بقلم: مروان اِميل طوباسي
معاداة السامية هي تعصب وعمل عدائي مقيت ضد جميع الساميين ومنهم العرب المسيحيين والمسلمين في الشرق الأوسط والكنعانيين وبعض الإثيوبيين والآراميين وبعض اليهود من العبرانيين والغجر .
وهو امر لا يقتصر على معاداة اليهود او اليهودية كما تحاول الحركة الصهيونية اظهاره واشاعته بما تهدف له في جميع معتقداتدها الفكرية وتوجهاتها السياسية لإظهار اليهود فقط كضحية لما يدعونه بمعاداة السامية ، لكن أيضا من اجل ضمان الأولوية الاستعمارية “لحقوق” اليهود في وطن على حسابنا نحن الفلسطينيين الذين نعيش في أرضنا ووطننا التاريخي منذ العصور القديمة .
وقد كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد وضعت الصهيونية في درجة مساواة العنصرية عام ١٩٧٥، بغض النظر عن ما جرى لاحقا لإلغاء هذا القرار الأممي الهام عام ١٩٩١ نتيجة المتغيرات السياسية بالنظام الدولي آنذاك وتفرد أميركيا في نظام عالمي احادي القطب بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، وقد نكون نحن الفلسطينيين احد الأطراف التي ما زالت تدفع ثمنا باهظا لذلك المتغير حتى اليوم .
ان الحركة الصهيونية والتي تعقد مؤتمرها الدولي العام غدا بعد “١٢٥ عاما” من انعقاده الأول في نفس المكان “بازل” ، ومن بعدها دولة الاحتلال لم تتوقف من اتهام شعوب العالم بعداء اليهود تحت ما أطلقت عليه مصطلح “العداء للسامية”، وقد حرصت منذ قيام “إسرائيل” على ارض فلسطين على إلصاق هذه التهمة بالشعوب العربية وخاصة بحق شعبنا الفلسطيني ، داعية اليهود العرب للهجرة إلى فلسطين بدعوى أن العرب ارتكبوا جرائم ومجازر ضد الأقلية اليهودية بالدول العربية .
وقد عملت الحركة الصهيونية على اختزال “العداء للسامية” في اليهود وإخراج بقية الساميين من دائرة الانتماء للسامية، واعتبار اليهود ساميين يعيشون في مجتمعات ليست سامية.
ان اليهود الأوروبيون الذين اخترعوا مصطلح معاداة السامية لا ينتمون إلى الساميين، بل هم أوروبيون يعيشون في أوروبا منذ عام 70م بعد أن طرد الرومان اليهود من فلسطين وشتتوهم في كل بلاد العالم فيما بات يعرف بالشتات اليهودي العام .
ان التعريفات العملية التي قدمها بالسنوات الأخيرة التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA) لاحقا لإعلان هذا التحالف عام ١٩٩٨،تشير بوضوح الى أن أي استهداف لإسرائيل أو”الادعاء بأن وجود دولة إسرائيل هو مسعى عنصري ، “يمكن أن يكون بحد ذاته عنصريا ومعادٍ للسامية وأن “تطبيق معايير مزدوجة من خلال مطالبة إسرائيل بمسؤولية سلوك غير متوقع من أي دولة ديمقراطية أخرى “هو أيضا معادٍ للسامية ، كما أن التشكيك بصحة روايتهم حول جرائم الهولوكست أو عدم الموافقة على كونها احتكارا لما تعرض له بعض اليهود خلالها على يد النازيين ، هو توجه معاد للسامية .”
وفي عام ٢٠١٦، نيابة عن عدد من الدول حول العالم الأعضاء في هذا التحالف بما في ذلك بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، اضافة الى الولايات المتحدة، تم اعتماد التعريفات العملية لمعاداة السامية وقائمة الأمثلة الخاصة به في اجتماع عام لـ “٣١” دولة بعد اعتماده من قبل “IHRA”، حيث تم ربط هذه التعريفات على وجه التحديد بانتقاد اسرائيل مع معاداة السامية .
