بقلم: مروان اميل طوباسي
بالرغم من 399 عملية هدم وإخلاء بيوت لابناء شعبنا الفلسطيني هذا العام وما أدت اليه من تشريد ونزوح أكثر من 400 عائلة فلسطينية، وخلفت شعورا متزايدا باليأس بين المواطنين الذين باتوا يرون آفاق إقامة دولة مستقلة كاملة السيادة تنزلق بعيداً بفعل استمرار منهج تعميق اضطهاد شعبنا ومفهوم الاحتلال الاستعماري في كل فلسطين امام عدم جدية الغرب في تحمل مسوؤلياته السياسية والاخلاقية والقانونية في انهاء الاحتلال، اضافة الى القلق العميق إزاء تداعيات تنفيذ أمر المحكمة العليا الإسرائيلية، الصادر في 4 أيار الماضي بطرد الفلسطينيين من مسافر يطا جنوبي الضفة في عملية تطهير عرقي جديدة وكذلك الشيخ جراح والاغوار، ومصادقة لجنة حكومية إسرائيلية على تنفيذ خطة استيطانية جديدة جنوبي مدينة القدس الشرقية التي تقضي ببناء 1446 وحدة استيطانية في احدي مستوطنات محيط القدس المحتلة على أراضي بلدة صور باهر وبين مستوطنتي “هار حوماه” و”جفعات هاماتوس”، اضافة الى تنفيذ كل أعمال القتل الاجرامي والاعدامات الميدانية ضد ابناء شعبنا ومنهم الأطفال والصحفيين وكان آخر ذلك شهداء نابلس وجنين والصحفية شيرين أبو عاقلة الفلسطينية الأميركية التي تلاعبت الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل بنتائج التحقيق فيها، والاعتقالات العشوائية اليومية المستمرة واعتداءات قطعان المستوطنين بحماية الجيش الإسرائيلي والاعتداءات المستمرة على المقدسات المسيحية والإسلامية بالقدس الشرقية عاصمة دولتنا واستمرار تصعيد منهج تهويدها.
في ظل كل ذلك وما هو اكثر من جرائم ترتكب، فمن المتوقع أن يصل يائير لابيد إلى بروكسل في 6 تشرين الاول القادم،للقاء وزراء خارجية جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 28 دولة، حسبما أفادت مصادر وزارة الخارجية الإسرائيلية ووسائل الإعلام لعقد اجتماع بين اسرائيل والاتحاد الأوروبي ، والمعروف باسم “مجلس الشراكة”.
مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل هو أعلى هيئة على المستوى الوزاري تناقش العلاقات الثنائية فيه،حيث لم يجتمع هذا المجلس منذ عام 2012 بسبب الخلافات حول قضية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وقد وافق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين الماضي على عقد اجتماع مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل بعد توقف اجتماعاته متذ قرن من الزمن، دون ان يتغير من واقع سياسات وجرائم إسرائيل شيئا بل أصبحت اكثر عدوانا في تنفيذ مشروعها الاستعماري الاحلالي .
وكانت قد وقعت إسرائيل اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي في عام 1995 لكنها ألغت المحادثات السنوية بموجب الصيغة في عام 2013 احتجاجا على قرار الاتحاد الأوروبي بالتمييز بين المستوطنات وبقية إسرائيل في جميع الاتفاقات.
ولعدد من السنوات اللاحقة منذ ذلك التاريخ، منعت دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي منفردة الاجتماعات، ودعت إلى مزيد من التقدم في مسيرة السلام المفترضة معنا نحن الفلسطينين قبل الانتقال نحو علاقات أوثق بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل.
الملفت للنظر اليوم إن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وافقت يوم الاثنين الماضي على أنها لا ترى سبباً للانتظار حتى إجراء محادثات مشتركة لحين الانتخابات الإسرائيلية المتوقعة في تشرين الثاني القادم وتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة.
ورغم أن الاوروبين يعلمون تماما بعدم وجود اي مسيرة سلام بحكم المواقف الاسرائيلية ويعرفون تفاصيل الوضع على الأرض في مناطق دولتنا المحتلة، لكن وزرائهم اتفقوا على أن مجلس الشراكة سيكون مناسبة جيدة للتواصل مع إسرائيل بشأن قضايا مختلفة ومنها الملف النووي الايراني بعد الانتقادات الإسرائيلية لزيارة بوريل لطهران، وموضوع الطاقة وحاجة الاوروبيين للغاز الطبيعي بعد قراراتهم المرتبطة بالولايات المتحدة بمعاقبة روسيا وتوقف إمداد الغاز منها، إلى جانب أن دولة الاحتلال تحولت إلى مُصدر للغاز ليس بفضل الاكتشافات الجديدة ولكن بفعل اعتداءاتها على حقول الغاز الفلسطينية واللبنانية في شرق المتوسط قبل الوصول الى اي اتفاقيات بخصوص ذلك وفق القوانين الدولية وقانون أعالي البحار لترسيم الحدود المائية، لكن إسرائيل تتصرف وفق قانون الغاب كدولة تسرق المصادر الطبيعية الفلسطينية وحتى اللبنانية كما ما زالت تمارس الاحتلال الاستيطاني في مخالفات وانتهاكات واضحة لكافة المواثيق الدولية، وتمارس سياسة الابرتهايد والفوقية اليهودية كنظام فاشي في مخالفات واضحة وبما يتعارض مع اسس نشؤ الاتحاد الأوروبي.
لكن عددا من زيارات الاتحاد الأوروبي رفيعة المستوى لإسرائيل هذا العام أعطت للاسف قوة دفع جديدة لاستئناف العلاقات بين الطرفين وفق اتفاقية الشراكة، التي برأيي ستتجاوز نصوص القانون الدولي بتنفيذها، كما تجاوزت اتفاقية مد خط أنبوب الغاز “ميد ايست” بين إسرائيل واليونان وقبرص وايطاليا تلك النصوص ( والتي قدمنا اعتراضات احتجاجية عليها لليونانين والقبارصة) ، قبل أن تقوم الولايات المتحدة مؤخرا بالغاء دعمها لهذا المشروع وفتح آفاق خط نقل جديد قائم على تعاون تركي إسرائيلي و/أو مصري إسرائيلي إلى القارة الأوروبية.
ولهذا الأمر أيضا تمارس الولايات المتحدة اليوم ضغوطاتها من أجل الوصول إلى اتفاق بشأن ترسيم المناطق الاقتصادية الخالصة بين إسرائيل ولبنان لاستغلال حقل الغاز كاريش وغيره في اجواء من التوتر وتهديدات المقاومة اللبنانية .
وفي وقت سابق من الشهر الماضي كانت رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين ، قد قامت بزيارة إلى اسرائيل في حينه، وهي أول زيارة من نوعها منذ عشر سنوات من قبل رئيس السلطة التنفيذية للاتحاد الأوروبي.
في حديثه بعد الاجتماع، قال وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد في حينه الذي يتولى اليوم منصب رئيس الوزراء في بيان مشترك، إن علاقات إسرائيل مع الاتحاد الأوروبي “رصيد إستراتيجي” ، في حين كررت فون دير لاين “حاجة الاتحاد الأوروبي للغاز الإسرائيلي” .
ومن خلال استطلاع مواقف عدد من دول الاتحاد الاوروبي التي تطالب بوجوب ان ينصب تركيز الاجتماع الأول بين الطرفين على الوضع المتعلق بعملية السلام في الشرق الأوسط ، الأمر الذي يتطلب من وجهة نظر تلك الدول من الدول الأعضاء كافة أولاً وضع موقف مشترك مسبقاً.
لكن من الواضح إن الدول الأعضاء منقسمة بشأن مدى الأهمية التي يجب أن تأخذها هذه القضية إلى ثلاث فئات وفق اهمية ذلك ، رغم تصريحات عدد من المسؤولين بالاتحاد الأوروبي وعلى رأسهم منسق السياسات الخارجية بوريل الذي قال :”لم يتغير موقف الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بعملية السلام في الشرق الأوسط”، في إشارة إلى الموقف الذي تبناه الاتحاد في عام 2016 الداعم لحل الدولتين.
وبالرغم من ان 9 دول من أصل 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تعترف بدولة فلسطين ومعظمهم فعلوا ذلك عند اعلان الاستقلال عندما كانوا اعضاء بالمنظومة الاشتراكية قبل انهيارها عام 1991، اضافة الى السويد كأول دولة من خارج مجموعة تلك الدول تعترف بدولة فلسطين عام 2014، اضافة الى اعترافات مالطا وقبرص قبل انضمامهم إلى الاتحاد الأوروبي، الا ان باقي الدول والتي شكلت أساس نشوء الاتحاد الأوروبي قبل توسعه ما زالت ترفض فكرة الاعتراف بدولتتا الفلسطينية وفق حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية رغم إعلانها دعم حل الدولتين واعترافها باسرائيل كدولة دون حدود معلنة ، رغم اننا عملنا مع البرلمانات الأوروبية المختلفة التي اتخذ معظمها توصيات أمام حكوماتها بضرورة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وما زلنا بكافة اللقاءات الرسمية مع الحكومات وعلى كافة المستويات نطالب بذلك حتى ينسجم الأمر مع ما يعلنوه من مساندة حل الدولتين ولكي يتساوى الاعتراف .
