بقلم: إبراهيم ابراش
ليست مستغربة ردة الفعل المبالغ فيها من الحركة الصهيونية وإسرائيل ومن يواليهم من الغرب وخصوصاً ألمانيا على تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس في المؤتمر الصحفي يوم الثلاثاء 16 آب الجاري والذي جمعه مع المستشار الألماني أولاف شولتز، ذلك لأن إسرائيل وحلفائها يعتبرون الهولوكوست ماركة مسجلة باسم اليهود ولم يحدث في رأيهم عبر التاريخ في الماضي والحاضر ولن يحدث في المستقبل ما هو شبيه بها، مع أن الهولوكوست مسمى يهودي لوصف ما تعرض له اليهود من اضطهاد و جرائم على يد النازيين، وتاريخ البشرية ملئ بالحروب وحالات فظيعة من جرائم الحرب والإبادة البشرية. الصهاينة يؤكدون من خلال ردة فعلهم هذا التفرد اليهودي في كل شيء وأنهم شعب الله المختار الذين يحق لهم ما لا يحق لغيرهم! وحتى يهونون من شأن ما يقترفونه من جرائم في حق الشعب الفلسطيني مقارنة بما تعرضوا له على يد النازيين.
الجرائم ضد الإنسانية: لا فرق بين دين وآخر أو شعب وآخر.
الرئيس أبو مازن لم يخطئ عندما تحدث عن المجازر والجرائم الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني وهي جرائم تتفاوت ما بين التمييز العنصري وجريمة الإبادة البشرية والتطهير العرقي كما أنه لم ينكر الهولوكوست بل كان قصده تسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني والجرائم التي تمارسها إسرائيل، وإن كان الهولوكوست أو الجرائم التي مارستها ألمانيا النازية حدثت بشكل مكثف خلال السنوات الست للحرب العالمية الثانية – 1939/1945 فإن جرائم إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني متواصلة طوال 74 سنة، والعبرة ليس في فترة ارتكاب الجريمة أو عدد الضحايا بل في نوعية الفعل نفسه، مع الأخذ بعين الاعتبار أن مصدر كل ما يتعلق بالهولوكوست من حيث عدد الضحايا -6 مليون- وحدوث محارق لليهود الخ مصدرها يهودي ولا تؤكدها أي وثائق أو مصادر محايدة بل إن الوثائق التاريخية تؤكد على وجود اتصالات آنذاك بين النازيين والحركة الصهيونية لتسهيل هجرة اليهود لفلسطين.
سواء تعلق الأمر بالهولوكوست أو بجرائم إسرائيل فكلها تصنف في القانون الدولي جرائم ضد الإنسانية، وقد تعاظم الاهتمام بهذه الجرائم عندما ظهرت دول وجماعات ذات نزعات عنصرية وفاشية ضربت بعرض الحائط مبادئ وقواعد القانون الدولي والرأي العام العالمي وأخذت تمارس جرائم بشعة في حق شعوبها أو جماعة داخل حدودها أو ضد شعب آخر أقل منها قوة، الأمر الذي دفع المنتظم الدولي لوضع القانون الدولي الإنساني وتشكيل محاكم جنائية لمتابعة الدول والأشخاص الممارسين لهذه الجرائم من منطلق أن حق الحياة الفردية والجماعية وحق الإنسان بالعيش الكريم هما من الأهداف الرئيسة للمنتظم الدولي .
لم يخطئ أبو مازن عندما تحدث عن جرائم إسرائيل واعتبرها جرائم ضد الإنسانية و ينطبق عليها تعريف جرائم إبادة الجنس البشري، وقد حددت المادة الثانية من اتفاقية جرائم الإبادة لسنة 1948 الأفعال التي تعد جريمة إبادة للجنس البشري بأنها: –
أ- قتل أفراد جماعة وطنية أو إثنية أو عرقية أو دينية.
ب –إلحاق ضرر بدني أو عقلي بالغ بأفراد الجماعة.
ج –إرغام الجماعة عمداً على العيش في ظل ظروف يقصد بها أن تؤدي كلياً أو جزئياً إلى القضاء عليها قضاء مادياً.
د- فرض تدابير يقصد بها منع التوالد في الجماعة.
هـ- نقل أطفال الجماعة قسراً إلى جماعة أخرى.
مرتكبو هذه الجرائم يصنفون كمجرمي حرب بغض النظر عن عدد الضحايا أو جنسيتهم، وعلى أساس هذه الاتفاقية تمت محاكمة مجرمي الحرب النازيين، وإسرائيل مارست كل هذه الجرائم بحق الشعب الفلسطيني وهناك قضايا مرفوعة ضدها في محكمة الجنايات الدولية.
إسرائيل قامت بكل الأفعال المُشار إليها أعلاه بحق الشعب الفلسطيني طوال 74 سنة وما زالت، إلا أنه بفعل قوة نفوذ اليهود واللوبي الصهيوني في العالم وخصوصاً في الغرب وبفعل التقصير العربي في الوصول إلى العقل الأمريكي والأوروبي لتوضيح حقيقة ما يجري في فلسطين وبفعل التحيز الغربي لإسرائيل … تمكنت إسرائيل من تشويه الحقائق وطمس جرائمها المرتكبة سواء في حق الشعب الفلسطيني أو في حق الشعوب العربية الأخرى التي تعرضت للعدوان الإسرائيلي.