ان تعريفات التحالف الدولي هذا أتت في تناقض تام مع القيم الديمقراطية وحرية التعبير، وهي تنتهك جميع الحريات المدنية وكذلك مبادئ نشوء الاتحاد الأوروبي تفسه ، حيث أصبح هذا أكثر وضوحا قبل سنوات قليلة ، عندما أقر البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) قانونا يُعرف إسرائيل على أنها دولة “الشعب اليهود المنتشر في كل العالم”، بمقابل حرمان شعبنا من حقه في تقرير المصير .
لم نشهد قط في التاريخ السياسي الحديث مثل هذه المحاولة لتغيير وتشويه معنى الكلمات لخدمة نوايا قوة محتلة واستعمارية. حيث ان اعتماد تعريف عمل التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA) ومعاداة السامية يمنح الإسرائيليين حصانة قانونية مطلقة لمواصلة انتهاكاتهم للقانون الدولي والإنساني،حيث تجاهل هذا التعريف تماما جميع قرارات الأمم المتحدة وميثاق الأمم المتحدة ، كذلك مبادئ حرية التعبير عن الرأي ، وهو ما عَمل العنصريان ترامب وكوشنير سابقا على الدفع باتجاه صياغته واقراره خلال وجودهما في الإدارة الأميركية .
إن انتقاد السياسة الإسرائيلية المتمثلة بالإرهاب والتطهير العرقي والقتل والتهجير الجماعي والاعتقالات والفصل العنصري والتي توصف وفق القوانين الدولية بجرائم مختلفة العناوين، والتي تصدر ليس فقط منا نحن الفلسطينيين وانما ايضا من قبل جماعات اسرائيلية ويهودية ومنظمات انسانية وحقوقية حول العالم والعديد من القوى الديمقراطية والتقدمية، لا تشكل هجوما على اليهودية – دين نحترمه مثل أي دين آخر ولا يمكن اعتباره عملًا عنصريا – لأننا بالمثل نُدين داعش وقوى الإسلام السياسي المتطرفة التي لا تمت للاسلام الحنيف بصلة وكذلك القوى السياسية اليمينية المتطرفة والشعبوية الأخرى في أوروبا التي أصبحت تتحدث اليوم عن مسيحية أوروبية عنصرية تجاه أصول أثنية ودينية اخرى في آليات تعاملها مع القضايا العالمية الناشئة وتحديدا مع قضايا المهاجرين على أثر الحروب حول العالم ، والمساهمة في تعزيز مفهوم الاسلام فوبيا بين الشعوب الأوروبية.
والمفارقة اليوم ان اليمين المتطرف الأوروبي ومن يسمون أنفسهم بالنازين الجدد وخاصة في ألمانيا والنمسا وبريطانيا يتخذون موقفا مؤيدا للحركة الصهيونية ولتأكيد الدعم المطلق لدولة الاحتلال الإسرائيلية لصد الاتهامات عنها بالعنصرية والابرتهايد والفوقية الدينية . وهو ما قد يفسر ذلك التعاون القديم بين الصهاينة والنازيين الذي تَرسخ في مثل هذا الوقت بشهر اَب عام ١٩٣٣، من خلال اتفاقية “هاعافارا” بينهم ، لتسهيل هجرة اليهود الالمان الاستيطانية إلى أرض فلسطين مقابل الاستحواذ على أموالهم.
اننا نحن الفلسطينيين الذين ننحدر من أصول سامية عبر التاريخ، لا يمكن أن نحمل صفة العداء لأنفسنا أو لغيرنا من الساميين أو ابناء الحضارات الأخرى سوى بالجوانب المتعلقة بالتنفيذ والاستغلال السياسي في اضطهاد شعوب أخرى.
وقد استندت ما تسمى بنظرية معاداة السامية التي استغلتها الحركة الصهيونية في العصر الحديث إلى التمييز بين عرقين ، العرق الآري والعرق السامي ونسبت صفات معينة متميزة لهذين الجنسين. وانتشر هذا الاعتقاد في ألمانيا حيث أدى النشاط اليهودي في كل مجالات الحياة إلى إثارة كراهية الألمان من المسيحيين وحقدهم على اليهود كشكل من معاداة السامية .
