كتب: طلال عوكل
سباق التصريحات المنتشية والمتوعّدة بين غانتس وزير الجيش ويائير لابيد رئيس الحكومة، جاء في مصلحة الأخير، الذي سيحصل حسب استطلاع للرأي بعد العدوان على نابلس، على مقعدين إضافيين، فيما يخسر كل من “الليكود” و”كاحول لافان” مقعدا. لابيد يحرص على أن يركب أعلى أمواج التطرف، بعد أن حقق ما يعتقد أنه إنجاز خلال عدوانه على قطاع غزة، واغتيال ثلاثة مناضلين من “شهداء الأقصى” في نابلس.
العدوان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، كل الفلسطينيين قائم كل الوقت، انطلاقاً من سياسة رسمية ترفض الاعتراف بأي حقوق سياسية للفلسطينيين، وتفرض عليهم سياسة عنصرية، تطهيرية، توسعية وتهويدية.
ما يحصل خلال الأيام الأخيرة هو تصعيد لعدوان مستمر وبوتائر مجنونة، يتزامن توقيته مع السباق المحموم، نحو الفوز بالانتخابات القادمة.
هذا ليس كل شيء، فالتصعيد الأخير، أيضاً، يستهدف ضرب معادلة الربط بين غزة والقدس والضفة، ونحو الاستفراد بكل منطقة على حدة، استمراراً لسياسة تمزيق الهوية الوطنية الموحّدة للشعب الفلسطيني. وبالإضافة إلى ذلك يتوهّم لابيد وزمرته الحاكمة أن بإمكانه أن يبدّد المشهد الذي حققته المقاومة خلال معركة “سيف القدس”.
واهم لابيد وزمرته، إذا بنى سياساته انطلاقاً من فرضية عزل ساحات المواجهة، وإغراق كل منها في همومٍ خاصة، وحتى المراهنة على تمزيق وحدة الشعب الفلسطيني، ودقّ أسافين عميقة في العلاقة بين فصائل المقاومة.
لم يتأخّر الرد الفلسطيني على الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في جنين ثم قطاع غزة، فنابلس، ولا نعتقد أن “عملية البراق” في القدس، فجر أمس الأحد، ستكون الأخيرة، أو الرد الوحيد.
شاب فلسطيني واحد بعمر الورد، لا نعتقد أنه تحرك بقرارات فصائلية، ينفذ عمليتين في القدس، ويوقع نحو عشر إصابات.. الأولى، في شارع “معاليه هشالوم”، والثانية، في شارع “معاليه شيزخ” في القدس الشرقية حسب اعترافات الشرطة الإسرائيلية.
مُنفّذ العملية يعرف مصيره مسبقاً، وأنه من غير المرجّح أن ينجو تماماً كما فعل شبّان آخرون في شهري أيار وحزيران حيث تم اعتقالهم بعد مطاردة واسعة.
كل الشبان الذين نفّذوا عمليات ضد إسرائيليين لا تتجاوز أعمارهم الثلاثين عاماً، ولم يكونوا منتمين لفصائل، وإنما حركتهم دوافع قومية، خصوصاً أن العدوان الإسرائيلي المستمر، لم يعد فقط تجريفاً للحقوق السياسية وإنما، أيضاً، يستهدف المصالح الشخصية وكرامة المواطن الفلسطيني.
بعد “عملية البراق”، سارع لابيد إلى الإعلان أنه سيتم تعزيز انتشار القوات الأمنية في القدس لمنع هجمات أخرى، وأن جيشه سيلاحق كل من يُلحق ضرراً بإسرائيل.
التصريح مثير للسخرية بكل معنى الكلمة، فالعمليات قد تتكرّر في مناطق أخرى، وليس في القدس وحدها، ثم إنه يتجاهل أن قواته الأمنية بمختلف مسمّياتها، تنتشر بشكل واسع ومستنفرة كل الوقت في كل الأراضي المحتلة، لكنها تفشل في منع وقوع العمليات.
لا يدرك رئيس الحكومة الجاهل في قضايا الأمن، والفاقد للخبرة والمرجعية العسكرية أن الانتشار الواسع لقواته ولمستوطنيه يوفر عملياً للمقاومين فرصاً أوسع، وأهدافاً أكثر.
على الجانب الآخر، ليس بإمكان لابيد أن يطمئن إلى أنه حقق الهدوء والاستقرار لمستوطني ومستوطنات غلاف قطاع غزة بمجرد أن تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
هو وقف هشّ لإطلاق النار، يمكن أن يفضي إلى اندلاع موجة تصعيد أخرى مع “الجهاد الإسلامي” في قطاع غزة، ما لم تنفذ إسرائيل الشروط التي تعهد بها الوسيط المصري.
صحيح أن إسرائيل لم توافق علناً ومباشرة على شروط “الجهاد الإسلامي” التي تتعلق بالإفراج عن الأسيرين عواودة والسعدي، لكنها لا تستطيع تجاهل التعهدات المصرية بهذا الخصوص.
تستطيع إسرائيل المماطلة، وإطالة الوقت حتى لا يبدو أنها خضعت لشروط “الجهاد” لكنها في النهاية مضطرة للتعامل مع تعهدات الوسيط المصري وتهديد “الجهاد”.
الوسيط المصري، مضطر لأن يعود للتحرك، وثمة أخبار تشير إلى أن وفداً أمنياً رفيع المستوى، سيقوم بزيارة خلال وقت قريب لكل من تل أبيب وغزة، في محاولة للتعامل مع هذا الملف، والحيلولة دون تصعيد آخر.
ينبغي لإسرائيل أن تأخذ تهديدات “الجهاد الإسلامي” بجدية، خاصة في ضوء الثمن الكبير الذي دفعته الحركة خلال المواجهة الأخيرة، وأيضاً في ضوء الموقف الذي أعلنته بالانسحاب من “الغرفة المشتركة”، ما يشير إلى أنها مستعدة للتمرد على كل التدخلات والضغوط الداخلية والخارجية.
إذا كان لابيد قد حصل على مكافأة التصعيد الأخير، كما تشير استطلاعات الرأي، فإن مثل هذه المكافأة ستتبدّد، وتتحوّل إلى خسارة بعد “عملية البراق”، وما ينتظره من عمليات أخرى إلى حين إجراء الانتخابات.
وفي الأخير، فإن من يسعون خلف المكاسب الذاتية في إسرائيل، من خلال توظيف الدم الفلسطيني، فإنهم مهما فعلوا، لا يمكنهم أن ينجحوا في وضع حلولٍ لأزمة النظام السياسي والعجز عن تشكيل حكومة مستقرة.