بقلم: المحامي علي أبو هلال
لم تقف انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي عند حقوق فئة محددة من أبناء الشعب الفلسطيني، ولم تنحصر على الفلسطينيين الذين يقيمون في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، بل امتدت هذه الانتهاكات لتشمل الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، حيث شملت كل الفئات من الأطفال والنساء والشباب وحتى الشيوخ وكبار السن.
فقد نُقِل الشيخ يوسف الباز إمام المسجد الكبير في مدينة اللد يوم الجمعة الماضي 12/8/2022 إلى مشفى’سوروكا’ (في بئر السبع) بعد تدهور خطير على حالته الصحية، وذلك بعد يوم واحد من شروعه في الإضراب عن الطعام والماء في سجن الرامون في النقب، احتجاجا على قرار المحكمة المركزية في مدينة اللد، بالإبقاء عليه رهن الاعتقال حتى نهاية الإجراءات القضائية في الملف المزعوم ضده.
الشيخ يوسف الباز معتقل منذ 30 إبريل/ نيسان الماضي في ملف تتهمه فيه سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالتحريض على قواتها، وتأييده لأعمال “الإخلال بالنظام”، في أعقاب اقتحامات المسجد الأقصى في القدس المحتلة خلال شهر رمضان الماضي.
ويذكر أن الشيخ يوسف الباز البالغ من العمر 64 عاما، هو مريض قلب وعدة أمراض أخرى، وهو أب لـ7 أطفال، أضرب عن الطعام والماء، للمطالبة بالإفراج عنه، بعد أن قررت محكمة الاحتلال في مدينة ريشون ليتسيون رفض الإفراج عنه، وقد جرى الاستئناف على القرار، وتمّ رفض الإفراج عنه في المحكمة المركزية في مدينة اللد.
وذكر المحامي خالد الزبارقة من طاقم المدافعين عن الشيخ الباز، إن “القرار الذي صدر من المحكمة يدل على أننا أمام جهاز قضائي يمارس نظام الفصل العنصري الأبرتهايد، سبب اعتقال الشيخ الباز أنه حيّا المرابطين الشباب في الأقصى”، مشيراً إلى أنه “بعد أحداث هبة الكرامة نحن في مرحلة جديدة تحت الحكم العسكري الإسرائيلي، لكنه خفي. يطبقون الحكم العسكري بأدوات مدنية، المحاكم والشرطة والبلديات والبنوك”.
وسبق أن اعتُقل الشيخ الباز بعد الأحداث التي وقعت في مدينة اللد خلال “هبّة الكرامة”، العام الماضي، كما يعاني من ملاحقة الاحتلال له منذ سنوات بسبب مواقفه. ويخضع الشيخ الباز أيضاً لمحاكمة أخرى، بعدما اتهمته سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالتحريض على العنف خلال الهبّة. والباز قيادي بارز في الحركة الإسلامية المحظورة بقرار المجلس الوزاري المصغر منذ نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015، ومعروف بمواقفه المدافعة والمناصرة للحقوق العربية في اللد على مدار أعوام طويلة.
وقبل أيام قليلة انطلقت في الداخل المحتل دعوات لأوسع حملة دعم للشيخ الأسير يوسف الباز المضرب عن الطعام والماء، ودعت لجنة المتابعة للجماهير الفلسطينية، واللجنة الشعبية في اللد للمشاركة في الوقفة الإسنادية الجماهيرية للأسير الباز، التي ستنظم في مدينة اللد وغيرها من المواقع، للتنديد بقرار سلطات الاحتلال ومحاكمه الظالمة الذي يقضي بالإبقاء على إمام المسجد الكبير في اللد الشيخ الباز رهن الاعتقال، حتى نهاية ما تسمى بالإجراءات القضائية ضده. وللمطالبة بالإفراج عنه وتحريره من السجن.
إن استمرار اعتقال الشيخ المسن يوسف الباز ومواصلة الإجراءات القمعية التعسفية بحقه داخل السجن، يتنافى مع الحقوق المكفولة له بموجب المواثيق الدولية لحقوق الانسان، التي تكفل له حقه وحريته في التعبير عن الرأي، علما أن الشيخ الباز لم يخالف القانون في كل ما يقوله أو يكتبه، وأنه يتعرض إلى اعتقالات كيدية تعسفية، تهدف إلى إسكات الأصوات التي تفضح حقيقة سياسات سلطات الاحتلال، وحقيقة ممارساتها بحق شعبنا وحقوقه الوطنية المشروعة، ذلك أن التعبير عن الرأي وإعلان الموقف السياسي ليس جريمة، بل هو حق ضمنته كل الشرائع والقوانين والمواثيق الدولية.
إن تدهور صحة الشيخ الباز بعد إعلانه الاضراب عن تناول الطعام والماء منذ يوم الخميس الماضي11/8/2022، في الوقت الذي يعاني من أمراض خطيرة، ومنها ضعف عضلة القلب وغيرها من الأمراض المزمنة، علاوة على كونه من كبار السن، يعرض حياته للخطر، ويجعل استمرار اعتقاله وتشديد إجراءات القمع والتنكيل بحقه، بمثابة الحكم عليه بالموت البطيء دون أي اعتبار للحفاظ على حياته، وضرورة توفير العلاج الصحي الملائم والمناسب له خارج السجن، وفي رعاية أهله وعائلته.
وفي هذا الشأن ينبغي تطوير وتوسيع حملة التضامن والدعم له من قبل جماهير شعبنا داخل فلسطين المحتلة عام 48، وفي سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما ندعو كافة المؤسسات والهيئات المعنية بالدفاع عن الأسرى والمعتقلين، وكافة المنظمات الدولية الحقوقية إلى رفع صوتها من أجل ضمان الافراج عنه وإطلاق سراحه في أسرع وقت ممكن، وتوفير العلاج الصحي الملائم له، وانقاذه من سياسة الإهمال الطبي بحقه التي قد تعرض حياته للخطر.
*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.