وهكذا نادراً ما يتحدث العالم الخارجي عن جرائم إسرائيل ضد الإنسانية، عندما تفوح رائحة هذه الجرائم بحيث لا يمكن تجاهلها أو يتم فضحها من طرف إسرائيليين أو غربيين، يتناولها الإعلام الغربي وكأنها مجرد تجاوزات أو خروقات غير مقصودة لقواعد القانون الدولي، أو يتم تبرير هذه الجرائم وكأنها رد لا بد منه على الإرهاب الفلسطيني كما تزعم إسرائيل.
إدانة عملية ميونخ إدانة لحق الشعب الفلسطيني بمقاومة الاحتلال
حديث الرئيس أبو مازن عن جرائم إسرائيل أثناء المؤتمر الصحفي جاء للتهرب من سؤال يتعلق بالاعتذار عن عملية ميونيخ بألمانيا الاتحادية (5/9/1972) ، وفي هذه العملية التي قامت بها جماعة أيلول الأسود التابعة لحركة فتح باحتجاز فريق رياضي إِسرائيلي في القرية الأولمبية للمساومة عليهم كي تطلق إسرائيل سراح معتقلين فلسطينيين لديها, وقد رفضت إسرائيل التفاوض مع الخاطفين وأدى اقتحام وحدة كوماندوز إسرائيلية لمكان الاحتجاز لمقتل 11 إسرائيلياً، وعلى إثر هذا الحادث ناقشت الجمعية العامة للأمم المتحدة (الدورة 27) عملية ميونخ في سياق مناقشته موضوع الإرهاب بشكل عام، ولم يتم إدانة العملية لأن مندوبي دول العالم الثالث ودول المعسكر الاشتراكي رفضوا الموقف الأمريكي والغربي الذي اعتبر العملية فعلا ًإرهابياً وطالبوا بالبحث عن الأسباب والدوافع الكامنة وراء الأعمال التي تسمى “”إِرهابية” .
وميزت الأمم المتحدة مبكراً ما بين الإرهاب ومقاومة الاحتلال حتى في الحالات التي تلجأ فيها حركات التحرر لعمليات خطف رهائن، وهذا ما نلمسه في الموقف الذي اتخذته الجمعية العامة حول “الإرهاب الدولي” بل أيضاً أُخذ به في الاتفاقية الدولية لـ “مناهضة أخذ الرهائن” التي وضعتها الأمم المتحدة عام 1979، فبعد أن وصفت الجمعية العامة أخذ الرهائن بأنه “عمل يعرض حياة الأشخاص الأبرياء للخطر وينتهك الكرامة الإنسانية “. ذكرت في المادة (12) منها ما يلي:
“لا تسري هذه الاتفاقية على فعل من أفعال أخذ الرهائن يُرتكب أثناء المنازعات المسلحة المعرفة في اتفاقيات جنيف لعام 1949 أو بروتوكولاتها، بما في ذلك المنازعات المسلحة التي يرد ذكرها في الفقرة 4 من المادة 1 من البروتوكول الأول لعام 1977، والتي تناضل فيها الشعوب ضد السيطرة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي ونظم الحركة العنصرية، ممارسة لحقها في تقرير المصير كما يجسده ميثاق الأمم المتحدة وإعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة “.
بعد عملية ميونخ بحوالي عامين وجهت الأمم المتحدة ومن خلال جمعيتها العامة الدعوة لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات لإلقاء كلمة في مقر الأمم المتحدة وهذا ما حدث في 1974 حيث خاطب أبو عمار العالم قائلا: جئتكم بغصن الزيتون في يد والبندقية في اليد الأخرى فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي) وجاءت هذه الدعوة في خضم اشتداد المقاومة الفلسطينية داخل فلسطين وخارجها مما يؤكد شرعية عملية ميونيخ وكل أعمال المقاومة الفلسطينية. ولو أن الرئيس أبو مازن أدان عملية ميونخ فكأنه يدين مقاومة الاحتلال ويضع نفسه في حالة تعارض مع قرارات وتوصيات دولية تنسجم مع تلك المرحلة وتضفي شرعية على كل أشكال المقاومة.
وفي الخاتمة نسجل ملاحظتين:
الأولى: مع أن من الواجب الوقوف إلى جانب الرئيس أبو مازن في مواجهة حملة التحريض عليه إسرائيليا إلا أن الموضوع يتعدى الرئيس ليصبح دفاعا عن الشعب الفلسطيني وعدالة قضيته والدفاع عن التاريخ النضالي الذي نعتز به، أما الحكم على الرئيس فلا يكون من خلال تصريح له هنا أو هناك بل من خلال مجمل نهجه السياسي.
الثانية: إن مسألة الهولوكوست شأن يهم اليهود والألمان والغرب عموماً، فاضطهاد اليهود تم على يد الألمان الأوروبيين المسيحيين وعلى الأراضي الأوروبية، وهناك تاريخ طويل من العلاقات المتوترة بين اليهود والمسيحية أو بعض كنائسها. وما يعنينا كفلسطينيين وعرب ألا يتم توظيف المظالم التي تعرض لها اليهود في الغرب لتبرير جرائمهم في حق الشعب الفلسطيني.