بقلم: بكر أبوبكر
قدم المحامي والكاتب الصديق علي أبوحبله تحليلًا هامًا للتهافت العربي نحو الاحتلال، وانكسار عدد من قيادات الأمة وركوعها المهين تجاه القدم الهمجية، وتضحيتها بمستقبل أوطانها وشعوبها فداءً لمصالح آنية، تحفظ الرؤس والنظام في مواجهة ما تم تصويره لهم أنه الخطر الرئيس، وليس الصهاينة المنزرعين في قلب الأمة لتحطيمها الى الأبد، وما رافق ذلك من تشويه للقضية الفلسطينية وتصويرها أنها ليست ذات أهمية، ولكن الشعوب لا ترحم. ونقرأ له مستفيدين من مقالات عدة، وفي سياقات وأسباب وأسس نلخصها بمفهومنا ورؤيتنا بالتالي:
1-استطاع الدهاء الصهيوني إقصاء القضية الفلسطينية من الأجندة المركزية العربية ويا للدهاء! واعتبارها عبئا استراتيجيا على أكتاف بعض زعماء هذه الأنظمة، رغم إصرار الدبلوماسية الفلسطينية ونجاحاتها النسبية في أوروبا، وفشلها في المنطقة العربية!؟
2- يأتي وزير الخارجية الأميركي “بلينكن” للمنطقة حاملًا تخوفات أميركية امبراطورية من إقدام دول عربية مثل مصر والسعودية والإمارات، على بناء شراكات حقيقية وجديدة تتجاوز الأميركي بشكل أو آخر- ويا ليتها تفعل – لاسيما وصعود دول كُبرى ستُقصي أميركا عاجلًا أو آجلًا – عن زعامة العالم منفردة – مثل الصين وروسيا وربما غيرهما.
3- القمة الاسرائيلية – العربية السُداسية (27/3/2022م) في مستوطنة إسرائيلية في منطقة النقب الجريح بين وزراء خارجية مصر والإمارات والبحرين والمغرب، ووزيري خارجية الاحتلال والولايات المتحدة، قتلت مفهوم الأمن القومي العربي وأعادت إلى صدارة الاهتمام فكرة “الشرق الأوسط الجديد” لبيرس.
4- كان شمعون بيرس رئيس إسرائيل الاسبق، قد ألف كتابًا قبل أكثر من ربع قرن (نشر بالعربية عام 1994م) تحت عنوان: “الشرق الاوسط الجديد”، وتحدث فيه ببراعة سياسي خبيث يرسم نظاماً إقليمياً بوجه قومي، وبخطط إقتصادية ضخمة وطمس تاريخي ساذج لكل تركيبة الشعوب العربية، داعياً بذلك إلى فكرة “من اقتصاد الحروب إلى اقتصاد السلام”، وهو ما بدا يتحقق هذه الايام.
5-لا تقف زيارة الرئيس الأميركي المخضرم “جو بايدن” القادمة إلى السعودية، عند الأبعاد الثنائية بل ستتحول إلى قمة إقليمية من بين أهدافها توسيع دائرة ما يسمونه “السلام الابراهامي” التلفيقي! الجديد الموهوم، و”دمج” دولة الاحتلال نهائيًا كقائدة لزعماء المنطقة، وهل يختلط الزيت بالماء!. (قال الرئيس الاميركي بايدن عام 1973 عندما كان عضو كونغرس: لو لم تكن إسرائيل موجودة لأوجدناها).
6- لنتأمل قول المحلل الإسرائيلي المختص في شؤون الشرق الأوسط في صحيفة “هآرتس”(شهر 6 عام 2022م)، “زفي بارئيل”، الذي كتب عن فكرة إنشاء تحالف “دفاعي” إقليمي، حيث نظر أنه سيضم إسرائيل وعدد مما يسمونها دول الشرق الأوسط الأخرى (الفكر متجه كما يقول نحو قطر وعُمان والعراق)، ورآه بعث حياة جديدة في الفكرة المألوفة لتأسيس “حلف شمال الأطلسي في المنطقة، ومؤكدًا ان هاجس الرئيس الاميركي الأساس هو أمن “إسرائيل”. أولًا وأخيرًا، وهي صفعة لكل واهم بأن الاميركي او الإسرائيلي يهتم حقًا بمصلحة العرب.
