من المستهجن والمستغرب أن يقوم شخص بمكانة السيد خالد مشعل رئيس حركة حماس في الخارج الفلسطيني، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس في زمن حدوث الانقسام وفوز الحركة بانتخابات عام 2006، أن يستدعي شذرات من ماضي هو جزء منه وقاد الجانب الآخر من المأساة.
السيد مشعل وفي برنامج “الجانب الآخر” على فضائية الجزيرة، وما أدراك ما الجزيرة، يقوم عمليا بسرد حكايات هو شاهد عليها ولكن بطريقته الخاصة ووفق منطلقاته التي لا تمت للموضوعية بأي صلة، خاصة أنه كان جزءًا أساسيًا مما حدث ولا زلنا نعاني منه كشعب فلسطيني بحيث اوصلنا لمربع “نكبة” جديدة تعصف بالقضية الفلسطينية ككل.
في عام 2006، وافقت حركة حماس وعبر واسطة قطرية وبضوء أخضر أمريكي وغض طرف إسرائيلي، على خوض الانتخابات التشريعية التي جاءت وفقا لاتفاق “أوسلو” التي ترفضها حركة “حماس” وعملت كل جهدها لإفشالها، طبعا، الغالبية رحبت بموقف حركة حماس بقيادة مشعل بهذا الموقف ورأت أن المشاركة تعني تغيرات حدثت في موقفها، وكل ذلك كان برسم “قطري” وبتنسيق كامل مع “واشنطن”، وهذا بالتأكيد له ما له وعليه ما عليه.
فازت حركة حماس بأغلبية مقاعد التشريعي وهذا كان مفاجأة للحركة بالأساس، لكنه لم يكن أبدًا مفاجأة للرئيس أبو مازن والأجهزة الأمنية الفلسطينية لأن لديها تقارير تقديرية تقول أن حركة حماس ستحصل على مقاعد ما بين “67-74″، بمعنى أن الفوز في الانتخابات كان معلومًا لمن دعا لها والجهة التي ستفوز، ومع ذلك استمر فيها ولم يلغيها، بالتأكيد، كان هناك أسباب لذلك ولكن لست بصددها الآن، وبرغم من نصائح حلفاء حماس من الجهاد ومحور إيران بعدم دخول الانتخابات، إلا أن السيد “مشعل” كان يريد توجيه بوصلة الحركة للعمل السياسي لتكون مقدمة لتصبح جزء من الشرعية المعترف بها.
أذكر جيدًا في أول جلسة للمجلس التشريعي حدث نقاش جانبي مع أعضاء مؤثرين ومنظرين من الفائزين من حماس في عضوية التشريعي، وتمحور حول ضرورة أن لا تستلم حركة حماس الحكومة، وتطلب من الرئيس أبو مازن تشكيل حكومة من المستقلين شرط أن لا يكون أي منهم يديه متلوثة بالفساد، وذلك لمنع قيام المجتمع الدولي الذي يصنف حماس كحركة “إرهابية” من حصارها.
للأسف رفضت حماس ذلك، بل إن أحد أعضاء التشريعي المنتخب والذي كان له دور مهم في الضفة، قال إن الأمير “يقصد مشعل” قال “لا نقطة إلى الوراء”، لاحظوا التعبير نقطة وليس خطوة، وهنا يتضح أن هناك توجه “مشعلي” له رؤيا مستقبلية تؤدي بحركة حماس إلى التدجين وإلى دخول معترك السياسة بقبول اقليمي ودولي.
السيد “مشعل” وبعد موقفه هذا وتمسكه بتشكيل الحكومة الفلسطينية كون حركته هي من فازت في الانتخابات “وهذا حقه قانونيًا ولديه شرعية ومشروعية فرزتها صناديق الاقتراع” لم يعر انتباه لا للإقليم ولا للمجتمع الدولي الذي يصنف حركته بأنها “إرهابية” وأراد إما فرض أمر واقع، أو لديه رؤيا أخرى ونحن الآن فيها.
هنا فقط أريد ان أسأل بعد تجربة خمسة عشرة عامًا بمراراتها المستمرة على مجمل الشعب الفلسطيني والقضية الوطنية، لماذا هذا الاستدعاء للماضي؟!!! استدعاء يتحمل مسئوليته الكل الفلسطيني القيادي في حركتي حماس وفتح وبالذات السيد “مشعل”، أما محاولة تحميل المسئولية لقائد تيار الإصلاح “محمد دحلان” دون غيره فهي ليست سوى تعبير عن عقلية هاجسها خلق مناكفات داخلية مدفوعة بدعم “قطري” وبالذات في قطاع غزة، فالسيد “مشعل” كما يتبين لا تروق له العلاقات الجيدة بين تيار “دحلان” وحركة حماس في غزة، ومن جانب آخر يريد حرف النقاش عما حدث في غزة من عدوان على القطاع وتصدي حركة الجهاد الإسلامي تقريبا منفردة لهذا العدوان، لأن دوره المنسق مع دولة “قطر” كما يبدو أدى لاتخاذ قرار بعدم زج “القسام” في المعركة، وهنا لا أريد مناقشة إن كان القرار بعدم المشاركة صائب أو خاطئ.
عندما يتحدث مسؤول عن تاريخ ما عليه أن يكون موضوعيا في قراءته لهذا التاريخ وهذا ما يجعل من القائد قائدًا خالدًا، أما حينما لا يرى إلا الآخر ولا يرى نفسه معه، أو حتى ردة فعله عليه، هنا يصبح هذا ليس “بقائد” بل للأسف أداة تبرر نفسها وغيرها، والأداة من الأفضل عدم توسيع دائرة نقاشها.
حمى الله غزة بجميع مكوناتها، وغزة ليس لها سوى غزة.