مع مغادرة الوسيط الأميركي لحل مسألة الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، آموس هوكستين، ظَهَر في “إسرائيل” تباين واضح إزاء مسألة موعد بدء إنتاج الغاز من حقل “كاريش”، بين كلام منقول عن مصادر أمنية وسياسية، مستنداً إلى إشعار من شركة “إنرجيان” بأنّ استخراج الغاز لا يمكن أن يبدأ في أيلول/سبتمبر، بل في منتصف تشرين الأول/أكتوبر المقبل أو آخره، وبين بيان لشركة “إنرجيان” نفت فيه التقارير عن تأجيل موعد تشغيل “كاريش”، مؤكدةً على لسان مديرها العام ماتيوس ريغاس أنّ “مشروع كاريش يتقدّم بحسب الجدول الزمني لبدء الاستخراج في غضون أسابيع”.
كذلك، ظهر تباين في الأسباب الموجبة لتأجيل الاستخراج، إذ قالت وزيرة الطاقة الإسرائيلية، كارين الهرار، إنّ تأجيل الاستخراج تقني، ولا علاقة لتهديدات حزب الله فيه، مقابل حديث معلقين عن أنّ التأجيل “سياسي”. ومع ذلك، أكدت الهرار أنّ المفاوضات عبر الوسيط الأميركي أحرزت تقدّماً، ولكنّها لم تصل إلى خواتيمها بعد.
وزيرة الطاقة الإسرائيلية: تأجيل ضخ الغاز من “كاريش” تقني
رغم الجولة التي قام بها المبعوث الأميركي الوسيط في المفاوضات البحرية بين لبنان و”إسرائيل”، خلال اليومين الماضيين، حيث التقى خلالها مسؤولين من الطرفين، استمر الصمت مسيطراً بشكل شبه تام لدى المسؤولين الإسرائيليين إزاء ملف الحدود البحرية مع لبنان، فلم يُسجل أي موقف أو تصريح في الفترة الأخيرة، باستثناء ما قالته وزيرة الطاقة الإسرائيلية، كارين الهرار، في مقابلة أجرتها مع “إذاعة 103 أف أم”، الخميس، بأنّ التأجيل تقني، ولا علاقة لتهديدات حزب الله به، وإنّ المفاوضات أحرزت تقدّماً، ولكنها لم تصل إلى خواتيمها، والاحتمالات ما زالت مفتوحة.
الهرار لفتت إلى أنّ توصياتها إلى شركة “إنرجيان” المسؤولة عن استخراج الغاز من حقل “كاريش”، كانت دائماً “أن تنتج بشكل سريع”.
وأضافت الهرار أنّه “يجب أن نعي أنّ المنصة وصلت إلى المنطقة في شهر تموز/يوليو الماضي، ومنذ ذلك الوقت، والأعمال جارية، ومن الطبيعي أنّ يواجه العمل التقني مشاكل على الأرض، وببساطة هذا هو سبب التأجيل، ولا علاقة للأمر بالمفاوضات”.
وبشأن سير المفاوضات البحرية غير المباشرة مع لبنان، أشارت مصادر مطلعة إلى أنّ “المفاوضات تواجه صعوبات بعد أن بدا أنّ الطرفَيْن قريبان من الحلّ”.
صحيفة “يديعوت أحرونوت” نقلت عن مصدر سياسي قوله إنّه “حتى الساعة، لا يتوقع توقيع الاتفاق مع لبنان، لأنّ حزب الله لا يسمح للحكومة بالتوقيع على اتفاق ثنائي مع إسرائيل. وعلى ما يبدو، ستنتهي القضية بتفاهمات واتفاقات، وعلى الأكثر، سيتم إيداع ورقة في الأمم المتحدة يفصل فيها خط الحدود المتفق عليه”.
تباين بشأن موعد استخراج الغاز وأسبابه
في تقرير نشرته صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، نُقل عن مصادر أمنية وسياسية قولها، بعد تلقيها إخطاراً بذلك من شركة “إنرجيان” التي تشغّل منصّة “كاريش”، إنّ “استخراج الغاز من كاريش لا يمكن أن يبدأ في الشهر الحالي، بل في منتصف الشهر المقبل تشرين الأول/أكتوبر أو آخره”.
ولفتت المصادر إلى أنّ هذا الإخطار يُبدد التوتر، و”يمكن أن يوفّر لحكومتي إسرائيل ولبنان إلى حينها إمكانية إنجاز اتفاق”.
وأضافت المصادر أنّ التأجيل لشهر أو أكثر “سيضع نصر الله في مصيدة، بعد أن أعلن أنّ حزب الله لن يسمح لإسرائيل باستخراج الغاز من كاريش طالما لم يضمن لبنان حقوقه”.
في المقابل، نقل مراسل الشؤون الدبلوماسية في صحيفة “إسرائيل هيوم”، أريئيل كاهانا، عن شركة “إنرجيان” نفيها التقارير عن تأجيل موعد تشغيل “كاريش”، ومع ذلك، لم تُحدّد الشركة موعداً لبدء الإنتاج.
