في الوقت الذي تزايدت فيه صلاحيات الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال في الضفة الغربية على حساب تراجع صلاحيات السلطة الفلسطينية، أصبح تعامل الفلسطينيين المباشر مع ضباطها، وكأن هناك عودة تدريجية بالوضع الفلسطيني الإسرائيلي إلى ما قبل توقيع اتفاق أوسلو وإنشاء السلطة الفلسطينية، الأمر الذي يشير إلى انتكاسة سياسية واضحة.
في الوقت ذاته، يتجاوز الأمر البعد السياسي وصولا إلى ما تمثله الإدارة المدنية من تجسيد حقيقي للاحتلال الإسرائيلي، ليس فقط على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو ما تجسد عمليا بعد عملية السور الواقي في الضفة الغربية عامي 2002-2003، بل احتلال الفلسطينيين أنفسهم، من خلال حضور المئات منهم يوميا إلى نوافذ استقبال الجمهور في مديرية التنسيق والارتباط الإسرائيلية، وقد تضاعفت أعدادهم في الأسابيع والشهور الأخيرة.
يوئيل كرمل عضو منظمة “كسر الصمت” المعارضة للاحتلال، كشف أن “الإدارة المدنية الإسرائيلية، ورغم اسمها المدني، لكنها بالأساس جزء من آلية التحكم العسكرية، فضلا عن كونها نظاما بيروقراطيا يرهق الفلسطينيين، وهدفها الأساسي الحفاظ على الاحتلال، وتتكون من جنود وضباط ومدنيين يعملون لصالح الجيش الإسرائيلي، وكثير منهم من المستوطنين، ورغم أن الفلسطينيين يتقدمون إليها بطلبات للحصول على تصاريح إنسانية وطبية وصحية، لكن هذه الإدارة مكلفة بمهمة أخرى وهي تعميق سيطرة قوة أجنبية معادية لهؤلاء الفلسطينيين”.
وأضاف في مقال نشره موقع “زمن إسرائيل”، أن “السلوك الذي يصدره ضباط الإدارة المدنية تجاه الفلسطينيين بشكل عام يتجسد في اللامبالاة في أفضل الأحوال، فضلا عن محاولة عرقلة أعمالهم، لا سيما تلك المتعلقة بطلبات توصيل المياه لمنازلهم، وجمع شمل الأسرة؛ والموافقة على خطط البناء؛ والحصول على تصريح لدخول إسرائيل؛ والتسجيل في التعداد السكاني، وغيرها من الحاجيات الكثيرة، لكن الاعتبار الحاسم عند الموافقة أو الرفض هو حجم ما يوفره هذا الطلب من سيطرة على الفلسطينيين”.
بالعودة إلى العام الذي أنشأت فيه سلطات الاحتلال الإدارة المدنية في 1981، حددت هدفها بأن تتولى إدارة الشؤون المدنية في المناطق الفلسطينية، من أجل رفاهية ومنفعة السكان، لكن التقارير السنوية التي ينشرها منسق عمليات الحكومة في المناطق الفلسطينية تكشف أن دورها تحول ليصبح تعزيز العمليات التي من شأنها خدمة المصلحة الإسرائيلية، وهي واضحة ومعروفة، وتتمثل في استمرار الإشراف والسيطرة على الأراضي الفلسطينية وسكانها.
الخلاصة أن ما تقوم به الإدارة المدنية الإسرائيلية في تعاملها مع الفلسطينيين هو الوجه الآخر لسياسات غزو القرى الفلسطينية، واقتحام المنازل، وتنفيذ الاعتقالات الجماعية، وإطلاق النار على المتظاهرين، وهي بذلك إحدى صور العنف الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي، لكنه عنف بيروقراطي تطبقه سلطات الاحتلال من خلال الإدارة المدنية عن سابق إصرار وتعمّد، مما جعل من مصير الفلسطينيين خاضعا لاحتياجات الاحتلال وإدارته المدنية التي تتحكم فيهم.