بقلم/ منير الغول
على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها قطاع غزة بفعل الحصار الاسرائيلي المتواصل منذ ١٦ عاما الا ان بهجة العيد حضرت وارتسمت على وجوه اطفال غزة البسمة ولو مؤقتا في ظل الهدوء الامني البعيد عن التوتر الذي يشهده القطاع منذ فترة طويلة …
مرت أفواج المهنئين بالعيد من كبار السن والشبان بشوارع غزة نحو بيوت الاهل لتقديم واجب العيد للاخوات والشقيقات والامهات كالعادة واطلقت السيارات العنان مخترقة الطرقات من رفح جنوبا الى بيت لاهيا وبيت حانون شمالا وسط مشاهد الفرحة التي رسمها الاطفال الصغار الذين وجدوا متسعا من الوقت للاحتفال بألعاب المنتفخات والمراجيح في حين قضت الغالبية العظمى وقت العيد على شاطئ البحر الذي يعتبر المتنفس الوحيد الذي يمنح غزة الامل بحياة أفضل بعيدا عن الحروب والصواريخ والدمار …
رغم البهجة والفرحة التي يرسمها الاطفال الصغار وحرص الاباء والامهات على محاولة تغيير واقع حياة اطفالهم وابنائهم وخصوصا المواليد الجدد الذين لم يعتادوا بعد على حقيقة الاوضاع الاقتصادية المزرية الا ان ظروف مواطني القطاع وجلهم من الموظفين تفرض عليهم واقعا مؤلما وقاسيا فهناك من لا يكفي راتبه لسد الاحتياجات الضرورية والرئيسية فيضطر للاستدانة او الاستلاف ليؤمن عيدية والدته وشقيقاته وقد يصل عدد الشقيقات احيانا الى اكثر من خمسة وستة …
وتشارك زوجة الرجل في التخفيف من العبء عن زوجها حيث تتولى مسؤولية شراء ملابس العيد الجديدة لابنائها وتركز على عملية الشراء مرة واحدة فقط في عيد الفطر السعيد ويتم استخدام نفس الملابس في عيد الاضحى وفي افتتاح العام الدراسي الجديد نظرا لانخفاض معدل الرواتب وحصول الموظفين على نسبة تتراوح بين ٦٠ الى ٨٠ بالمئة من الرواتب قبل العيد بعدة ايام بينما لا تنتظم آلية الصرف في اشهر وأيام سابقة الامر الذي يرهق ميزانية المواطنين الذين تقع على عاتقهم مسؤوليات معقدة بين دفع لرسوم الماء والكهرباء وفواتير والتزامات اخرى ناهيك عن مصروفات البيت من أكل وشرب ودواء الامر الذي يؤكد بما لا يدع مجالا للشك ان غزة رغم البهجة لا زالت فقيرة ومعدومة وتحتاج لسنوات طويلة للنهوض من سباتها وخمولها الاقتصادي الذي فرضه حصار الاحتلال …
في مشهد افضل حالا ولكنه لا يعتبر حلا دائما تبدو زيارات العمال الغزيين المتكررة نحو اسواق العمل في الداخل الفلسطيني وغزو قطاعي البناء والتجارة في ظل الهدوء النسبي ورفع حصة القطاع من تصاريح الدخول متنفسا حقيقيا للحصول على لقمة عيش بكبرياء رغم انها مغموسة بالتعب والارهاق جراء السفر المتكرر وقطع المسافات الطويلة اضافة للاجراءات الاسرائيلية المعقدة في التفتيش على المعابر والحواجز واستغراق العمال وقتا طويلا تحت وطأة هذه الاجراءات ورغم كل ذلك فان مشهد تواجد العمال يوميا في الداخل الفلسطيني المحتل يعملون ويعودون الى القطاع ذهابا وايابا افضل بكثير من مشاهدتهم يجلسون في بيوتهم دون عمل اذا ما عادت لغة الحروب والصواريخ والدمار …
صحيح ان الهدوء عامل مهم وحاسم وهو مصلحة اسرائيلية كبيرة مقترنة ايضا بحرص اسرائيل على تشغيل وتحريك ودفع عجلة اقتصادها الذي انهكته سنوات الحروب التي شنتها اسرائيل على القطاع وجائحة كورونا الثقيلة الا ان هذا الهدوء يمنح عمال القطاع فرصة حقيقية لتحصيل رواتب جيدة نسبيا مقارنة بمعدلات النمو الاقتصادي في المنطقة ووفقا للحد الادنى للاجور الامر الذي يمنح العامل الغزي الفرصة لقضاء عطلة نهاية الاسبوع ( الجمعة والسبت) وهو بين عائلته ميسور الحال ليتدبر مسؤولية توفير احتياجات البيت وتأمين لقمة العيش لاولاده وعائلته …
صورة الوضع حاليا ومنذ عدة اشهر دفعت مواطني غزة للاحتفال بعيدهم بهدوء ..عيد الفطر السعيد بعد رمضان وعيد الاضحى الذي يأتي بعد موسم الحج في مكة المكرمة وفيه تنتشر ظاهرة ذبح الخرفان لتقديم الاضاحي وفي قطاع غزة تحديدا تطفو على السطح ظاهرة الاشتراك في تقديم أضحية واحدة لشخصين او أكثر معا وذلك بسبب عدم قدرة مواطن واحد على شراء الاضحية لتقديمها عربونا لوجه الله تعالى ليزيل الالم والمعاناة والمساهمة في تقديمها للبيوت المعدومة وعائلات الشهداء الثكلى والاسرى الغائبين منذ سنوات طويلة عن اهاليهم …
رغم الهدوء السائد والذي يمنح اهالي القطاع الفرصة لالتقاط الانفاس ورغم الاحتفال بالعيد الا ان غزة تحتاج لسنوات طويلة حتى يكون احتفالها حقيقيا بعيدا عن الحصار الظالم وسط حرية تامة وذلك لا يأتي الا في ظل رفع كافة القيود عن القطاع والعودة الى مشاهد السبعينيات والثمانينيات حيث كانت كافة الطرق من القطاع تؤدي الى القدس والضفة الغربية والداخل الفلسطيني للزيارة واللهو وغايات اخرى الا انها اليوم مخصصة فقط لغايات العمل …
هناك حق لسيدات واطفال غزة للتنقل بحرية في كافة مناطق ومحافظات الوطن بالنظر الى الهدوء السائد وان لا تقتصر هذه المسالة على العمال فقط ولكن أمل تحقيقها مرتبط بامور سياسية معقدة لا زالت تلقي بظلالها السوداء على غزة التي لا زالت تصنع عيدها لكبرياء وهدوء رغم كل الظروف الصعبة…
لا يكفي عدد ١٤ الف عامل للعمل في الداخل الفلسطيني رغم نية اسرائيل لرفع العدد الى ٢٠ الفا اذا اخذنا بعين الاعتبار ان هناك اكثر من ٣٠٠ الف طلب قدمها عمال قطاع غزة للعمل في الداخل المحتل اي ان هناك حوالي ٢٨٥ الف عامل بدون عمل وهو ما يزيد من نسب ارتفاع البطالة وبالتالي تفاقم الاوضاع الاقتصادية والظروف الصعبة لدى اكثر من نصف عدد سكان القطاع.