بقلم: د. أحمد يوسف
ما جرى من محاولة اغتيال للدكتور ناصر الشاعر الأسبوع الماضي، وبما يمثله الرجل من تميز واتزان، كشخصية اعتبارية وقامة وطنية، ومكانة متقدمة في مشهد الحكم والسياسة وكنائب لرئيس الوزراء السابق إسماعيل هنية، وأستاذ أكاديمي بجامعة النجاح، واحد وجوه الإصلاح بمدينة نابلس، يدفعنا للتساؤل عن طبيعة الجهة أو الجهات المعنية بتصفية هذه الشخصية، والعواقب المترتبة على مثل هذه المحاولة لجهة السلطة وحالة الاستقرار النسبي في الضفة الغربية، والتداعيات الكارثية من حيث إيقاظ رغبات الانتقام داخل الساحة الفلسطينية المتوترة والمشحونة أصلاً، بما يدعو للانفجار وزعزعة الاستقرار، جراء سياسات الاحتلال ووضعية الانقسام والانشغال والتجاهل الإقليمي والدولي للقضية الفلسطينية.
إنَّ السؤال الذي يدور في خَلد الكثيرين من أبناء هذا الوطن: من يا ترى وراء محاولة اشعال النار داخل البيت الفلسطيني؟ الإجابة بلا شك لا تحتاج إلى ذكاء خارق لكشف الخلفية، في ظل وجود احتلال بغيض أولى مهماته هي خلق أجواء من التوتر والتصعيد بين أهلنا في الضفة الغربية، حيث إن وحدتنا كشعب تشكل قلقاً وخطراً عليه، إذ إنَّ هناك استحقاقات للجانب الفلسطيني متوجبٌ عليه أن يدفعها إذا ما استقرت أمورنا وتمكنا من إصلاح تصدعات بيتنا الداخلي.
د. ناصر إنسان معروف بمواقفه الوطنية وانتمائه السياسي المتزن والتزامه الإسلامي فكراً وممارسة، أي أنه ذو ثقل ورأسه له كُلفة عالية، ولن تقف الجهات التي ينتمي إليها مكتوفة الأيدي صامتة على محاولة شطبه من معادلة الوجود.
وهذا معناه؛ إنه إذا نجحت المحاولة وتمَّ اغتياله، فقل على الوطن السلام، ولن تُبقي الفتنة إذا اشتعلت أخضراً أو يابساً في مشهد وحدتنا أو استقرارنا الوطني.
لقد عرفت د. ناصر من عملنا في الحكومة العاشرة، وكذلك في حكومة الوحدة الوطنية، فالرجل مشهود له فوق الكفاءة والمهنية والأخلاقية العالية أنه ركيزة وطنية وأيقونة مواقف، كما أنه أحد أعمدة الحكمة في المشهد الفلسطيني بشكل عام، وهذه مسألة لا ينكرها أحد، ولا تخضع للمماحكة أو الجدل.
إن ردود الفعل التي أعقبت محاولة الاغتيال من مختلف الأوساط السياسية والحزبية والدينية والإعلامية تكفي للرد على من حاولوا اللعب بالنار والاتجار بالقضية، ولعل ما أوردته النخب ونشطاء المجتمع المدني والشخصيات الدينية على وسائل التواصل الاجتماعي في صيغة تغريدات لإظهار حالة التنديد والاستنكار، وإظهار حالة التعاطف والتضامن مع د. الشاعر، هي في الحقيقة رسائل كافية للعمل على كشف المستور، قبل أن يتسع الخرق على الراقع، وتطيش سهام الانتقام شرقاً وغرباً.
إن علينا أن ندرك بأن أخطاء الماضي التي جلبتها أشكال الزعرنة والفلتان الأمني في قطاع غزة – قبل عقد ونصف العقد من الزمن- وترتب عليها أن سالت دماءٌ كثيرة، وتعمَّق الانقسام بين إخوة البندقية الواحدة، فخسرنا بذلك قوة شوكتنا أمام الاحتلال، وأفسحنا له المجال ليضربنا بعصاه؛ كيفما أراد ومتى شاء.
إنَّ الفلتان الأمني آفة إذا ما نخرت في أمننا ونسيجنا الوطني هتكته واتلفته، وإذا لم تجد من يفضحها ويأخذ على يديها ويردعها، أساءت بكل وقاحة الممارسة والأدب.
لقد أمر الرئيس عباس بفتح تحقيق بالجريمة، والأمل ألا يطول البحث ومعاقبة الجناة، وقديما قالوا: من أَمن العقوبة أساء الأدب. فعلى المستوى الوطني، فإن مثل هذه الجريمة تعني فتح الطريق أبوابٍ متهتكة لفتنة قد تقضي على ما بيننا من آصرة وطنية وكيانية سيادية قائمة على ما تبقى من هياكل هذا الوطن.
الفتنة نائمة لعن الله موقدها..
يا أبا القاسم.. كانت حكمتك دائماً تقول: إذا تعرضت لإساءة فلا تُفكر في أقوى ردٍّ، بل فكر في أفضل ردٍّ.. فالأخلاق السامية شيء رائع!!
باختصار.. لا يمكن توصيف من حاولوا اغتيالك خارج سياق الخيانة للوطن، والعمالة للاحتلال.
ونذكِّرك -يا أبا القاسم- بأن حارس العمر الأجل، وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً.