بقلم: د.هاني العقاد
توظف تل ابيب كل ما لديها من علاقات دولية مع الدول الخمس الطرف الدولي المكلف بالتوصل لاتفاق مع إيران حول برنامجها النووي وتكثف اتصالاتها مع الولايات المتحدة باعتبارها أكبر قوة مركزية تمتلك القرار الاول والاخير في موضوع الاتفاق النووي مع إيران وهي المخولة للإعلان عن التوصل لهذا الاتفاق. بعد ان تسربت مسودة الاتفاق النووي الإيراني لتل ابيب وسلمت لطهران وتوافر مؤشرات بموافقة إيرانية على المسودة مع بعض التعديلات الإجرائية ودولة الاحتلال قامت قيامتها، لم ينم سياسي صهيوني فيها نومه المعتاد ,(يائير لابيد) يغدو ذهابا وإيابا في غرفة مكتبه كالبقرة التائهة , وزير الحرب (بيني غانتس) يطلق التهديدات ويعلن “ان دولة الاحتلال ستكون خارج أي اتفاق بين الدول الكبرى وإيران,” المستوى السياسي والأمني الصهيوني اجمع ان الاتفاق سيئ لدولة الاحتلال ليس الان وانما عند التوقيع عليه في العام 2015 والمخاطر التي تتعلق به اليوم أكبر بكثير واوعزوا لقادة جيش الاحتلال والموساد بالقيام بالاستعدادات اللازمة لمواجهة أي سيناريو متوقع.
زيارات متتالية لقادة الاحتلال العسكريين والامنيين لواشنطن واتصالات على مدار الساعة , وزير الجيش (بيني غانتس) التقى (جيك سولفيان) مستشار الامن القومي الأمريكي مطولا واستعرض خلال اللقاء اهم المخاطر التي ستترتب على توقيع هذا الاتفاق والتي من شانها ان تبقي التهديد الايراني لدولة الاحتلال ودول المنطقة على حاله دون تغيير زاعمين انه لن يوقف مضي ايران نحو امتلاك السلاح النووي , (بيني غانتس) اقترح بعض التعديلات على الاتفاق لتقبل به دولة الاحتلال أهمها ,عدم ربط الاتفاق بسقف زمني أي انه يعارض ان يكون الاتفاق حتى عام 2031 وما يريده اتفاق ابدي بالإضافة الي تخفيض عدد معامل الطرد المركزي الذي سيسمح بها في اطار الاتفاق . رئيس الموساد (ديفيد بارنيع) وهو صاحب توجه متطرف ومعارض جداً لتوجه ادارة بايدن فيما يتعلق بالاتفاق سيتحدث أمام لجنة الاستخبارات التابعة للكونغرس، ومجلس النواب الأميركي، ليشرح موقف تل ابيب لعودة أميركا إلى الاتفاق النووي موضحا الأسباب التي تجعل دولة الاحتلال تعارض توقيع الدول الكبرى على هذا الاتفاق. (يائير لابيد) سيتوجه الى المانيا للقاء (اولاف شولتس) باعتبار المانيا أحد اهم الدول الخمس بعد الولايات المتحدة التي ستوقع على الاتفاق لمحاولة إقناعه برفض التوقيع على الاتفاق باي شكل كان.
دولة الاحتلال تستغل الوقت المتبقي لتوقيع الاتفاق وتعمل في الوقت الحالي على تأخيره لأبعد وقت ممكن لتتمكن من التأثير على صياغة الصفقة النهائية للاتفاق بالتالي تكون قد حققت شيئا في حال افلاسها بإفشال التوقيع عليه .الاتفاق يتكون من اربع مراحل ويحتاج الى خمسة شهور ليدخل حيز التنفيذ وهذه مدة كافية لان تدس دولة الاحتلال انفها في الاتفاق مع الاخذ بالحسبان احتمالية توجيه ضربات سرية لمعامل الطرد المركزي الإيراني وتنفيذ اغتيالات للعلماء الإيرانيين المسؤولين عن عمليات تخصيب اليورانيوم وتجهيزها للقنبلة النووية. هنا نلخص بعض الأسباب التي جعلت دولة الاحتلال تدس انفها في هذا الاتفاق وتعارضه، أولها انها لا تريد ان تستقر المنطقة وبقاء إيران خارج أي اتفاق يعني استمرار التوتر الذي تحاول دولة الاحتلال استخدامه كبيئة خصبة لخدمة مصالحها في المنطقة وعدم توقيع الاتفاق يعني ان إيران مستمرة في تهديد المنطقة بما فيها دولة الاحتلال من خلال التوصل للسلاح النووي الذي تهدد به مسح دولة الاحتلال من على الخريطة. السبب الثاني الذي يجعل دولة الاحتلال تحارب من اجل افشال التوقيع على الاتفاق هو ان انتهاء ازمة النووي الإيراني واقتناع دولة الاحتلال بذلك سيحول انظار العالم الى السلوك العنصري الاحتلالي على الأرض الفلسطينية باعتباره سلوكا يوتر المنطقة ويهدد بتفجير صراع دامي من فترة الى اخرى وبالتالي سينبه العالم اكثر لمخاطر الاستيطان والتهويد والابارتيد وفرض وقائع لحل الصراع من طرف دولة الاحتلال ما يحول الضغط الدولي على دولة الاحتلال للانصياع للرغبة الدولية في انهاء الاحتلال والجلوس على طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين على أساس قرارات الشرعية الدولية التي تتجاهلها دولة الاحتلال منذ وقت طويل . السبب الثالث هو تأثر اتفاقات التطبيع مع الدول العربية التي ابرمتها دولة الاحتلال والتي قد تتوصل لمزيد منها في إطار الاتفاق الابراهيمي ما دامت إيران تهدد المنطقة وتصور دولة الاحتلال ان إيران عدو مشترك يهدد الجميع. السبب الرابع هو ان الاتفاق يختص بكبح الخطة الإيرانية للوصول الى السلاح النووي الإيراني ولا يكبح جماح التمدد الإيراني بالمنطقة سواء في سوريا او لبنان او غزة، والسبب الخامس ان دولة الاحتلال لا تريد ان ينتهي الموضوع الإيراني سلميا كما ترغب الدول الكبرى وما تريده دولة الاحتلال هو جر واشنطن والدول الكبرى ودول الإقليم لمواجهة مسلحة مع إيران في المنطقة تعيد الصناعة النووية الإيرانية الى الصفر.
مهما كان انف دولة الاحتلال طويلاً لا اعتقد انه سيفشل توقيع الدول الكبرى على هذا الاتفاق التاريخي والتوصل بموجبه الى صفقة تمتد لعشر سنوات يعمل الجميع من خلالها على تنمية الامن والاستقرار في المنطقة، ولا اعتقد ان تلجأ دولة الاحتلال للعمل العسكري لإفشال هذا الاتفاق بتوجيه ضربات صاروخية علنية لمفاعلات إيران النووية لأنها تخشي ان تواجه إيران بمفردها وهذا ما حذرت منه الولايات المتحدة الامريكية دولة الاحتلال. واعتقد ان دولة الاحتلال ستضطر في النهاية لاحترام الصفقة التي ستوقع عليها واشنطن والدول الكبرى مع إيران وتوظف ذلك لخدمة مصالحها الأمنية والسياسية ولن تقدم على تنفيذ أي اعمال منفردة تهدد هذا الاتفاق لان دولة الاحتلال لا تريد ان تدخل في صراع سياسي كبير مع الدول الكبرى التي وقعت الاتفاق ما يهدد علاقاتها ومصالحها الاستراتيجية.