يسود في أرخبيل سفالبارد مشهد مماثل لما كان يحصل في الغرب الأميركي قديماً، إذ تجوب قوة صغيرة من الشرطة هذه الجزر الواقعة على مسافة واحدة من النروج والقطب الشمالي لملاحقة مخالفي القانون والمعتدين على الدببة القطبية.
ويتنقل الشرطيون البالغ عددهم 12 في المنطقة عبر عربات الثلوج أو مروحيات أو قوارب للمحافظة على الأمن بين السكان الثلاثة آلاف القادرين على تحمّل ليالي الشتاء الطويلة في المنطقة.
ويقول قائد الشرطة ستين أولاف بريدلي أثناء تواجده في مكتبه الواقع في منطقة لونغييربين الإدارية المركزية والمطل على أحد الوديان الخلالية لوكالة فرانس برس “إن معظم المخالفات بسيطة وهذا أمر بديهي”.
لكنّ قانون العقوبات في سفالبارد يتمتع بخصوصية محلية، إذ يفرض عقوبات مثلاً على إزعاج دب قطبي او استخدام قوارب من شأنها أن تحطّم الجليد. ويتعامل القانون بجدية مع هاتين المخالفتين إذ يفرض مثلاً 1500 يورو (1587 دولارا) غرامةً على من يُزعج دبّاً قطبياً.
ويتولى بريدلي في عمله ملاحقة السرقات البسيطة أو متابعة حوادث تتعرض لها عربات الثلوج، أو القبض على السكان المحليين الذين يتعاطون المخدرات، بالإضافة إلى إطلاق حملات توعوية في شأن عدم تناول الكحول قبل القيادة.
وقيل في إحدى المرات إنّ الجريمة الأكثر شيوعاً في المنطقة تتمثل في سرقة الأحذية إما عن قصد أو بالصدفة بعد شرب الشخص المعني بها كمية كبيرة من الكحول، فالسكان جميعهم في المنطقة يخلعون أحذيتهم قبل الدخول إلى المنازل أو المباني الرسمية.
ويُعتبر القسم الخاص بالجرائم في صحيفة “سفالباردبوستن” المحلية محدوداً، على غرار الأمور كلها تقريباً في أقصى شمال العالم.
وأبرز ما يمكن للمحرر بوريه هوغلي أن يكتبه في هذا القسم خبر يتمحور على “تسجيل بعض المشاجرات بعد إغلاق الحانات”.
ومع ذلك، فإن سكان سفالبارد مدججون بالسلاح، إذ يُعتبر حمل بندقية عند مغادرة المناطق المدنية خطوة ضرورية لمواجهة أي هجوم محتمل من دب قطبي.
ولا يستطيع هوغلي أن يتذكر سوى حادثة سرقة واحدة حصلت خلال السنتين اللتين تولى فيهما رئاسة تحرير الصحيفة. ويقول إنّ تلك السرقة “ربما كان مسؤولا عنها شخصان كانا مخمورين بعد مشاركتها في إحدى الحفلات ثم رصدا السيارة وفي داخلها المفاتيح”.
وعادةً ما يترك سكان المنطقة بيوتهم وسياراتهم غير مقفلة، فهذه الخطوة من شانها أن تسهّل هرب الأشخاص إن تعرضوا لهجوم من دب قطبي، بالإضافة إلى أنّها تشكل علامة على الثقة الضرورية للبقاء على قيد الحياة في بيئة عدائية كهذه.
إلى ذلك، لا يستطيع أي لصّ الفرار في ظل شبكة طرقات تبلغ فقط 40 كيلومتراً واتصال خارجي يقتصر على مطار صغير يقع في ضواحي لونغييربين، هذا إن قرر عدم استقالة أحد القوارب في رحلة تستغرق وقتاً كثيراً.
ولم تمنع هذه الظروف مواطناً روسياً من ارتكاب أكبر عملية سطو على مصرف يقع في المنطقة.
وسرق مكسيم بوبوف 70 ألف كرونة دنماركية (7125 دولاراً) سنة 2018 بعد سطوه بالسلاح على المصرف الوحيد الموجود في الجزيرة قبل أن يُقبض عليه سريعاً.
وحُكم عليه بالسجن لأكثر من عام في البر الرئيسي، فيما أغلق المصرف أبوابه بعد تلك الحادثة.
ويؤكد قائد الشرطة بريدلي انّه يقفل باب منزله بشكل دائم، عازياً ذلك إلى “المخاطر المهنية” الخاصة بعمله.
ولم يزر بريدلي الزنزانة الوحيدة الموجودة في ثكنته قبل أن يقوم بهذه الخطوة إلى جانب فريق وكالة فرانس برس.
ويتضح من خلال معاينة الزنزانة أنها نادراً ما تُستخدم.
ويقول بريدلي إنّ “حراستها بشكل دائم تتطلب ضابط شرطة”، وهذه مهمة بسيطة لا يستطيع فريقه الصغير تحملها.
ويقضي الشرطيون التابعون لبريدلي معظم اوقاتهم في استعداد على مدار الساعة لإجراء عمليات بحث وإنقاذ، فضلاً عن تحقيقات يجرونها في الشكاوى الـ130التي تُقدم سنوياً.
ويؤدي الشرطيون مهامهم كلها باستخدام مروحيتين متاحتين لهم، بدءاً من مساعدة قوارب تتعثر في المياه وصولاً إلى إنقاذ سياح يُفقدون في الجبال.
ويقول بريدلي “إنّ إجلاء ألف راكب من سفينة سياحية بعد تعرضها للغرق لا يتسم بالسهولة”، مضيفاً أن المهمة في هذه الحالة “تتمثل في إحضار الركاب إلى الشاطئ في ظل ظروف مناخية صعبة”. لكن على الشرطيين كذلك “التأكّد من أن السياح بمأمن عن أي هجوم محتمل من دببة قطبية”.