7-وفي سياق ترويج التحالف بالمنطقة، قالت “تريتا بارسي”، نائبة الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي، إنّ “التطبيع السعوديّ-الإسرائيليّ” سيصعّد الصراع بين “إسرائيل” والفلسطينيين، وهذا يعطي إسرائيل الضوء الأخضر للاحتفاظ بالأراضي المحتلة والاستمرار في التوسع في الأراضي الفلسطينية، وسيؤدي ذلك إلى تفاقم المشكلة ودفعنا بعيدًا عن أيّ سلامٍ عمليٍّ”. وهي من قالت أيضًا (كانون الثاني 2020م) وهو أيضًا عنوان مقالها: “كما في الماضي، يبدو أن انحدار الشرق الأوسط إلى الفوضى يكون أكثر احتمالاً مع وجود الولايات المتحدة منه من دونها”. ما هو الحقيقة بعينها التي لا يراها العميان فقط.
8-قال مارك لينش، أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن (كما ورد في موقع انترسبت في حزيران 2022م) إنّ : “الجانب السلبي الرئيس لضغط بايدن للتطبيع بين السعودية وإسرائيل، هو العمل على إنجاز شيءٍ مفيدٍ، وفي الوقت عينه، فإنّ السلبيات الحقيقيّة لجهود بايدن تكمن بالسماح لإسرائيل بتجاهل القضية الفلسطينية، التي لا يزال يهتم بها معظم العرب ( ) والتي من المحتمل أنْ تندلع بسببها أزمات متكررة طالما أنّها لا تزال دون حل”. وخلُص الأستاذ الجامعيّ إلى القول “إنّه، أيْ بايدن، يجعل في الواقع مثل هذه الانفجارات البركانية أكثر احتماليّةً لأنه يُشجِّع إسرائيل على الدفع بشكل أسرعٍ وأخطرٍ في مصادرتها للأراضي والمنازل في الضفّة الغربيّة “. لا فُض فوك، وهل هذه تحتاج لنقاش! يبدو أنها تحتاج!.
9-إن استراتيجية الاحتلال الاسرائيلي هي أن أميركا تركت في المنطقة فراغًا وعليه ملؤه فهو أي الاحتلال رمز القوة العسكرية والتقانة والامن كما يسوّق ذاته، وهذا لا يتحقق إلا بالتحالف الإسرائيلي–العربي الخانع والمنقاد لها.
10-تجتهد دولة الاحتلال لإسماع زعماء دول الخليج خاصة، أن”التطبيع” -وبالحقيقة هو التتبيع المذل- معهم يمنحهم كزعماء”شهادة التأمين” من المخاطر الإقليمية المتمثلة في إيران، والمخاطر الداخلية المتمثلة في الحركات الإصلاحية وتيار “الإسلام السياسي”.
11-قد يبدو أن التاريخ يعيد نفسه، بما ترغب به أميركا وأصحاب الفكرة الاستعمارية ذات الطابع الاستبدادي المهيمن، وكأن رغبتها قدرٌ على الشعوب المناضلة.
إن الشعوب لا تموت والبلاد في مكانها باقية، وتزول الزعامات الخشبية. لكن تبقى الفكرة الاميركية – الغربية الاستعمارية-الصهيونية واحدة وبثوب أنيق اليوم عبر تسويق أن إسرائيل “الحبيبة”! فهي تزعم أنها لا تشكل خطراً على المنطقة (؟!) وأن الخطر تمثله جماعات إسلاموية، ودولة أو دول أخرى. وهو مضمون حلف الشر الجديد.
12-في المقابل فإن دولة الاحتلال التي تدعي الجبروت والقوة والمنعة الأبدية هي نفسها التي أدانتها كل منظمات الحقوق العالمية الموثوقة والمعتبرة لممارساتها وجرائمها البشعة، مثل منظمة العفو الدولية (أمنستي) التي صنفتها كدولة أبارتهايد وفصل عنصري بامتياز، وكذلك الأمر مع منظمة (ميديل أيست واتش) الاميركية المعتبرة، وعديد المنظمات الحقوقية الإسرائيلية وعلى رأسها “بتسيليم” وكأن امتنا العربية مسلوبة الرأي والإرادة والقرار الصائب؟!