إن دول الإتحاد الأوروبي تؤيد عدالة القضية الفلسطينية بالقدر الذي تستطيع به دون إمكانية تجاوز تأثير المواقف الأميركية، وهي لفظية في معظم الحدود وفق بيانات عدة واعلانها معارضة الاستيطان وتغيير الامر الواقع لكن دون أي تحرك فعلي وجاد، بعكس مواقف شعوبها والاحزاب التقدمية واليسارية فيها التي تعمل ما بوسعها من اجل فضح سياسات اسرائيل التوسعية والعنصرية ومن اجل الارتقاء بالتضامن مع شعبنا وكفاحه العادل والمطالبة بمقاطعة سياسات دولة الاحتلال، الأمر الذي يجسد فجوة بين الموقفين الرسمي والشعبي المتصاعد بأوروبا.
فأوروبا الرسمية لا تمارس أي نوع من الضغط على إسرائيل او اي محاولات لمحاسبتها بل وترفض ذلك وتكرس التعاون معها في كافة المجالات ومن ضمنها العسكري ، تحت اعتبارات واهية من أهمها الشعور بعقدة الذنب من فزاعات الهولوكوست ومعاداة السامية واستمرار الارتهان للمواقف الأميركية السياسية المنحازة وتأثير المال اليهودي الصهيوني، في الوقت الذي تنتهج فيه إسرائيل “القوة القائمة بالاحتلال”ممارسات ” إرهاب الدولة ” والهولوكست المستمر منذ 74 عاما بحق شعبنا الفلسطيني الأعزل ، كما أن أوروبا رغم تقديمها مساعدات عينية ومالية كثيراً ما تستخدم المنح و المساعدات المالية، كورقة ضغط على السلطة الفلسطينية كما حاولت في موضوع المناهج التدريسية وغيرها، متجاهلة احيانا امر إرادتنا وحاجتنا للحرية والاستقلال الوطني من هذا الاحتلال البشع .
حتى أن بعض دول الاتحاد الأوروبي أصبحت اليوم تتحدث عن حل الدولتين دون الإشارة إلى الحدود الجغرافية المرتبطة بذلك لعام 67 ، ودون الإشارة في بعض الأحيان إلى القدس الشرقية كمدينة محتلة تمثل مكانة عاصمة دولتنا الفلسطينية ، ومنها من أصبح يتخذ موقفا “متضامنا” مع اسرائيل في اروقة بعض المنظمات الدولية أو في جلسات الاتحاد الأوروبي ، مما عكس تغيرا في منحى تصويت تلك الدول في عدد من مشاريع القرارات الدولية ، خاصة وان الاتحاد الأوروبي لا يتمكن من صياغة اي قرار موحد سوى باجماع دوله الأعضاء وفق النظام التأسيسي لهم، فيبقى إسيرا في بعض الأحيان لمواقف عدد من الدول الأعضاء فيه .
كما أن العديد من الدول الأعضاء بالاتحاد أن لم يكن معظمها أصبحت تصوت لممثل إسرائيل في تبؤ مواقع هامة بالجمعية العامة للأمم المتحدة، كما انها اليوم تساوي الضحية بالجلاد عبر العديد من مواقفها التي تحملنا فيها جزءا من مسوؤلية الاعمال
“الاحادية الجانب”، وكأننا في صراع عسكري أو نزاع حول اراضي مع اسرائيل ، متجاهلة احيانا اننا شعب يخصع للاحتلال الاستعماري كما كانت شعوبهم قد خضعت لذلك من جانب النازييين لفترة من الزمن ، فقاتلت شعوبهم من أجل تحررها وحق تقرير مصيرها انذاك .
وهذا جزء من مفهوم ممارسة سياسات الكيل بمكيالين تجاه حقوق الشعوب بمقاومة اي احتلال وفق الشرائع الدولية، إضافة إلى ممارسة هذه السياسة وذاك النفاق عند مقاربة قضية شعبنا بشعوب أخرى أو حين فرض عقوبات على دول أخرى باستثناء إسرائيل.