كتب: غسان زقطان
سيذكر لمجرم الحرب أرئيل شارون أنه مات دون محاكمة، ولكن سيذكر لجزار قبية وغيرها أيضا أنه استطاع وضع فيروس الانقسام في الجسد الفلسطيني، وسيكون هذا الإنجاز الأكثر أهمية في تاريخه العسكري والسياسي، أكثر أهمية من اختراق خطوط الجيوش المصرية في ثغرة “الدفر سوار”، والتي اتضح أن “أسطرتها” كانت فقاعة إعلامية لمنح إسرائيل شيئا من الثقة أمام زلزال العبور المصري لقناة السويس وتحطيم “خط بارليف”.
الخطة المتدحرجة التي تضمنت اجتياح الضفة الغربية وحصار ياسر عرفات وتحطيم البنية التحتية في غزة وحراثة مدرج مطار عرفات في رفح، وكل ما أنجزه الفلسطينيون في مناطقهم عبر عقد التسعينيات من القرن الماضي، من الطرق والمرافق ومحطات المواصلات وأرصفة الشوارع مرورا بأبراج الإذاعة في رام الله التي شكلت منذ ما قبل النكبة أحد ملامح المدينة، والمقرات الرسمية وصولا إلى الإشارات الضوئية، ثم حصار عرفات في مقره في رام الله حتى اغتياله. كان ذلك تمهيدا بالنار لفكرة خلق بيئة الانقسام التي أنجزت بالانسحاب أحادي الجانب من غزة والقفز عن السلطة، وتسليمها لجماعة الإخوان المسلمين.
تغييب عرفات كان نقطة الارتكاز في العملية المتدحرجة، وهو تغييب لفكرة الوحدة التي كان يمثلها، وسيأتي اغتيال الشيخ أحمد ياسين في غزة ليكمل الدائرة عبر خلق الفوضى في قواعد ونخب “فتح” و”حماس”. في الفوضى التي نشأت إثر عملية “السور الواقي”، حسب تسمية الاحتلال لاقتحام الضفة الغربية وإعادة احتلالها، وما تلاها وعلى أرضيتها جاء الانسحاب المفاجئ للاحتلال ومستوطنيه من غزة، دون ترتيبات مسبقة مع السلطة أو اللجنة الرباعية أو الجهات الراعية. كان ذلك الحركة الأخيرة في إعداد المسرح لحرب أهلية فلسطينية ستحدث.
كان واضحا أن “حماس” التي فقدت مرشدها ومؤسسها وخيرة قياداتها الحريصين على الوحدة ستستولي على القطاع، وستستفيد من الانسحاب الإسرائيلي في تعزيز شعبيتها المتنامية وتغطية الانقلاب بشعارات المقاومة، أمام سلطة تجاهلها من يفترض أنه شريكها في الاتفاقيات، وتعاني من شبهات فساد وحملات شيطنة طويلة وتقف للمرة الأولى خلال أربعة عقود دون ياسر عرفات زعيمها ومؤسسها.
سيحدث الانقسام كما كان متوقعا، وستنقلب “حماس” على منظمة التحرير، وستنفصل غزة عن الضفة وستتشكل سلطتان في المقسم من فلسطين المقسمة.
ستفشل كل محاولات المصالحة والوساطات ومطالبات الشارع، ستفشل كل فرصة ممكنة للحوار، وطوال عقد ونصف حتى الآن ستلقى، بخفة غريبة، الفرص ومصالح الناس وأفكار الوحدة من النوافذ قبل حدوثها، وسيتحول الانقسام إلى واقع فلسطيني يضاعف الحصار، وذريعة سهلة لكل من حاول إلحاق الضرر بالفلسطينيين ومشروعهم الوطني وكرامتهم.
من بوابة الانقسام، دخل الفساد بمركباته الثقيلة من البوابات، فساد وظيفي وفساد مالي وعجز سياسي وتراجع في الإقليم والعالم، من بوابة الانقسام، تضاعف حصار غزة وتحول حكم “حماس” إلى ديكتاتورية حزبية وسلبت حريات الناس وأرزاقهم، من بوابة الانقسام وبسببه، تم القفز عن فلسطين ودفعها إلى الجدول الهامشي في الاهتمامات الدولية، من بوابة الانقسام، دخل التطبيع ووصلت إسرائيل إلى البحرين وأبو ظبي، من بوابة الانقسام، تحولت غزة إلى منطقة فقر ويد تتسول وشبان يغرقون في قوارب الهجرة….إلى ما لا نهاية من هجمات الأذى.
سيذكر التاريخ أن مجرمي الحرب شارون وموفاز ونتنياهو حققوا ذلك، وأننا علقنا هناك معلقين في الانقسام ومتعلقين به.