13- الدولة العبرية تقف مرعوبة أمام الطفل الفلسطيني مرفوع الرأس والبطل في الضفة والقدس وغزة بمقاومته الجماهيرية عاري اليد والصدر، وتقف عاجزة عن حماية نفسها وأثبتت عجزها حتى عسكريًا في أربع حروب ضد قطاع غزة الصامد، وضد مخيم جنين وغيره، وتعجز عن دخول غمار حرب مع إيران وحلفائها.
14-كتب نضال وتد (حزيران 2022م)يقول: أن أكثر من 90 عضوًا في الكنيست الإسرائيلي لا يرون أي سبب يدفع دولة الاحتلال لتقديم تنازلات سياسية على قاعدة الأرض مقابل السلام، ولا حتى مقابل التطبيع الشامل والكامل مع الدول العربية التي وضعتها المبادرة العربية في بيروت، وتخلّت عنها الدول العربية لاحقًا، وباتت تقبل بالسلام مقابل السلام. ويضيف أن: هذا التراجع الهائل في موقف الدول العربية التي تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، يشكل أحد الأسباب الرئيسة في تغذية المجتمع الإسرائيلي بمواقف يمينية عنصرية، ترفض مجرد التفكير في فكرة الحل، على أساس الانسحاب من الأراضي الفلسطينية التي احتلتها “إسرائيل” في حرب حزيران1967.
15-دعنا الآن ندخل في “حلف الفضول” العربي (الأمن القومي العربي) أي عنواننا، ولمن لا يعرفه فهو واقعة تاريخية شهدت إبرام معاهدة عربية-عربية لنبذ العنف والظلم بعد حرب الفجّار بمكة المكرمة، قبل الإسلام، وشهده وأشاد به لاحقًا نبينا العظيم صلى الله عليه وسلم. وكان شعاره (لا يُظلم أحدٌ في مكة إلا ردوا ظلامته)، ومكة اليوم هي العالم العربي والاسلامي كله وفي قلبه فلسطين الاحرار، ومن أكثر ظلمًا اليوم من فلسطين المحتلة وقدسها وأقصى الرسول الكريم، ومن شعبها العربي المسلم الأسير تحت حراب الاحتلال! ومن أولى بالنصرة فلسطين أم أميركا وصنيعتها؟
16- ولنقل بوضوح: إن بعض من زعامات الدول العربية بوجهة نظر شعوبها اليوم هي خانعة، ونكثت بعهودها وتطلعات شعوبها نحو محمد صلى االله عليه وسلم ومسراه الحزين في المسجد الأقصى المبارك، والقدس وفلسطين، وسلبت تطلعاتهم للتحرر والوحدة أو التكاملية والديمقراطية والتقدم، وأظهرت الانسحاق الكامل والتبعية الاستهلاكية والانبهار العاجز بأميركا والفكر الاستعماري الغربي المهيمن، وبالصهيونية التي هي في صدام أبدي لا ينتهي مع حضارة وفكر ودين ورسالة هذه الأمة.
17-نحن نقول الكلام الفصل والله وكيلنا فقط، وما هو حقيقة كلام التاريخ والإرادة الصلبة والشعوب والرساليين بالأمة، فكما أنه سقط “حلف بغداد” في الخمسينيات من القرن العشرين بإرادة الأمة، وغيره من أحلاف، أومشاريع ولدت ميتة، وكما أسقط الأبطال العرب الفلسطينيون الاحرار مؤخرًا مشروع صفعة القرن للرئيس ترامب ، سيسقط الحلف الجديد البازغ “ابراهاميًا” حتمًا، وهو الحلف المشؤوم الذي سيرأسه الاحتلال، وهذه سُنة الشعوب المناضلة والأبية، وستسطع شمس الامة وتنتصر فلسطين شاء من شاء وأبى من أبى.