يحمل الحيّ الواقع في ضاحية غواياكيل، المدينة الساحلية الكبرى في الإكوادور، اسما مقدّسا هو سيوداد دي ديوس أو “مدينة الربّ”، غير أن سكانه يعانون الجحيم اليوميّ جراء تفشي البؤس والعنف وسط ازدهار أنشطة تهريب مخدرات.
وكما في فيلم “مدينة الرب” الذي روى عام 2002 يوميّات أحد أعنف أحياء ريو دي جانيرو الفقيرة، تقع “مدينة الرب” الإكوادورية على تلة خضراء إلى شمال غرب غواياكيل، ثاني أكبر مدن البلاد التي شهدت منذ مطلع العام 861 جريمة قتل، أي ثلث العدد الإجمالي للإكوادور ككلّ.
وهي من مدن الصفيح الـ55 المنتشرة في هذا الحي الشاسع المعروف بـمونتيه سينايي (“جبل سيناء”)، حيث انبثقت مبان غير قانونية وانتشرت في السنوات الأخيرة على وقع الازدهار المتزايد للمرفأ الكبير منذ بداية الألفيّة.
ويقيم نصف مليون شخص في مونتيه سينايي على مساحة 9300 هكتار (مئة كلم مربع)، محرومين من الخدمات الأساسية وفي غالب الأحيان في مساكن مترهّلة، وفق آخر تعداد سكاني أجرته بلدية غواياكيل، من أصل 2,8 مليون نسمة يقطنون المدينة.
وفي حيّ “مدينة الرب” وحده يتكدس حوالى أربعين ألفا من الفقراء في مساكن من خشب وصفائح معدنية وأحجار القرميد، غير مكتملة البناء وضيّقة تخلو من الحمامات التي يقصدونها في الخارج.
كان البروتستانت الإنجيليون أول من أقام في الحي الذي أطلقوا عليه الاسم ذاته كمدينة الصفيح البرازيلية الشهيرة التي خلدها الفيلم الحامل اسمها عام 2002.
ماريسول تشافيز الأربعينية هي من زعماء الحيّ، تقيم في منزل متواضع يصطف فيه سريران جنبا إلى جنب فرشت عليهما كميّة من الدمى. طردت ماريسول من حي آخر مقام بصورة غير قانونية، فوصلت إلى التلة عام 2019 وهي تعتاش من صفقات صغرى غير رسمية. غير أن ولادة طفلها الأخير أرغمتها على لزوم منزلها.
تقول باختصار “ليس لدينا أي شيء تقريبا، ونعاني كثيرا”. وتضيف معلقة على وصولها إلى الحي “لم يكن هناك شيء، مجرد أعشاب بريّة وتربة وشجيرات شائكة”.
وتصل نسبة اكتظاظ المساكن في غواياكيل إلى 14,6%، ما يتخطى بكثير المتوسط الوطني البالغ 9,6%، بحسب هيئة الإحصاءات الوطنية. كما أن الفقر في المدينة أعلى منه في باقي البلاد إذ يبلغ 20,1% بالمقارنة مع 16,7%.
و”مدينة الرب” محرومة من مياه الشرب، يستقدمها السكان بأسعار باهظة في شاحنات صهاريج تعبر الدروب الترابية الوعرة.
ويصف برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية ظروف العيش في الحي وسط البؤس والاكتظاظ وغياب الخدمات والعنف بـ”فخ من الفقر” يستحيل على جماعات كاملة من السكان الإفلات منه على مدى أجيال في غياب أي بديل آخر.
تقول روسا أوباندي المقيمة في الحي منذ 15 عاما “نعيش في فخ، مغادرة منزلي يعني دفع إيجار، ولا مال لديّ”.
مع إحكام شبكات تهريب المخدرات قبضتها على مرفأ المدينة، بسطت العصابات الإجرامية سيطرتها على مونتيه سينايي.
وأمام أحد أكواخ الحيّ نُصبت لافتة كتب عليها “مسكن تحت المراقبة”، في تحذير “إلى الذين يترتب عليهم تسديد أموال للوس تشونيروس”، على ما يهمس بعض الجيران.
“لوس تشونيروس” إحدى العصابات الإجرامية الـ26 الناشطة اليوم في الإكوادور، البلد المجاور لكولومبيا والبيرو، أكبر منتجين للكوكايين في العالم.
وبعدما ساد السلام الإكوادور في الماضي، بات البلد اليوم مركزا لتهريب الكوكايين إلى أوروبا والولايات المتحدة، وبؤرة للجريمة المنظمة تتنازع السيطرة عليها عدة عصابات تخضع في غالب الأحيان لإشراف الكارتيلات المكسيكية الشديدة الدموية مثل سينالوا وغولف ولوس زيتاس.
وتقوم العصابات بابتزاز سكان مونتيه سينايي لقاء ضمان “أمن” مزعوم لهم، ويقول السكان معربين عن خوفهم إن هذا هو الثمن المترتب عليهم حتى يتمكنوا من العيش في الحي.
وحذر أحد قادة فصيل محلي لإحدى العصابات رافضا كشف اسمه خوفا من أعمال انتقامية، بأن عناصر العصابات سيجولون بعد بضعة أيام على منازل الحي الواحد تلو الآخر لجمع “دولارين” من كل من السكان خوّة لقاء أمنهم.
وتعمل العصابات بصورة نشطة على تجنيد العناصر وتستخدم الشبان المتعطّلين في معظم الأحيان كيد عاملة بخسة الثمن.
ويوضح سيسار كارديناس مدير مرصد الخدمات العامة في غواياكيل بأسف أن “فرص وقوع (هؤلاء الفتيان) في شراك تهريب المخدرات أكبر بمئة مرة”.
ويوضح “لا شيء هنا يسمح لهم بأن يرسموا مسار حياة أو يروا مستقبلا لأنفسهم”.
وتروي المهندسة المعمارية والمخطّطة المُدُنية روسا رادا أنه قبل ظهور أولى المساكن غير القانونيّة، أقام تاجر مخدرات مزرعته في الحي.
ومع شق طريق “بيريميترال” الذي يربط المنطقة الصناعية بالمرفأ، بدأ الناس ينتقلون إلى التلة عام 1984.
ولا يزال سكان “مدينة الربّ” يحتاجون اليوم إلى حوالى نصف ساعة للوصول مشيا إلى هذا الطريق، ثم أكثر من ساعة في وسائل النقل العام للذهاب إلى وسط المدينة.