رغم ادانتنا نحن لهذه الجرائم عبر التاريخ ، فإن الادعاء الصهيوني باحتكار السامية ومصطلح “الهولوكست”، ادعاء تضحده وقائع الأحداث السياسية التي جرت خلال الحرب العالمية الثانية من انتصار الجيش الأحمر وبطولات حركات المقاومة في أوروبا ، وسقوط ضحايا بعشرات الملايين من البشر الذين استهدفهم الوحش النازي من غير اليهود، خلال المجازر والهولوكست بحق شعوب اوروبا الاخرى غير السامية وفق المفهوم التاريخ السياسي للشعوب .
أن التوجه المستمر والمتزايد للحركة الصهيونية حول العالم يهدف اولاً ، لتزييف وقائع التاريخ وطمس الوقائع وتجاهل الحديث عن المؤامرات الصهيونية النازية التي رافقت التعاطي مع المسألة اليهودية في أوروبا بهدف تسويق الفكرة المزعومة عن”الشعب اليهودي “بصبغتها القومية الدينية لخلق “الوطن القومي”لهم، وثانيا من أجل استمرار تسويق فكرة معاداة السامية المتمثلة باضطهاد اليهود دون أتباع الديانات الأخرى كاساس لمعاداة السامية وإبقاء اليهود ضحية مستدامة أمام العالم لحصد التعاطف السياسي مع دولة الاحتلال الذي ترغب به الحركة الصهيونية على حساب استمرار اضطهاد شعبنا الفلسطيني وحقوقه التاريخية السياسية ومنعه من ممارسة حقه بتقرير المصير واقتصار ذلك على يهود العالم وفق اعتبارهم الخاطئ والمتعمد كشعب .
أن المطلوب من اصدقائنا حول العالم والذين يدافعون عن حقوق شعبنا وقيم ومبادئ إنسانية وديمقراطية أن يمنعوا إقرار ما جاء في وثيقة تعريفات التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكست بالبرلمانات الأوروبية كقرارات ، وأن لا يعتذروا عن تضامنهم ومواقفهم الأساسية من حيث المبدأ مع قضايا حرية شعبنا ، وفق ما تطالبهم به الحركة الصهيونية ومن يقف معها بالغرب دفاعا عن التعريفات العملية للتحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكست والمتعلق منه بجانب ما يطلقون عليه معاداة السامية .
لقد استولى اليهود الصهيونيون الإسرائيليون على أحداث في التاريخ اليهودي ، بما في ذلك احداث الهولوكست النازي ، فاستغلوها لأغراض دعائية لتأكيد حقهم المزعوم في فلسطين، وهي أرض زرعوا فيها مطالبتهم الاستعمارية فيها قبل نصف قرن من احداث جريمة الهولوكست ضد الاوروبيين على يد النازيين .
وهذا هو بالضبط ما تم خلال زيارة الرئيس “ابو مازن” الى المانيا ، من خلال اللعب في هذه المسألة بواسطة الضجة المفتعلة اسرائيليا والتصريحات الالمانية والاميركية وفتح ملف تحقيق لدى الشرطة بتهمة معاداة السامية ومحاولة إدانة الرئيس عباس بشكل خبيث يتفق مع رؤية اليمين الاوروبي في دعم سياسات اسرائيل .
وهذا ما تم مع العديد من القادة السياسين اليسارين والتقدميين حول العالم بتوجيه تهمة معاداة السامية لهم حين أعلنوا تضامنهم مع قضايا شعبنا الفلسطيني ورفضهم لسياسات إسرائيل بهدف إثارة الضجة حولهم ، وهو ما يشكل جوهر استغلال فزاعة معاداة السامية ، وهذا ما يشكل محور ابتزازاتهم من الغرب والاوروبين على وجه التحديد .
لقد سئمنا من دفع الثمن من أجل النفاق الأوروبي بخصوص جرائم الإبادة الجماعية ومعاداة السامية وكلاهما أمران لا علاقة لنا بهم نحن الساميين الكنعانين العرب الفلسطينين .
أن الهدف الكامل من محاولة مساواة معاداة الصهيونية بمعاداة السامية الذي يسعى التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكست باشاعته ومن خلفه الحركة الصهيونية العالمية التي تجتمع غدا الأحد في مدينة بازل السويسرية بعد ١٢٥ عاما من انعقاده في نفس المكان ، هو جعل وجودنا نحن الفلسطينيين فوق تراب وطننا التاريخي في حد ذاته معادٍ للسامية وفق مخططاتهم ورؤيتهم العنصرية .