحيفة اللبنانية ” لم يسبق أن أعلنت سورية رسمياً عن هذه التوقيفات أو غيرها، والمصادر الرسمية فيها لا تعلق على هذه الأخبار، لكن الأكيد أن السلطات السورية أقامت محاكمات عسكرية للعملاء الذين أدينوا بالتعامل مع العدو، وطبقت بحقهم العقوبات المنصوص عنها في القانون السوري والتي تقضي في غالبية الحالات الشبيهة بالإعدام شنقاً أو رمياً بالرصاص”.