بقلم: د. أحمد يوسف
المشهد السياسي الفلسطيني مليء بأغطية الغيب وأستاره، ولكن نظراً لحساسية استمرار حالة “المراوحة في المكان” والضجر العام، يتجرأ البعض منَّا على محاولة تفكيك لوغاريتمات الواقع، بأمل أن تأتي خريطة الألغاز برؤية تُخفف من حالة التيه وملامح ما ترسمه المشهدية لوضعيِّة “مُكبَّاً على وجهه”، التي يتخبط بمتاهاتها الجميع.
إنَّ من المؤسف القول: مضى على الانقسام أكثر من خمسة عشر عاماً، حيث أخذتنا محاولات رأب الصدع وفرص تحقيق المصالحة إلى الكثير من العواصم العربية والإسلامية وحتى إلى دول غربية، وتحركت العديد من الجماعات والأحزاب داخل البلاد وخارجها لإنجاز المصالحة الفلسطينية، ولكن – مع الأسف- ذهبت كل تلك الجهود والمساعي أدراج الرياح، ولحق الجميع القول: “وكأنك يا أبو زيد ما غزيت”!!!
نعم؛ حدث الكثير من التقارب بين الفصائل الفلسطينية، وتعددت فرص اللقاء والتشاور والتفاهم، وأضحى التواصل يجد طريقةً لتبادل الرأي والمشورة، ولكنَّ الانقسام اللعين مازال قائماً، رغم وجود أكثر من رأس جسر قد تمَّت إقامته بين ضفتي النهر ومياهه الراكدة.
لست أدرى ما الذي يراهن عليه هذا الطرف أو ذلك من وراء اللعب على ورقه الانقسام وتجاهل إيجابيات المصالحة وجمع الشمل؟!
في الحقيقة، إن الذي شجّع البعض من دولنا العربية على الهرولة لتطبيع العلاقة مع إسرائيل (الدولة المارقة) هو حالة الوهن والانقسام، وعجزنا عن ترميم البيت الفلسطيني وإصلاح ذات البين بيننا.
وإذا نظرنا بعين فاحصة إلى ما آلت إليه الأمور بعد حزيران/ يونيو 2007، من حيث مكانتنا والمكان الذي حشرنا أنفسنا فيه بين الأمم، فسوف نجد أن قضيتنا تراجعت إلى حد القول إنه لم يعد هناك مكان ظاهر يمكن أن ترانا فيه الأمم!!
إسرائيل اليوم تشهد أعظم تجلياتها في السياسة والحضور، رغم كل جرائمها؛ سواء الخاصة بالحرب أو الانتهاكات التي تمارسها بحق الإنسانية، ومظاهر البلطجة على الساحة الدولية.
إنَّ إسرائيل تقدم نفسها -اليوم- على أنها صاحبة دور في حلِّ المشاكل العالمية!! وأيضاً في تقديم العروض لإغاثة أوروبا والعالم من نقص الطاقة والغاز بمسرحية إعلامية تخدع بها شعوب الدول الأوروبية.
إسرائيل اليوم -وعلى عينك يا تاجر- تسرق الغاز الفلسطيني وقريباً الغاز اللبناني، فيما الكلُّ يلتزم الصمت، وأن كلَّ ما يظهر فوق السطح أنها “الُمخلِّص” لنا من أكل خشاش الأرض!!
إن خيارنا لاستعادة مكانتنا تحت الشمس، ووقف هرولة العواصم العربية، والحفاظ على مشهد “سيف القدس” والكرامة الفلسطينية، هي التحرك نحو الوحدة بخطوة عنوانها “الشراكة السياسية والتوافق الوطني”، واثبات أنَّ الرؤية والخيار الاستراتيجي لسياساتنا تجاه الاحتلال، وأيضاً علاقاتنا مع العمق العربي والإسلامي، وكذلك توجهاتنا مع المجتمع الدولي لا تحكمها مواقف حزبية ولا إملاءات رأي الفرد مهما بلغت مكانته، بل هي توافقات التفاهم والشراكة السياسية.
إن الحالة الفلسطينية المتعثرة وانسداد الأفق لسنوات طويلة هي ما يجعل البعض يستدعي الغيب والرهان على مقولات أو نبوءات أو تفسيرات لا تتوافق مع القراءة العلمية للسُنن والنواميس الكونية. إن ما يعتاش عليه البعض في جدليات الحوار وأحاديث السياسة، ويتخذ منه متكئاً ترتاح على نواصيه تحليلاته هو نقاشات وعد الآخرة ونبوءة 2022، وكأن سُجف الغيب قد فتحت نوافذها لكلِّ من هبَّ ودبَّ لينهل من أسرارها ويبشرنا بالفتح المبين.
إن الانتصار والتمكين لا يأتي من فراغ بل تحكمه معادلات وقوانين لا تحابي أحداً، وهي في جملتها أرضية لتلك النواميس التي تسري قواعدها على الجميع.
أخيراً.. علينا ألا نخجل من الاعتذار لشعبنا والاعتراف بأننا ما زلنا متسربلين برسم الخطيئة، رغم مرور أكثر من خمسة عشر عاماً من القطيعة والترقب وانتظار الرجل الرشيد، الذي سيأخذ بأيدينا سويَّاً إلى صراط مستقيم.