مع مرور قرابة أسبوعين على اندلاع العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، وانتهائه بسرعة، مع شعور إسرائيلي بتحقيق جملة إنجازات عسكرية، لكن أجواء الأوساط العسكرية والأمنية الإسرائيلية ما زالت تشعر بالقلق، وعدم الاستقرار، لا سيما مع وجود تحذيرات من إمكانية تجدد القتال في أي لحظة.
صحيح أن هناك أسبابا لدى الاحتلال تجعله في حالة من الرضا عن الأداء العسكري والعملياتي للجيش والأجهزة الأمنية عقب العدوان الأخير، لكن في الوقت ذاته، هناك مخاوف تنبه الاحتلال مما يمكن وصفه بـ”التراخي المفرط والخطير”، خشية أن يتم مباغتته من هذه البوابة أو تلك، دون أن يكون متحضرا لها بما فيه الكفاية.
الجنرال عاموس يادلين الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات العسكرية- أمان، رصد ما قال إنها “سبعة تحذيرات أسفرت عنها المواجهة الأخيرة، أولها أن جيش الاحتلال واجه قوة عسكرية فلسطينية لا تعتبر من القوى الكبرى مثل حماس وحزب الله، حيث ستكون المواجهة معهما أكثر صعوبة في نطاقها، من حيث درجة الضرر في الجبهة الداخلية، كما أن القوات الهجومية على الأرض وتحتها، وفي الجو والبحر، ستكون عرضة لوابل كثيف وعميق من الصواريخ”.
وأضاف في مقال نشرته القناة 12، أن “التحذير الثاني يتعلق بعدم انخراط حماس في المواجهة الأخيرة، وهذا لا يجب أن يكون محلّ ترحيب إسرائيلي كبير، فالحركة ما زالت مسؤولة عن كل الفصائل في غزة، وهي العنوان الذي ستطالب إسرائيل من خلاله بضبط النفس، أو تحمل الثمن، والتحذير الثالث يطرح السؤال: أين ذهبت السلطة الفلسطينية، خاصة أن حماس تتلقى الجزرات الاقتصادية، وتزداد قوة سياسيًا، وتتسلح عسكريًا، بينما تضعف السلطة رغم الحوار المتجدد معها من قبل الحكومة الإسرائيلية”.
وأكد أن “التحذير الرابع يتعلق بتوسيع التسهيلات المدنية المقدمة للفلسطينيين في غزة، المتمثلة في إمدادهم بالوقود، وخروج العمال، وحركة البضائع، وتعزيز البنية التحتية، رغم أن كل ذلك لا يجب أن تفهمه إسرائيل بأنه كبح لجماح حماس عن الانخراط مجددا في مواجهة عسكرية، ولا يعني توفير ضمانة إسرائيلية باستمرار الهدوء حتى إشعار آخر.
أما التحذير الخامس فيتعلق بحيازة المنظمات الفلسطينية في غزة لمضادات الدبابات المعروفة باسم “الكورنيت”، وهو التهديد عالي الجودة الذي يتطلب رداً أفضل، لأنه يتسبب بحدوث شلل في حياة مستوطني غلاف غزة”.
وأوضح أن “التحذير السادس يرتبط بالوهم الذي ساد بين الإسرائيليين عقب انتهاء العدوان الأخير، وإمكانية مساهمته في التسريع بإبرام صفقة تبادل أسرى مع حماس، واليوم بعد مرور كل هذه الأيام، فمن المشكوك فيه أن تبدي حماس مرونة أكثر من ذي قبل بشأن شروطها الخاصة بطي هذا الملف، أما التحذير السابع والأخير فهو أن غزة لن تذهب لأي مكان، لأن مليوني فلسطيني محاصر في منطقة فقيرة يعني الاستمرار في الدخول مع إسرائيل لجولات عسكرية متكررة.
مما يتطلب منها صياغة استراتيجية على المدى الطويل، وبدونها فسنعود لعمليات إضافية أكثر دموية، في غضون فترة ليست طويلة”.
تضاف الملاحظات السبع التي ذكرها الجنرال يادلين إلى انتقادات إسرائيلية شهدتها الأيام الأخيرة بعد انتهاء العدوان، أهمها أن الحرب قد تكون نجحت من الناحية التكتيكية، لكن من الناحية الاستراتيجية لم يتحقق أي شيء، بل إنها ذكّرت الإسرائيليين بما أسموه “كابوس” تلقي دفعات أخرى من الصواريخ، حتى بات قدرا محتوما عليهم، وكأن كل ما يمكنهم فعله هو محاولة الحد من أضرار كل جولة قتال مستقبلية.
ولم يكن سرا أن دولة الاحتلال بأكملها اضطرت مرة أخرى لحبس أنفاسها في أيام الحرب الثلاثة، وعانى المستوطنون خلالها من آلاف الصواريخ وقذائف الهاون، فضلا عن الكلفة المباشرة للقتال على خزائن الدولة بمئات ملايين الشواكل في اليوم، وأضرار الممتلكات والشركات، ناهيك عن الأضرار النفسية.