كاهانا نقل أيضاً عن مدير عام شركة “إنرجيان”، ماتيوس ريغاس، قوله إنّ “مشروع كاريش يتقدّم بحسب الجدول الزمني لبدء الاستخراج في غضون أسابيع.. التاريخ المحدد لتدفق الغاز في الشبكة هو 20 أيلول/سبتمبر الحالي، وبعد ذلك فوراً نبدأ ببيع الغاز التجاري”.
وأضاف ريغاس، وفقاً لموقع “غلوبس”، أنّ “الشركة على علم بالمفاوضات الجارية بين إسرائيل ولبنان بوساطة الولايات المتحدة الأميركية، ولدينا ثقة كاملة بإسرائيل وبحكومتها وقدرتها على حماية مصالحها”.
وفي سياق متصل، كشف موقع “غلوبس” أنّه في الشهرين الماضيين، وخصوصاً في الأسابيع القليلة الماضية، كانت هناك ضغوط متزايدة من قبل “إسرائيل” والولايات المتحدة الأميركية على شركة “إنرجيان” لتأجيل إنتاج الغاز حتى انتهاء المفاوضات حول الحدود البحرية.
وأضاف الموقع أنّ “مصادر في إسرائيل تخشى أن ينفذ حزب الله تهديداته بمهاجمة منصات كاريش، تمار وليفيتان، الأمر الذي سيؤدي إلى إفشال المفاوضات وحصول تصعيد”.
ووفقاً للمصادر هذه، فقد تلقت “إنرجيان” رسالتين (متباينتين)، الأولى مفادها أنه من الأفضل تأجيل الإنتاج، والثانية مضمونها أن ليس الجميع في “إسرائيل” موافقاً على ذلك، وأنّ الإصرار فعلياً على الموعد المحدد سيعزز الموقف الإسرائيلي، ويدفع إلى الوصول إلى اتفاق.
ولفت موقع “غلوبس”، في تقريره، إلى أنّ الذين يضغطون على شركة “إنرجيان” يواجهون عقبتين اثنتين، الأولى تتمثل في شركة “إنرجيان” نفسها، التي لها اعتبارات مالية وجدول زمني موعود للعملاء والمستثمرين. أما العقبة الثانية، فهي خلافات الرأي في “إسرائيل” بشأن الرد على حزب الله بما في ذلك تأجيل إنتاج الغاز.
وبحسب موقع “غلوبس”، فإنّ عدم الرد الإسرائيلي على تهديدات السيد نصر الله وعلى إرسال الطائرات المسيرة في اتجاه منصة “كاريش”، قوبل بانتقادات حادة داخل المؤسستين الأمنية والعسكرية في “إسرائيل”، إذ إنّه وفقاً لمصدر سياسي إسرائيلي رفيع “أدى إلى اشتداد حدة تصريحات نصر الله ورجاله”.
المصدر نفسه أضاف أنّه في نقاشات في منتديات مختلفة، مثل مجلس الأمن القومي، عرض التقدير القائل إنّ تأجيل إنتاج الغاز من “كاريش” يعني الاستجابة لإنذار حزب الله وتعزيز مكانته في لبنان، وهذا الوضع سوف يستدعي مزيداً من الضغط.
في المقابل، طرح تقدير آخر في “إسرائيل” أنّ حزب الله غير مهتم بحرب حقيقية، لكنه قد يخوض ما يُعرف بـ “يوم قتالي”.
الاتفاق يُعزّز الردع المتبادل
استمر تفاؤل المعلقين في “إسرائيل” بشأن التوصل إلى اتفاق قريب مع لبنان حول الغاز والحدود البحرية، في مقابل آخرين تحدثوا عن عراقيل تعترض التوصل إلى اتفاق، وإشارة البعض إلى أنّ “إسرائيل” قد تودع الأمم المتحدة وثيقة تحدد فيها حدودها البحرية.
محلل الشؤون العسكرية ألون بن دافيد رأى، في صحيفة “معاريف”، أنّ “إسرائيل أظهرت مرونة في المفاوضات، ووضعت مقترحاً هو Win-Win (رابح – رابح). بحسب المقترح الإسرائيلي، فإن خط الحدود سيُعدّل بحيث يكون حقل الغاز كاريش وهوامشه الأمنية في الجانب الإسرائيلي، وكل حقل قانا سيكون في الجانب اللبناني”.
وأضاف: “الفكرة هي إنتاج ميزانٍ ردع مستقر: مقابل المنصة الإسرائيلية ستكون هناك المنصة اللبنانية، وكل طرف سيعلم أنّ استهداف منصة الطرف الثاني سيؤدي أيضاً إلى خسارته لمورده من الغاز”.
بن دافيد أشار إلى أنّ “الاتفاق المرتقب مع لبنان على الحدود البحرية، الذي سيجتث بصورة دراماتيكية حافزية حزب الله للاحتكاك بإسرائيل، هو ذو أهمية استراتيجية تفوق أهمية اتفاقات أبراهام”.
ولفت بن دافيد إلى أنّه “في حال وقّع اتفاق حول الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، ووجدت منصتان بشكل متقابل على جانبي الحدود، عندها توجد فرصة لا بأس بها لإرساء ميزان ردعٍ أكثر استقراراً في قبالة حزب الله ولبنان”.