يتوجه نحو 15 مليون تشيلي الأحد إلى صناديق الاقتراع للتصويت على مشروع دستور جديد بدأ العمل عليه بعد الانتفاضة الشعبية العنيفة التي جرت في العام 2019 للمطالبة بمزيد من العدالة الاجتماعية.
يدعو الاستفتاء الإلزامي الناخبين إلى استبدال الدستور الحالي الذي صيغ في ظل دكتاتورية أوغستو بينوشيه (1973-1990) والذي يعتبر عائقا بوجه أي إصلاح اجتماعي جوهري رغم الإصلاحات المتتالية التي أُدخلت عليه.
وإن كان الدستور الحالي شكّل أساسا نيوليبراليا لنموذج أتاح عقودا من الاستقرار والنمو الاقتصادي، إلا أنه ولّد مجتمعا يعاني من فوارق عميقة.
وينص مشروع الدستور الجديد بصورة خاصة على أن تضمن الدولة للمواطنين الحق في التعليم والصحة العامة والتقاعد والسكن اللائق. كما يكرس الحق في الإجهاض، وهي قضية خلافية في هذا البلد الذي لم يسمح بالإجهاض إلا منذ العام 2017 في حالات الاغتصاب أو الخطر على الأم أو الطفل.
كما يهدف المشروع الى تكريس الحقوق البيئية والاعتراف بالشعوب الأصليّة.
وبالرغم من عرض القوة الذي قام به أنصار النص إذ جمعوا أكثر من 250 ألف شخص مساء الخمس في سانتياغو لدى اختتام الحملة رسميا، مقابل 400 شخص بالكاد للمعسكر الداعي إلى رفض النص، تتوقع استطلاعات الرأي جميعها فوز الرافضين لمشروع الدستور الجديد.
وقالت مارتا لاغوس عالمة الاجتماع ومؤسسة معهد موري لاستطلاعات الرأي لوكالة فرانس برس “سيصوت الكثير من الشباب، خاصة في العاصمة، وهؤلاء الشباب يؤيدون التغيير. لكن هذا لا يعني” فوز مؤيدي الدستور الجديد لأنه من المتوقع رفض النص “في جنوب البلاد وشمالها”.
وتشهد هاتين المنطقتين مشكلات خطيرة على صعيد العنف وانعدام الأمن. ففي الجنوب تقوم نزاعات حول أراض تطالب بها مجموعات متطرفة محلية من هنود المابوتشي، فيما يعاني الشمال من الفقر ومن مشكلة الاتجار بالبشر نتيجة تدفق المهاجرين.
وأوضحت مارتا لاغوس أن أنصار الرفض يشكلون مجموعة “متباينة جدا” ذات توجه “شعبوي” قوي نابع من “الخوف” من أن يتم تجريدهم من حقوقهم. في المقابل، فإن معسكر الموافقة على الدستور الجديد تمكن من فهم كيفية “توزيع الحقوق الاجتماعية الجديدة” التي ينص عليها.
وتابعت “يبقى هناك بالطبع احتمال أن تكون كلّ استطلاعات الرأي مخطئة” وأن ينجح التصويت في العاصمة “في التعويض عن التصويت في الشمال والجنوب” لكن “أعتقد أن هذا الاحتمال لا يتخطى 5%” من الفرص.
وتوقعت أن “نشهد الأحد تصويتا محافظا” رغم أن الدستور الجديد يحمل قيما ينادي بها جيل الألفيّة” الذين ولدوا في العقدين السابقين للعام 2000.
غير أن رفض مشروع الدستور الجديد الذي صاغته على مدى عام الجمعية التأسيسية المنتخبة في ايار/مايو 2021 والمكونة من 154 عضوًا، لا يعني بالضرورة تجميد كل الإصلاحات، إذ تمّ وضع “خرائط طريق” منذ الآن.
وقالت الأكاديمية سيسيليا أوسوريو الأستاذة في جامعة تشيلي لفرانس برس إن “هناك إجماعا على أن دستور 1980 لم يعد صالحا وعلينا الانتقال إلى (دستور) آخر” يرسي “حقوقا اجتماعية وسياسية واقتصادية” جديدة.
وأوضح إيمانويل غونزاليس الصحافي البالغ 22 عاما الذي صوت من أجل وضع دستور جديد خلال استفتاء تشرين الأول/أكتوبر 2020، أنه يعتزم رفض النص المنبثق عن هذه الآلية.
وقال “لا يمكنني القول إنه لا يعجبني إطلاقا، قرأته وأعتقد أن ثمّة أمورا يمكن إنقاذها في حال الشروع بعملية جديدة”.
وفي حال رفض النص، أعلن الرئيس غابريال بوريك أنه سيطلب من البرلمان بدء عملية دستورية جديدة انطلاقا من “الصفر” مع انتخاب جمعية تأسيسية جديدة لصياغة نص جديد.
وأكد أن استفتاء 2020 الذي عكس موافقة بنسبة 79% على وضع دستور جديد، طوى نهائيا صفحة دستور عهد بينوشيه.
وفي حال فوز المؤيدين، يدخل الدستور الجديد حيز التنفيذ في غضون عشرة أيام.
ويعتقد أنصار الرئيس بوريك أن الوضع سيتبدل. وقال السناتور خوان كارلوس لاتوري رئيس حزب الثورة الديموقراطية العضو في الائتلاف الحكومي إن “الناس سيصوتون بأعداد كبيرة واستطلاعات الرأي ستخطئ مرة جديدة”.