ينشغل الفلسطيني محمد ابو حصيرة، لساعات يوميا في ترميم مطعمه الصغير غرب مدينة غزة بعد الدمار الذي لحق به خلال جولة التوتر العسكرية الأخيرة بين حركة الجهاد الإسلامي وإسرائيل.
ويختص مطعم ابو حصيرة في طهي وتقديم أنواع مختلفة من الأطباق البحرية ذات النكهات والمذاق الحار المميز الموروثة لعائلته التي تشتهر منذ عقود في مهنة الصيد وتجارة السمك.
ويرتاد مطعم محمد ابو حصيرة الملقب “بابو علي” كافة طبقات المجتمع حتى الأثرياء من سكان القطاع الساحلي، الذي يقطنه أكثر من مليوني نسمة، إضافة إلى عدد من الوفود الأجنبية الزائرة كونه يتمتع بسمعة واحترافية في تقديم وجبات الأسماك.
ويمثل فصل الصيف فرصة للدخل الجيد لابو حصيرة، حيث تنشط فيه الحركة التجارية ويزداد مرتادو مطعمه في مثل هذه الأوقات لأكل السمك الطازج.
ويقول ابو حصيرة، وهو أب لطفلين، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن التدمير الذي لحق بمطعمه كبده خسارة فادحة سواء تكاليف إعادة الإعمار أو ضياع هذه الفترة من السنة.
ويضيف إن “المطعم في فصل الصيف لا يتوقف عن استقبال الزبائن الذين يتناولون وجبات الأسماك الطازجة”.
وتابع وهو يراقب عددا من العمال الذين أحضرهم لترميم وإعادة بناء مطعمه، أن التصعيد الأخير على غزة تسبب بإلحاق أضرار كبيرة بالمطعم وأصاب المنطقة بشلل كامل مما يعني فقداني لمصدر دخلي الوحيد.
وكانت الطائرات الإسرائيلية قد شنت في السادس من أغسطس الجاري هجوما على منزل مجاور لمطعم ابو حصيرة، بدعوى انتماء أحد قاطنيه لحركة الجهاد الإسلامي.
ويقول أبو حصيرة “لقد ألحق القصف دمارا كبيرا في المحلات والمصانع والمنازل في الحي بأكمله ومن بينها مطعمي”.
ويضيف “بعد أيام من القصف أصبحت في حيرة كبيرة فإما انتظار التعويض المالي من الجهات المختصة، والذي يحتاج أيضا إلى انتظار اخر لموافقة دول مانحة للمساعدة وبالتالي إغلاق باب رزقي الوحيد، وإما تحمل الخسائر التي لحقت بي وإعادة ترميم ما دمر وعدم تفويت هذا الموسم وبقاء باب رزقي مفتوح دون توقف فاخترت الأخيرة”.
وتابع “استدنت مبلغا ماليا من أقاربي وأصدقائي وسارعت بترميم المطعم من جديد لإعادة الحياة مرة أخرى في انتظار الحصول على تعويض”.
ويشير ابو حصيرة إلى “أن التأخير في ترميم المطعم، الذي تقدر مساحته 200 متر، وبقاءه مغلقا لفترة طويلة سيزيد من الخسائر المادية وعزوف الزبائن، فضلا عن حرمان العاملين لديه من مصدر رزقهم والانضمام لجيش البطالة وقوائم الفقراء”.
وتسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ عام 2007 وعدم استقرار الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة بتراجع الوضع الاقتصادي والتجاري في قطاع غزة.
ويعرب ابو حصيرة عن أمله “في التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل يوما ما، والعيش في القطاع بأمان دون الخوف من المستقبل أو حتى الخوف من فقدان أحبائنا وجيراننا وأهلنا، حينها ستكون الحياة أسهل وأجمل”.
وشن الجيش الإسرائيلي العشرات من الهجمات الجوية على مواقع عسكرية ومباني سكنية زعم تبعيتها لحركة الجهاد الاسلامي ونشطائها، مما أدى لمقتل 49 فلسطينيا على الأقل بينهم 16 طفلا وأربع نساء.
وقال الجيش الإسرائيلي إن الهجمات الاستباقية جاءت لمنع خطط هجومية كانت الحركة تحضر لتنفيذها ضد إسرائيل.
وتوصل الطرفان إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بوساطة مصرية لإنهاء جولة التوتر، التي تعتبر الأشد منذ مايو 2021 عندما اندلع قتال عسكري عنيف بين الفصائل الفلسطينية المسلحة وإسرائيل استمر 11 يوما وخلف أكثر من 255 قتيلا فلسطينيا و13 قتيلا في إسرائيل.
ويقول ابو حصيرة “لقد تعبنا من تكرار الحروب والدمار والدماء، لقد أصبحت حياتنا صعبة وتحملنا كل الظروف ولا أحد في العالم ينظر إلينا، لقد آن الأوان ليتدخل العالم لمنع انهيار الأوضاع مجددا”.
وفي منطقة غير بعيدة عن ابو حصيرة، لا يبدو أن الحظ حالف الفلسطيني حسن شملخ البالغ من العمر (69 عاما)، فهو مجبر على انتظار بدء عملية إعمار منزله الذي تضرر ضررا بالغا بسبب استهداف الطيران الإسرائيلي لمنزل قريب.
ويقول شملخ لـ((شينخوا)) “لقد أصبحت أنا وعائلتي المكونة من عشرة أفراد بدون سابق إنذار بلا مأوى ولن نتمكن من استعادة حياتنا الطبيعية كما كانت”، مضيفا “ما ذنبنا أنا وعائلتي لنشرد فأنا لا انتمي لأي تنظيم أو فصيل”.
وتابع بينما كان جالسا بجوار تلة صغيرة من منزله المدمر “أشعر بالحسرة والحزن بعد أن كنت استقبل الناس والضيوف في منزلي أصبحت أتسول المبيت والإيواء، أنه شعور صعب جدا”.
وبعد مرور أيام على توقف إطلاق النار، مازال شملخ يتوجه مع عائلته في صباح كل يوم للنبش بين الأنقاض والدمار بحثا عن مقتنيات منزله.
ويقول إنه لا يقوى على إعادة بناء منزله لاسيما وأنه لا يعمل ولا يستطيع أولاده توفير المال اللازم لذلك، معربا عن خوفه من تأخر عملية إعادة الإعمار مما سيزيد من محنته ومأساة عائلته.
وبحسب وزارة الأشغال العامة والإسكان في غزة، تسبب التصعيد الإسرائيلي الأخير على القطاع في تدمير 22 وحدة سكنية كليا و77 جزئيا ما جعلها غير صالحة للسكن، فيما تعرض 1908 وحدات لأضرار لكنها ما زالت صالحة للسكن.